دعونا نتفق أن زيارة كل من رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا وميليس زيناوي رئيس وزراء أثيوبيا مؤخراً لمصر تتسمان بأهمية كبيرة وتبدو أهميتها أيضاً لكونها أول زيارة لكليهما بعد ثورة 25 يناير !! ولكن هل يعي المسئولون بمصر أهمية تلك الزيارة من الناحية الإستراتيجية والإقتصادية بصفه خاصة سيما في هذا التوقيت الحساس والهام نحو مصر المستقبل بعد الثورة ؟ أم أن الامر لا يعدو سوي عناوين صحفية كبيرة تركز فقط علي الأشخاص والمقصود شخصا رئيسي وزراء تركيا وأثيوبيا ؟ وفي الحقيقة فإنني قلق جداً من التركيز الاعلامي والرسمي علي شخص كل من رئيسي وزراء تركيا وأثيوبيا دون الاهتمام والالتفاف نحو معني الزيارة والأهداف التي يمكن تحقيقها علي المستوي الراهن وفي المستقبل القادم لمصر، ودعونا نتفق أن الأهتمام الشخصي بصفة خاصة بأردوغان رئيس وزراء تركيا قد انحرف بالهدف المرجو من تلك الزيارة وتحول إلي حدث إقليمي واسع وربما أيضاً دولي يحاول الجميع استخراج معان مختلفة حوله ونتائج له علي المستويين السياسي والأمني!! ولكن من الاحري بنا أن نركز فيما انحرفت به تلك الزيارة علي مستوي مصرنا الحبيبة وهو تمخضها في الصراع بين التوجهين الديني والعلماني وقد ظهر ذلك جلياً في بداية الزيارة ونهايتها فقد بدأت الزيارة بترحيب حماسي من بعض ممثلي التيارات الدينية وانتهت بفتور تام حينما أعلن أردوغان عن موقفه قائلاً " أنا مسلم لكني أحكم بدستور علماني يحترم كل الأديان " وقد كان أردوغان صادقاً مع نفسه محترما عقل المواطن المصري لكونه يتحدث باسم حزب يمثله " حزب العدالة والتنمية " ذو الميول الاسلامية والذي يؤمن بالتنمية الإقتصادية الرأسمالية وبحرية التدين لدي المواطن التركي وهذا من وجهة نظر أردوغان هو النموذج التركي الذي حقق للأقتصاد التركي القفزة العالمية التي جعلت تركيا تصل إلي المرتبة رقم 16 أقتصادياً علي مستوي العالم . من هنا بات ضرورياً أن نهتم بتلك الزيارة لكل من رئيسي وزراء تركيا وأثيوبيا باعتبار أنهما يمثلان دولتين هامتين لمصر وليس لاعتبارات آخري!! فبالنسبة لدولة تركيا فنعلم تماماً أن العلاقات المصرية التركية هي علاقات تاريخية ويجب علي مسئولي الدولة في مصر الإهتمام بالنموذج التركي الناجح الذي برز في إطار يتبني سياسات وسطية مؤمنة بالحداثة والعولمة والإقتصاد الحر مع الحرص علي بناء علاقات إقليمية ودولية فعالة تساعد علي بناء مصر المستقبل !! وليس مجرد علاقات شكلية تُعد ديكوراً سياسياً للوصول إلي أهداف أخري من خلال أجندات خاصة لن تكون مصر من بينها . وبالنسبة لدولة أثيوبيا فيجب ألا يكون المحرك الاساسي فيها هو اعتبار أن موضوع مياه نهر النيل هو الفزاعة التي تخيف الشعب المصري والتي تحركه نحو دول حوض النيل ومن بينها دولة أثيوبيا فهذه حقوق ثابتة تاريخياً بين هذه الدول بشأن مياه نهر النيل وهي حقوق لايمكن المساس بها وهذا ما أكده رئيس وزراء أثيوبيا حينما أكد في تصريحاته علي أن نهر النيل هو جسر للتواصل وضرورة أن يستفيد كل الأطراف ذات الصلة من مياه النهر دون أن يستغل طرف أطرافاً أخري في موارد هذا النيل الخالد !! من هنا بات ضرورياً أن ننحي ذلك جانباً علي اعتبار أنه ثوابت ولكن كيف ندعم هذه الثوابت؟، هنا يكون الحديث الذي تترجمه الآليات التي يمكن أن تتخذها الدولة من خلال توجه الإستثمارات إلي تلك الدول الشقيقة في جميع المجالات سواء فيما يتعلق بالزراعة أو إقامة مشروعات كبري أو علاقات تجارية بل أيضاً تصدير الثقافة المصرية إلي هذه الدول سواء عن طريق الفن أو الأنشطة الإجتماعية الأخري فالانتماء التاريخي بين دول حوض النيل هو انتماء حياة وبقاء ومصير !! وفي النهاية لابد أن نذكر أن الإهتمام بالشكل دون المضمون لن يؤدي غايته فمصر المستقبل تحتاجهما معاً !!