سألني صديق عن رأيي فيما قاله الرئيس مبارك صباح الخميس الماضي بمناسبة عيد العمال، فأجبت بأنني رأيت الرئيس، وأسعدني جداً ما رأيته. وابتسم صديقي. فقد فهم ما أقصده، من ردي الذي لم يجب عن سؤاله! لم يكن السائل محتاجاً إلي تفسير، أو توضيح لما قلته، رغم أنه سأل عن رأيي في الخطاب فبدأته بالتركيز علي ما شاهدته، وليس علي ما سمعته! طوال الأسابيع العديدة الماضية كان اهتمام المصريين منصباً علي متابعة الحالة الصحية للرئيس حسني مبارك، منذ سفره إلي ألمانيا لإجراء عملية جراحية، والأيام العديدة التي أمضاها بعد نجاحها، في المستشفي.. ثم موافقة الأطباء علي سفره إلي بلاده مع تشديدهم علي فترة نقاهة تسبق عودته إلي استئناف عمله بشكل كامل، وطبيعي، وتقليدي. واختار الرئيس مبارك تمضية بضعة أيام في »شرم الشيخ«. مرات قليلة نشرت فيها صور للرئيس خلال تلك الفترة، منها الصورة الأولي التي ظهر فيها الرئيس في المستشفي ومعه الأطباء. بعدها بأيام.. نشرت، وعرضت، صورة ثانية وهو علي أعلي سلم الطائرة، وبجانبه السيدة الفاضلة قرينته، بعد وصوله بسلامة الله وفضله ورحمته إلي مطار شرم الشيخ. ثم تلاحقت صور مصافحة الرئيس لمستقبليه، بابتسامته الشهيرة التي يرد بها علي الفرحة البادية علي وجه كل من وقفوا لمصافحته، قبل توجهه إلي السيارة. رغم مشاركة عشرات الملايين في الفرحة بعودة رئيسنا بالسلامة، إلاّ أن نسبة كبيرة من هؤلاء أنا أحدهم لم يكن اطمئنانهم علي »الريس« كاملاً. فالصور الأخيرة ليست نفسها التي كان عليها قبل سفره إلي ألمانيا لتلقي العلاج والشفاء من »الوعكة« التي ألمت به. وزاد من قلق المصريين ما قاله الرئيس مبارك شخصياً عن تلك »الوعكة« واصفاً إياها بأنها» كانت علقة جامدة«! حقيقة أن القلق بدأ يخف، ويقل، شيئاً فشيئاً خاصة بعد أن توالي وصول العديد من قادة الدول الواحد بعد الآخر إلي شرم الشيخ لمقابلة الرئيس مبارك، والاطمئنان علي صحته، ثم استئناف الحديث حول قضايا وأحداث كانت وما تزال تشغل بال شعوب، وحكومات دول المنطقة. القلق.. وإن كان يخفت ويتضاءل، إلاّ أنه لم ينته تماماً. فالمتشائمون المدمنون وجدوا في قلق ملايين المصريين علي صحة رئيسهم، ما يرجح إدمانهم ويغذي تشاؤمهم و يفصح عن برامجهم في إحداث التغييرات التي طال انتظارهم لها بمناسبة وبدون مناسبة. تشجع بعضهم وأكد أن الحالة الصحية للرئيس مبارك لن تسمح له بالترشيح لفترة رئاسية قادمة! واستند آخرون إلي هذه »المقولة« في تبرير ما يطرحونه بعدها. فمثلاً.. منهم من أخرج »بعبع التوريث« من المصباح، وكنا قد تصورنا أنه اختفي وتلاشي! سمعنا، وقرأنا، لمن يؤكد نقلاً عن مصادر لم يحددها بأن الرئيس مبارك »سيترك الرئاسة«، و سيطلب »من الحزب الوطني ترشيح أمين السياسات جمال مبارك في الانتخابات الرئاسية القادمة، متجاهلين ما سبق أن نفاه الرئيس مبارك، وجمال مبارك المرة بعد الأخري .. علي مدي السنوات العديدة الماضية متعلقاً بالتوريث، وأن لا النظام الجمهوري، ولا الدستور المصري الحالي، يسمحان بتوريث الحكم. الطريف أن من قال، أو كتب، هذه »المعلومة« مجهولة المصدر تعامل معها كحقيقة تتطلب المواجهة، والمجابهة، والصمود والتصدي! وبين يوم وليلة.. أصبحت تلك »الدعوة« تتصدر صحفاً، وتبدد ساعات فضائيات، وتعقد من أجلها محاضرات أو مناظرات، كما تخرج للتنديد بها مظاهرات وتظاهرات وتصادمات! قالوا إنهم في الماضي كانوا صامتين، و راضين، لأن لا أحد يستطيع منافسة الرئيس مبارك في الانتخابات الرئاسية. أما اليوم .. بعد أن »أكدت« مصادر »مجهولة« عزم الرئيس علي التنازل عن الحكم لإبنه، فإنهم سيرفضون، وينددون، ويتظاهرون من أجل تعديل الدستور ليسمح لمن يشاء التقدم لخوض الانتخابات الرئاسية، ويثقون في أن لديهم من يحظي بشعبية كاسحة وقادرة علي تحقيق الفوز! طوال الأسابيع العديدة الماضية.. لم يتوقف هؤلاء، وأولئك، عن الحديث المكتوب، والمرئي حول المعلومة »مجهولة المصدر« و ضرورة التعامل معها أي الزعم ب »قرب تنازل الرئيس عن منصبه« كحقيقة واقعة بدليل أن »الظروف الصحية للرئيس لم تسمح له لأول مرة بالغياب عن الاحتفال بعيد العمال في أول مايو«! ولا أعرف ماذا قال هذا البعض عندما سمعوا عن مغادرة الرئيس شرم الشيخ إلي القاهرة.. واستقبال »أبو مازن« في مكتبه.. ثم حضوره الاحتفال الكبير بعيد العمال، والخطاب المهم الذي ألقاه صباح يوم الخميس الماضي؟! الذي أعرفه أنا علي الأقل أن صور الرئيس في عيدالعمال كانت مختلفة عن صوره خلال الوعكة الصحية، والأهم أنها أي صور الاحتفال أعادتنا إلي صوره قبل سفره إلي ألمانيا، وهي ذاتها التي عرفناه بها طوال السنين العديدة الماضية. استعادة الرئيس لكامل صحته، وعافيته، لم تؤكدها صوره وحدها.. وإنما أثبتتها أيضاً كلمات خطابه الذي أشار ببعضها إلي تبشيرنا ب »انطلاقة جديدة«، مؤكداً أنه أصبح اليوم »أقوي عزماً من أي وقت مضي« ، متعهداً في الوقت نفسه بأن » الانتخابات المقبلة، البرلمانية والرئاسية، ستكون نزيهة والشعب فيها هو الحكم«. خطاب الرئيس أعجبني. تماماً كما أسعدتني صورته. ومن الإثنين: فهمت أن الرئيس مبارك هو بإذن الله تعالي المرشح الأقوي في الانتخابات الرئاسية القادمة. تري: هل فهم الآخرون ما فهمته؟! وهل سيعود »بعبع التوريث« إلي داخل قمقمه.. مرة أخري؟! إبراهيم سعده [email protected]