عود علي بدء، حيث افتقد الحديث في التضفيرة المصرية الفذة التي كتبت في سياقها عدة مقالات نشرت في هذه المساحة عن »الخمسة وخميسة« وعن »ايزيس والعذراء والسيدة زينب« وعن »عين الحسود« وغيرها. ولاننا في الشهر الأول من السنة القبطية أي المصرية وهو شهر توت الذي يقال ان أصله هو اسم الإله »تحوت« إله الحكمة، فإن يدي امتدت إلي مرجع يرقي إلي مستوي المصدر، ومصدر ينضوي في زمرة السهل الممتنع!! إنه كتاب قوانين الدواوين الذي كتبه الاسعد بن مماتي وزير صلاح الدين الأيوبي والمتوفي سنة 606 هجرية - 9021 ميلادية! أول لقطة في تضفيرة اليوم هي الأسماء التي أولها الأسعد بن مماتي وثانيها الأمير عمر طوسون وثالثها العلامة الاستاذ الدكتور عزيز سوريال عطية ورابعها العلامة الدكتور محمد رمزي وخامسها الجمعية الزراعية الملكية وسادسها مكتبة مدبولي بالقاهرة.. وهناك اسم اخير لم يرد ذكره علي غلاف الكتاب ولا في مقدمته ولا متنه ولا هوامشه.. ولكنه صاحب الفضل الأول علي كاتب هذه السطور بأن علمني كثيرا عن تاريخ العصور الوسطي ووجهني إلي الاقتراب من المصادر والمراجع ثم جعلني اتشوق لمعرفة عزيز سوريال عطية والاقتراب من انتاجه العلمي.. وقد حدث.. انه استاذي الجليل الدكتور اسحق تاوضروس عبيد استاذ العصور الوسطي والحضارة بجامعة عين شمس! اللقطة الثانية هي ان مفردات اللقطة الاولي تمثل ذروة التواصل والتراكم المعرفي الثقافي بين مكونات الظاهرة المصرية.. اذ يكفي ان الذي أشار بتحقيقه مجددا وطبعه هو الأمير عمر طوسون أبرز المهتمين بالعلم والعلماء من أسرة محمد علي.. وأن الذي بادر من قبل بتحقيقه وشرحه والتهميش عليه بهامش لا يقل عظمة إن لم يزد علي المتن هو العالم القبطي المسيحي - حيث ان قبطي تعني مصري - الدكتور عزيز سوريال عطية الذي وجدت صورته واسمه وتاريخه العلمي في لوحة بارزة علي واجهة مكتبة عاصمة ولاية »يوتا« في الولاياتالمتحدةالأمريكية.. ومعه في تحقيق أسماء المدن والقري العلامة الجغرافي محمد رمزي.. ثم الجمعية العلمية الزراعية ومكتبة مدبولي كناشرين.. رحم الله الحاج محمد مدبولي! لن أطيل في التأصيل للاسماء التي شاركت في وصول هذا الكتاب لأيدينا وأيدي الاجيال من بعدنا، ولكن بمناسبة السنة القبطية فإن الباب السادس من الكتاب يتحدث عن: (أصناف »مزورعات« مصر وأحكام مستغلاتها، والفرق بين شتويها وصيفيها، ومسقاويها وبعليها، وأوان زراعتها وموسم ادراكها وتقدير ما يتحصل غالبا وما استقر من قطايع خراجها، والحديث عن اوان نصب الاشجار بها وترتيب الخراج عليها إلي أن يكمل أربع سنين، وادراك كل صنف منها، وما يحتاج اليه من عمالين وسواقين وخولة وأبقار وعلوفات وسواقي ومياه وريع وترتيب جميع ذلك). ثم يأتي الحديث عن الشهور القبطية وما يوافقها من السريانية، ويأتي شهر »توت« أول الشهور القبطية وهو أيلول بالرومي وبالفارسي خردادماه.. عدة أيامه ثلاثون يوما ونهاره اثنتا عشرة ساعة فإذا اقترب آخره زاد النهار ثلثي ساعة، أما ليله فهو في أوله اثنتا عشرة ساعة كنهاره وينقص عند آخره إلي احدي عشرة ساعة وثلث!.. برجه السنبلة وله من المنازل ثلاث: الصرفة والعوا والسماك، وفي اليوم الرابع منه صوم موسي عليه السلام وفي خامسه ميلاد السيدة مريم عليها السلام، وفي التاسع منه يطلع الفجر بالصرفة وهو كوكب زهر..«. ثم تتدفق المعلومات عن شهر توت لنجد أنه ».. في الخامس عشر منه يطيب الخوخ والرمان والعناب والزيتون واليسر والسفرجل والرطب.. وفي السادس عشر منه تنتقل الشمس لبرج الميزان وهو ابتداء فصل الخريف.. وفي العشرين منه يزرع الترمس قبل الزراعات كلها، وفي الحادي والعشرين منه الاعتدال الخريفي، وفي الثاني والعشرين منه يطلع الفجر بالعوا وهي خمسة أنجم وقيل سبعة وهي تشبه حرف كاف معلقة ك أو حرف لام.. ويقال إذا طلعت العوا ضرب الخباء وكره العراء.. وابتداء من الخامس والعشرين منه إلي آخره يجتنب أكل الموالح.. وفي الثامن والعشرين منه أنزلت التوراة.. وكان قدماء المصريين لا ينصبون فيه أصلا لبناء وطيب الهوي ويصلح فيه شرب المسهل وأكل الحلاوات وأصناف اللحوم ما عدا لحم البقر.. وهو جيد لتعليم العلوم الدقيقة والخط والأدب.. والسفر في البر والبحر وتفصيل الجديد ولبسه وعمارة الأرض وايفاد الرسل والنظر في ساير العلوم والنظر فيما يتعلق بالهندسة والفلسفة.. ويذم فيه الفصد والحجامة والختان وما أشبه ذلك! هل علمتم الآن من أين أتي لقب »العوا« الذي طالما سألت عن أصله صديقي التاريخي الأستاذ »خالد العوا« وهو من أبرز اليساريين.. وخجلت أن أسأل عنه أستاذنا الدكتور محمد سليم العوا غفر الله لنا وله!