منذ ان تنحي مبارك عن الحكم وجدنا انفسنا جميعا في اختبار ديمقراطي شامل.. وللاسف في هذا الاختبار رسب البعض بجدارة.. رغم انهم ظلوا يتشدقون بأجمل العبارات الديمقراطية التي أطربتنا.. لكنهم لم يتمكنوا من اخفاء نواياهم غير الديمقراطية طويلا، واضطروا إلي كشف زيف ايمانهم بالديمقراطية، أو تسترهم بالقيم الديمقراطية فقط لتغطية مآرب اخري ينشدونها.. بعضها مصلحي وبعضها ايدلوجي. لكن كلها تعكس الايمان المهزوز بالديمقراطية التي يتباهون بها ولا يملون الحديث عنها صباح مساء. ووقائع أو مظاهر هذا السقوط الديمقراطي كثيرة ومتنوعة.. تصدمنا يوميا منذ سقوط النظام السابق الذي كان وجوده يغطي هذا الزيف الديمقراطي لعدم وجود اختبار عملي له.. ودعنا من الوقائع الكبيرة التي افزعتنا طوال الشهور السبعة الماضية، والتي استخدمت فيها اسلحة فاسدة غير مشروعة ديمقراطيا، وهي اسلحة التخوين والتكفير وتلطيخ السمعة، ناهيك عن الاكاذيب والشائعات والضرب تحت الحزام.. ولنركز فقط علي وقائع ما حدث في اسبوع واحد فقط. في الاسبوع الماضي فوجئنا بحزب ينظم مظاهرات للترحيب والاحتفاء الحار برئيس وزراء تركيا الذي جاء لزيارتنا، وذلك من خلال حشد جماهيري استقبله في المطار وكل مكان ذهب اليه، مطالبا اياه باحياء دولة الخلافة الاسلامية.. لكن الحزب بعد يومين فقط انقلب علي الضيف المحبوب متهما اياه بالتدخل في شئوننا الداخلية حينما قال ان بلاده علمانية، وان الدولة مع ان اغلبية سكانها مسلمين، يجب ان تقف علي مسافة واحدة مع كل اتباع الاديان المختلفة.. ولذلك غادر الرجل بلادنا بفتور شعبي، وان كان الليبراليون لم يقصروا في الاحتفاء بتصريحاته الاخيرة، ونسوا ما قالوه من تحفظات سابقة حول نوايا الرجل الخاصة باحياء الامبراطورية العثمانية! ولعل هذا الموقف المتضارب لا يختلف عن موقف الذين زفوا لنا البشري حول نجاحهم من خلال الدبلوماسية الشعبية في تغيير موقف رئيس الوزراء الاثيوبي ميليس زيناوي من الاتفاق الاطاري لدول حوض النيل التي ترفض مصر التوقيع عليه لانه لا يحترم حقوقها التاريخية في مياه النيل فقد ابتلع هؤلاء سكوت الضيف علي الطلب المصري باجراء تعديلات علي هذا الاتفاق. كما فوجئنا ايضا بحزب اخر انتصر من قبل لحق القضاه في ابداء ارائهم في القضايا الوطنية.. وعندما قال بعضهم رأيا يخالف رأي الحزب في قانون الانتخابات الجديد هاجمهم بل والاكثر من ذلك طالب احد قادة الحزب النائب العام بالتحقيق معهم. ولعل ذلك ايضا لا يختلف عن الموقف التبريري الذي دافع به الرجل عن اخطاء وتجاوزات ارتكبت في جمعة لم الشمل والمتمثلة في رفع اعلام غير مصرية والطعن في دين ووطنية المنافسين.. وذلك حينما استخدم اسلوب »واحدة بواحدة والبادي اظلم« بدعوي ان الجمعة التي سبقتها حدثت فيها اخطاء وتجاوزات من الاطراف الاخري. كذلك.. رأينا من حدثونا عن ضرورة ان تتصدي الشرطة بحسم وحزم ضد البلطجية يرفضون التزام افراد اسرهم بقواعد المرور في الشارع معتبرين ان من يطالبهم بذلك يتجاوز في حقهم ويستحق العقاب. ويرتبط بذلك ايضا سكوت من تحدثوا عن اغراض سياسية وربما امنية وراء بعض حوادث البلطجة التي طالت عددا من الشخصيات الحزبية عندما تم كشف غموض حادث سرقة سيارة الفنانة بسمة التي كان يرافقها د.عمرو حمزاوي وتبين انه مجرد حادث بلطجة عادي لا طبيعة سياسية له.. كل ذلك ولا تتوقف الوقائع التي تكشف زيف ديمقراطية البعض والتي شهدناها في اسبوع واحد. فها هو رئيس حزب يحاول تكرار تجربة الرئيس الروسي بوتين في حزبه وذلك بالترشح لمنصب الامين العام في الحزب نظرا لان لائحة الحزب تمنعه من الترشح لرئاسة الحزب.. وذلك حتي تستمر هيمنته علي الحزب مبررا ذلك بالحرص علي مصلحة الحزب وحمايته من التفكك الذي يتهدده.. وها هو ناشط سياسي كان يهاجم بشدة التدخل الاجنبي في شئون البلاد وانبطاح النظام السابق امام الامريكان، يفاجئنا بالدفاع بحرارة عن المال السياسي الاجنبي الذي اغرق البلاد ويراه السبيل الوحيد لتمويل الجمعيات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني، في ظل شح التمويل المحلي.. ويبرر ذلك بانها اموال تستخدم في نشر الثقافة الحقوقية ونشر الوعي الانتخابي نافيا ما اعلنه وزير العدل عن ان ذلك يتم من وراء ظهر الحكومة وبدون علم اجهزة الدولة احيانا. وها هو ناشط سياسي اخر عاب علي المجلس الاعلي للقوات المسلحة مبكرا تعجله تسليم البلاد إلي سلطة منتخبة، واعتبر ذلك نوعا من »السربعة« غير المبررة.. ثم عاد هذه الايام ليتهم المجلس بالبطء في تسليم الحكم. وهكذا.. اختلفت المواقف وتناقضت حينما تعارضت المصالح.. واختفت بالتالي المباديء.. فهؤلاء يمنحون تأييدهم لمن يعزز فقط مصالحهم ويتوافق مع ايدولوجياتهم.. ويشنون الهجوم ضد من يخالف رؤاهم وافكارهم.. ولا عزاء هنا للديمقراطية، وقيمها التي تعترف بحق الاختلاف دون تربص بمن يختلفون معنا والتي تفرض علينا القبول بان يطبق القانون علينا قبل غيرنا، ولا تسمح باستثنائنا من تطبيق القانون علينا مهما كان شأننا. واذا كنا نفهم غياب الديمقراطية في سلوك المواطنين العاديين نظرا لغياب الثقافة الديمقراطية التي أخفقت المساعدات المالية الخارجية لمنظمات المجتمع المدني في نشرها فاننا نفهم غياب هذه القيم في سلوك ومواقف النشطاء السياسيين والحزبيين الذين يتحدثون ليل نهار برطانة ديمقراطية.. بل لعلنا من حقنا ان نقلق لان الديمقراطية ليست مجرد انتخابات حتي ولو تمت بنظافة، انما هي قبول بالآخر واحترام لرأيه بدون تخوين أو تكفير أو تشهير، والتزام بتطبيق القانون علي النفس قبل الغير.