من ذا الذي بمقدوره أن يحمي زراعة الأرز في مصر ويرحمنا من مافيا الاستيراد؟ أولئك الذين أقنعونا بضرورة منع زراعة الأرز بحجة الحفاظ علي المياه واستبداله بزراعة الذرة، وأفهمونا ان استيراده أرخص من إنتاجه محلياً فحرمونا من محاولات وتجارب ناجحة للاكتفاء الذاتي منه بل وتصديره، ورفعوا شعار أن تصدير الأرز يعني تصدير الماء الذي نفتقر إليه، أولئك الذين يرغبون في إبقائنا جوعي وينسفون حلم سمير الإسكندراني في أغنيته الشهيرة »واخواتي تلبس وتاكل». حرمونا من الأرز المحلي وكلفونا استيراده بالعملة الصعبة مع أن الأرز غذاء وطني بامتياز لا تستغني عنه كافة طبقات المجتمع لأنه طبق رئيسي علي المائدة المصرية بكافة مستوياتها لاسيما لدي الطبقات الفقيرة. من هنا فإن توفير الغذاء للشعب قضية أمن قومي من الدرجة الأولي. كيف تكون لدينا تجربة وطنية رائدة في إنتاج الأرز المقاوم للجفاف بدأت منذ عام 1993 وتطورت ونمت حتي بدأ أول إنتاج لها عام 2010 ثم نهملها وربما نحاربها حتي لا تري النور؟ لقد استطاع علماؤنا استنباط أربعة أنواع من هذا الأرز الذي أطلق عليه أصحاب التجربة اسم عرابي 1و2و3و4، وهي تجربة كفيلة لو تم تسجيلها وتبني تعميم زراعتها بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز بل وتصديره. صاحب التجربة الرائدة هو الأستاذ الدكتور سعيد سعد سليمان أستاذ الوراثة بكلية الزراعة جامعة الزقازيق الذي استضافته ندوة اللجنة الثقافية بنقابة الصحفيين ومعه فريقه من الباحثين ومجموعة من المزارعين أصحاب التجارب الناجحة الواعدة في زراعة الأرز المقاوم للجفاف. والدكتور عادل التراس أستاذ الوراثة في كلية الزراعة جامعة القاهرة الشاهد الأكاديمي والعملي علي نجاح التجربة فقد كان مكلفا من وزارة الزراعة بتقييم التجربة وجاب محافظات مصر شرقا وغربا بل وقام هو نفسه بزراعة هذا الأرز المقاوم للجفاف في أرضه بمحافظة الغربية. يدهشك أن تسمع منهم أن زراعة هذا الأرز نجحت في كل أنواع التربة سواء الجبلية أو الرملية أو الطينية، وأنها أفاضت بخيرها في الصعيد وبحري بل وفي توشكي والفرافرة وأبو صوير حيث التربة الرملية. وأنها توفر نصف المياه المطلوبة للري بمعني أنك تستطيع زراعة مليوني فدان بالمياه المخصصة لزراعة مليون فدان واحد لأن هذا الأرز يروي كل فترة تتراوح بين 8 إلي 15 يوما وفي بعض الأنواع بلغت مسافة الري كل 18 يوما. تزداد دهشتك حين تعرف أن إنتاجية الفدان منه تفوق إنتاجية الفدان الواحد من الأرز العادي إذ تتراوح ما بين 5٫8 و8 أطنان للفدان. وأنه يقبل كافة أنواع الري الموفر سواء بالرش المحوري أو الثابت والدقيق وأنه يتحمل المياه المالحة والجوفية ومياه الصرف الزراعي. ميزة هذا النوع من الأرز أنه قابل للزراعة في الأراضي التي لا تصلح فيها الزراعات العادية ومن ثم يمكن الاستفادة بمساحات من الأراضي لم تستغل الاستغلال الأمثل. أكثر من هذا فإنه يوفر نصف الوقود المطلوب ونصف التقاوي ونصف الكيماوي حسب شهادة المزارعين الذين قبلوا بالمغامرة وخاضوا التجربة مع الدكتور سعيد سليمان. الذي يؤكد أن من مميزات هذا الأرز ارتفاع نسبة البروتين به وانخفاض نسبة النشا مما يؤهله ليكون طعاماً صحياً ملائماً لمرضي السكر وراغبي تخفيض الوزن دون أن يؤثر ذلك علي مذاقه إطلاقاً. كانت صور الزراعات لافتة ومفرحة فقد تجد الأرز مزروعا ومحملاً علي حقول الذرة والمانجو والبرتقال وعباد الشمس، وتتعجب حين تعرف أن بعض أنواع هذا الأرز تستهلك نصف كمية المياه اللازمة لزراعة الذرة، فإذا كنا استطعنا توفير الماء لري مساحات معينة من الذرة كبديل للأرز فبإمكاننا استخدام نفس كمية الماء لزراعة ضعف المساحات بالأرز. أما ما قد يحزنك ويؤسفك أن بعض الدول العربية الشقيقة كالسعودية والسودان جربت زراعة هذا الأرز المقاوم للجفاف وحين نجحت التجربة طلبت تسجيله عندها لتبني زراعته وتعميمها، بينما مايزال علماؤنا في مصر يكافحون لإقناع الأجهزة المعنية كوزارة الزراعة ولجنة تسجيل الأصناف التابعة لمركز البحوث الزراعية بالتجربة وفوائدها العظيمة للاقتصاد المصري. علماؤنا يهيبون بالمسئولين: اسمحوا لنا بخدمة مصر. فهل من مجيب؟