كل عام ولغتنا الجميلة، بألف خير وازدهار ، هاهو الثامن عشر من ديسمبر الذى تحتفل فيه الأممالمتحدة سنويا باللغة العربية ضمن اجندتها للأيام العالمية ،تعظيما لمكانتها ، لكن اليوم مر كغيره من الايام ، ولم يعره كثيرون من اهل العربية الاهتمام اللائق به وكثيرون منهم ربما لم يسمعوا عنه من الاساس ، مر اليوم مرور الكرام لم تمنحه الجهات الحكومية العربية الاهتمام الذى يليق به ، باستثناء ندوات جاءت على استحياء اقامتها مجامع اللغة فى البلدان العربية وزاد عليها كلية الالسن فى جامعة عين شمس المصرية وكلية علوم التربية بالعاصمة المغربية الرباط ، لم نسمع عن احتفاء الجامعة العربية به ، لم تعلن دولة عربية تنظيم مؤتمر يدرس واقع اللغة بين أهلها فى ظل التغول للغات الاجنبية التى تغزو التعليم فى بلدان لغة الضاد لغة القرآن لغة اهل الجنة.. وبدا واضحا أن اهمالنا للغة الذى ظنناه امرا عابرا بات متعمدا، وكأن أمر اللغة لايعنينا ، رغم تسليمنا بالمقولة التى تؤكد أن اللغات التى تسمى بالحية، تموت اذا لم تتجدد وتتناقل حتى اللغات التى نكتسبها بالتعلم، تسقط من الذاكرة بمضى السنين إن لم نستخدمها، فاللغات شأنها شأن البشر وكل الكائنات الحية تنثر وتموت بالاهمال، ورغم ذلك تجاهلنا الامر وتراجع اهتمامنا باللغة وتذوقها الى درجات متدنية، ولم يشفع للغة العربية أن أكثر من اربعمائة مليون يتحدثونها وكثيرون من غير ابنائها يجيدونها، بعد انتشارها بفضل الفتوحات الاسلامية وعن طريق التجار العرب الذين تنقلوا بين مشارق الارض ومغاربها، لدرجة بلغت حد تأثيرها الكبير على اللغات الاخرى، حتى انك تجد بعض الكلمات العربية فى لغات اخرى مثل الفارسية والتركية والاوردية ، ما يعكس قدرتها على التأثير على ماعداها من لغات ، والفضل الكبير فى ذلك يرجع الى القرآن الكريم ، الذى يضمن خلودها الى يوم الدين. اذن علينا ان نعترف ونقر بأن لغتنا الجميلة تواجه أزمة كبرى هذه الايام، سيظهر اثرها السلبى فى الاعوام القليلة المقبلة، فكثيرة هى الاسر العربية التى تدفع بابنائها الى المدارس الاجنبية التى غزت بلداننا ، وهى لاتعير اهتماما باللغة العربية ، فيشب الطلاب وهم لايعرفون قواعدها، وبعضهم يجهل حروفها وطريقة كتابتها خصوصا بعد ان ابتكر البعض (الفرانكواراب ) وهى كتابة المضمون العربى بالحروف الانجليزية ، ومن أسف تساهل الجميع مع هذا الخلط الذى يهدر قيمتها، حتى بدا الامر وكأنه طبيعى ، اذ بلغ حد تدنى مستوى التوقير للغة درجة يصعب تخليها ، وخير مثال لذلك مواقع التواصل الاجتماعى ونظرة واحدة اليها تكفى للصدمة، لما تحتويه من اخطاء املائية فادحة تفضح المستوى المتدنى للتعليم وتكشف عن حقيقة أمية المتعلمين ، واذا تجاوزنا التواصل الاجتماعى ومواقعه التى تضم خليطا متباينا من الثقافات ودرجات التعليم ، وذهبنا الى وسائل الاعلام المسموعة والمرئية سنجد العجب العجاب ، اخطاء بالجملة فى قواعد اللغة اثناء القراءة حتى نشرات الاخبار ، ويكفى للتدليل هنا ان كثيرا من المذيعين يستسهلون قراءة الاعداد وارقام السنوات باللغة العامية ، ومقالات كثيرة تنشرها الصحف بالعامية ، فاى استهانة بلغة الضاد أكثر من ذلك، وكيف يمكن ان نبرئ الإعلام بمختلف منابره من تهمة اهمال اللغة، لقد بلغ الامر مبلغا يصعب التوقف امامه بضرب الأكف ، اوالترحم على أساطين العربية شعرا ونثرا، ومن هنا فإننا نشد على عضد مجمع الخالدين المعنى بحماية اللغة عندما حذر وسائل الاعلام من الاستهتار باللغة ، وألمح الى امكانية استخدام حقه الذى كفله له القانون لوقف هذا العبث غير المقبول باللغة فى وسائل الاعلام ، التى كان حريا بها ان تكون فى طليعة المدافعين عن اللغة وجمالياتها والحفاظ عليها باعتبارها مصدر فخر للناطقين بها، فلاحياة لامة بدون لغة كما قال شاعر النيل حافظ ابراهيم وَكَمْ عَزَّ أَقْوَامٌ بعِزِّ لُغَاتِ. لذا فان الأمر بات يتطلب وجود ارادة سياسية لدى قادة الدول العربية بمنح لغة الضاد ما يليق بها من التوقير، وان يكونوا هم أول من يعمل على ذلك من خلال استخدامهم للغة العربية فى كلماتهم التى تلقى فى كل المحافل العالمية، وهنا يجدر أن نذكر بكل الاحترام ماأقدم عليه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر عندما ألقى كلمته فى الاممالمتحدة باللغة العربية وكانت المرة الأولى التى تنطق فيها العربية داخل الهيئة الأممية ومن بعده تكرر المشهد مع الزعامات العربية حتى يومنا هذا، وعلى كل الزعماء العرب الالتزام بهذه الخطوة لمنح المثل والقدوة لابناء شعوبهم وممثليهم فى كل المحافل الدولية، خصوصا وان الترجمة الفورية موجودة بصفة أساسية فى كل الاجتماعات ، كما أن شعوبا كثيرة تعتز بلغتها ولا تتحدث سواها، وعلى سبيل المثال الالمان والطلاينة، كما تجدر الاشارة هنا الى مبادرة الشيخ محمد بن راشد آل نهيان نائب رئيس دولة الامارات العربية المتحدة ورئيس الوزراء حاكم دبى ، الذى أطلق جائزة تحمل اسمه لافضل تطبيق ذكى لتعلم اللغة العربية عبر الحاسب الآلي، وكذلك أفضل مبادرة لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعى فى نشر اللغة العربية ورصد جائزة مالية كبيرة اعتقد انها تمثل وسيلة تشجيع للمشاركة فى الجائزة، ومن ثم يعود الأمر بالنفع على اللغة وتتحقق الاهداف المنشودة لخدمتها ، بعد أن ينجح الغواصون فى الوصول الى اعماقها الغنية بالدر والصدفات .