يمثل يوم 18 ديسمبر يومًا مهمًا في حياتي.. منذ ثلاثة أيام جاء.. وأحسست فيه نفس ما أحسسته منذ 46 عاما.. يوم أن نشر اسمي لأول مرة في العدد الأول من صحيفة » صوت الجامعة ».. تلك الجريدة التي تخرج منها أبرز كتاب الصحافة الحاليين وأبرز رؤساء تحرير الصحف والمجلات في مصر والعالم العربي.. وكذلك أهم الصحفيين والمذيعين والإعلاميين والإعلانيين. كانت » صوت الجامعة » مدرسة صحفية تفوقت علي كثير من الصحف والمجلات في ذلك الوقت.. وكانت تنافس الكثير من الإصدارات في الخبر والرأي والتحقيقات الصحفية.. صدرت الصحيفة في بداية عصر جديد للصحافة تنعم فيه بقدر كبير من الحرية بعد عصر طويل من صحافة الخبر الواحد والرأي الواحد للكاتب الواحد.. صاحب الفكرة والأب الروحي لها هو أستاذنا الراحل جلال الدين الحمامصي صاحب التاريخ الطويل في الصحافة ومؤسس العديد من الصحف قبلها وأحد مؤسسي مدرسة أخبار اليوم التي انضممت إليها مع زملاء كثيرين حققوا الكثير من النجاحات. لا أستطيع حصر الذين تخرجوا في » صوت الجامعة ».. فهم كثيرون.. بعضهم رحل عن دنيانا.. وبعضهم مازال يعطي ويواصل نجاحه في بلاط صاحبة الجلالة.. ولكن كل هؤلاء مازالوا يحافظون علي المبادئ والمثل والقيم التي تعلمناها في الصحيفة والتي زرعها فينا أستاذنا الجليل الذي مر 32 عاما علي رحيله. 18 ديسمبر أيضا.. كان هو اليوم الأول لي في خدمة القوات المسلحة.. بعد عامين من انتصار أكتوبر العظيم.. كان اليوم الذي ركبت فيه القطار إلي مدينة إسنا إحدي مدن محافظة قنا والتي انتقلت إليها كلية الضباط الاحتياط خلال سنوات الاستعداد للحرب.. قضيت بعد ذلك سنوات جميلة تعلمت فيها الكثير.. وتعرفت فيها علي أصدقاء كثيرين.. وخدمت بلدي في أشرف ساحات العمل الوطني وأنهيت خدمتي مقدرا معني الشرف والمسئولية.. ومازلت أذكر يوم 18 ديسمبر الذي بدأت فيه تلك الصفحة من حياتي. اكتشفت يوم 18 ديسمبر الماضي أنه اليوم العالمي للغة العربية.. لم أكن أعلم قبله أن للغة العربية يوما يحتفل به العالم.. لكني عرفت أنه اليوم الذي أقرت فيه اليونسكو اعتبار اللغة العربية لغة رسمية في المنظمة الدولية قبل لغات كثيرة أخري.. وكانت جهود اعتماد اليوم العالمي للغة العربية، بدأت في خمسينات القرن الماضي، وأسفرت حينها عن صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 878 في 4 ديسمبر 1954، يجيز الترجمة التحريرية فقط إلي اللغة العربية، ويقيد عدد صفحات ذلك بأربعة آلاف صفحة في السنة، ومنذ عام عام 1960 اتخذت اليونسكو قراراً يقضي باستخدام اللغة العربية في المؤتمرات الإقليمية التي تنظم في البلدان الناطقة بالعربية وبترجمة الوثائق والمنشورات الأساسية إلي العربية، واعتمد في عام 1966 قرار.. ثم أصبحت لغة رسمية في المنظمة الدولية عام 1974. اللغة العربية التي يحتفل بها العالم من أقدم لغات الدنيا.. ومن أكثرها شعوبا تتحدث بها.. وهي اللغة التي اختارها الله ليخاطب بها عباده.. فهي لغة القرآن الذي لا يأتيه الباطل.. كلمات الله التي اختصها الله لمخاطبتنا.. ولعلها تكون لغة الجنة. اللغة العربية هي أغني لغات العالم بالحروف والمفردات والأصوات.. ربما تكون صعبة لغير الناطقين بها.. لكنها تبقي أجمل لغات الدنيا. أسأل اليوم نفسي.. هل نحن نحترم تلك اللغة.. هل نحافظ عليها ونحن نراها تمتهن في المدارس والشارع.. هل نحترمها في أعمالنا الفنية من أفلام ومسلسلات وأغانٍ.. الإجابة ببساطة ووضوح ستكون بالنفي.. فهي تعاني من امتهان أبنائها لها للدرجة التي نخشي عليها من الاندثار بعد كل التشويه الذي فعلناه بها. مطلوب منا أن نحافظ علي لغتنا التي توارت خاصة لدي الأجيال الجديدة خلف لغات أخري أصبح الحديث بها نوعا من التباهي والتفاخر.. الكارثة الأكبر هي أن هناك جيلا كاملا يكتبها بحروف أجنبية. لغتنا العربية في حاجة لمن ينقذها.