ها قد أظلنا يوم الاحتفال باللغة العربية لغة القرآن الكريم الشهيرة باسم لغة الضاد، والتى يحتفل بها العالم كله فى الثامن عشر من ديسمبر كل عام منذ قررت الأممالمتحدة اعتماد اللغة العربية لغة رسمية فى اروقتها واجتماعاتها ومكاتباتها مثلها مثل خمس لغات أخرى تعترف بها، وكانت بداية الاعتراف الأممى عندما طلب الرئيس جمال عبد الناصر أن تكون اللغة العربية لغة رسمية على أن تتحمل الدول العربية تكاليف إنشاء القسم العربي، فكان أن قررت الجمعية العامة فى دورتها التاسعة عام 1954 اعتبار اللغة العربية لغة عمل، وجاء نص القرار ليثنى على اللغة العربية لما لها من دور مهم فى حفظ ونشر حضارة الإنسان وثقافته، وتم العمل به فى العام التالي، ثم اعتمدت منظمة اليونسكو اللغة العربية فى مؤتمراتها فى العام 1960 باعتبارها أكثر اللغات الحية تحدثا فى العالم إذ يتحدث بها أكثر من اربعمائة مليون شخص، وفى الثامن عشر من ديسمبر عام 1973 وبعد شهرين فقط من انتصار أكتوبر العظيم قررت الجمعية العامة فى دورتها الثامنة والعشرين وبالقرار 3190 أن تكون اللغة العربية لغة رسمية، ومن ذلك الحين يحتفى العالم ممثلا فى جمعيته العامة باللغة العربية، لكن أهلها للأسف الشديد يمر عليهم اليوم دون ان يعيروها الاهتمام المطلوب، حتى الهيئات المعنية بالحفاظ عليها تكتفى إن تذكرت المناسبة بندوة أو بيان، اللهم إلا النزر القليل فى عالمنا العربى الذى يوليها الاهتمام اللائق بها، وأذكر هنا إذاعة البرنامج الثقافى فى الاذاعة المصرية وكلية اللغة العربية بجامعة الازهر ومركز الشيخ زايد التابع لجامعة الأزهر لتعليم العربية لغير الناطقين بها، كما أعلن الائتلاف الوطنى من أجل اللغة العربية بالرباط المغربية عن فعاليات أسبوع اللغة العربية، وكنت اتمنى لو أعلن مجمع الخالدين مجمع اللغة العربية عن احتفالية كبيرة تليق باللغة المحتفى بها، فما أحوج لغتنا الجميلة إلى العناية والاحتفاء ولفت أنظار الجيل الجديد اليها بعدما هجرها إلى لغات أخري، بل إنه ابتكر لغة خاصة يتحاور ويكتب بها ونسى العربية وحروفها، وسبق أن حذر علماء اللغة وحراسها من هذا الهجر للغة، وكان أستاذنا المغفور له فاروق شوشة الامين العام السابق لمجمع اللغة العربية حذرا غير مرة من تجاهل هذه الظاهرة، وطالب بمحاصرتها والحد منها وترغيب النشء فى تعلم العربية وإجبار المدارس الأجنبية فى مصر والوطن العربى على الاعتناء بتدريس اللغة العربية وجعلها مادة اساسية، كما حذر من تفشى ظاهرة إطلاق الأسماء الأجنبية على المتاجر والآلات الحديثة بزعم أن اللغة العربية لاتستطيع ان تصفها، وهو ما سبقه للتحذير منه شاعر النيل حافظ إبراهيم الذى صاغ قصيدة عصماء على لسان اللغة العربية وأشهر ابياتها: أنا البحر فى أحشائه الدر كامن فهل ساءل الغواص عن صدفاتي، وقال فيها محذرا من تفشى الأجنبية وطغيانها على العربية بزعم أنها لا تتسع لما هو جديد فقال: وسعت كتاب الله لفظا وغاية وما ضقت عن آى به وعظاتي، فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة وتنسيق أسماء لمخترعات، وشبه حافظ إبراهيم ما يجرى الآن فى عالمنا باللوثة، فقال على لسان اللغة العربية شاكيا: أيهجرنى قومى عفا الله عنهم إلى لغة لم تتصل برواتي، سرت لوثة الإفرنج فيها كما سرى لعاب الأفاعى فى مسيل فرات، ولم يكن حافظ إبراهيم وحده الذى تغزل فى لغة الضاد وانما كان معه امير الشعراء احمد شوقى الذى قال: أن الذى ملأ اللغات محاسنا جعل الجمال وسره فى الضاد. وهناك الشاعر اللبنانى حليم داموس الذى قال: لغة إذا وقعت على أسماعنا كانت لنا بردا على الأكباد، فهل مازلنا فى مجتمعاتنا العربية نرى أن كلام لغتنا موسيقى وينزل بردا على أكبادنا، وأنها مليئة بالمحاسن الرائعة فى التصوير والقوية فى التأثير وتتفرد بالجماليات فى النطق والكتابة، فهى اللغة التى يتغزل فى كتابتها ويتبارى فى رسم حروفها الخطاطون لتبدو كأنها لوحة فنية تنطق من روعة التصميم. لقد كانت اللغة العربية مصدر فخر للناطقين بها، وكان لها تأثير فى اللغات الأخرى فأخذوا منها كلمات عديدة تنطق فى لغاتهم بذات نطقها فى العربية مثل السكر، ورغم محاولات البعض اضعافها كما حدث فى غابر الأيام على يدى هولاكو قائد التتار الذى أحرق مكتبة بغداد وألقى بكتبها فى نهر الفرات، فإن اللغة العربية بقيت وستبقى برعاية الله الذى اختارها لغة كتابه الخاتم القرآن الكريم وقال جل من قائل: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» وقوله: «فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين..»، والمقصود هنا كما قال اهل اللغة هو اللسان العربى المبين، كما ورد فى موضع آخر بالقرآن قوله تعالي: «وهذا لسان عربى مبين»، لذا فإن اللغة العربية محفوظة حتى وإن هجرها أهلها بحفظ الله كتابه الكريم حتى قيام الساعة، كما انها لغة أهل الجنة وفى هذا أكبر تكريم لها. لمزيد من مقالات أشرف محمود