يدعو الإنشاد الديني إلي التسامح والحب والإخاء الإنساني، وكل تلك المعاني بعيدة عن أذهان المتطرفين والمتشددين الذين يعتقدون بأن هذه الأمور (بدعة).. لذلك أصبح ضروريا الاهتمام بهذا الفن الإسلامي الجميل كنوع من المواجهة الثقافية والفكرية للمتنطعين والإرهابيين: من أسرار الله ويؤكد عبد الرحمن أبو شعر، قائد فرقة أبو شعر السورية للإنشاد الديني، أن مؤشر انتشار الإنشاد في العالم الإسلامي كله في ارتفاع مشهود وملموس وهو ما يعني انحسار الأفكار المتشددة، وقد تختلف الألوان الإنشادية والأذواق السمعية فإن السمع هو حاسّة من الحواس لكنها أشد خطورة لأن السمع موصولٌ بالقلب مباشرة فهو شديد التأثير علي القلب والروح وكذلك الجسد، والسَّماع سِرٌّ من أسرارِ الله. ويقول عبد الرحمن: الحمد لله الذي خصّنا من بين كثير من الشعب السوري الذي اضطرته الأزمة إلي الخروج من دياره فكل منهم اختار بلدًا وجه الله إليه قلبه، فسبحان من أسري بأرواحنا إلي بلد الكنانة واختار لنا البقاء بجوار أهل بيت حبيبه صلي الله عليه وسلم فأجلسنا في ظلالهم وأوردنا منازلهم.. وأضاف أبو شعر أن الفرقة وجدت مساندة من كبار المداحين المصريين، بل وكان الأزهر الشريف ممثلا بعلمائه الأجلاء الراعي الروحي للفرقة، وتصدّرت الفرقة لبعض احتفالاته، وأكرمنا الله أن صدحت أصواتنا في ذلك الصرح العظيم فأنشدنا به وأنشدنا له في أصقاع الأرض، وقد اشتهرت مصر بالأزهر الشريف وبتلاوة القرآن الكريم والابتهالات ومدح سيد السادات علي مر العصور ولم تزل، فشعبها ذواق من الطراز الرفيع وإدخال ثقافة سمعية جديدة عليه ليس بالأمر الهين، لكن بفضل الله وتوفيقه عندما دخلنا مصر وجدنا قبولا كبيرًا من علمائها ومثقفيها وأهل الفن الكبار وأهل المديح الأكابر أمثال الشيخ محمد الهلباوي رحمه الله فقد حدثني أخي الفنان علي محمد الهلباوي بأن فضيلة الشيخ كان يستمع للإخوة أبوشعر ويستمتع ويثني عليها ثناء طيبًا وكذلك الكثير من كبار المبتهلين والقراء وأهل الفن الكبار، فنحن روحان في جسدٍ واحد، لم نشهد فرقًا بين الشعب السوري ولا المصري إلا باللهجة المحكية. اختيار الكلمات الشيخ محمد السوهاجي يشير إلي أن الإنشاد الديني يواجه التطرف من خلال اختيار الكلمات التي تدعو إلي الفضائل والقيم والأخلاق الكريمة وتنبذ الرذائل والعادات السيئة والأخلاق الذميمة، واختيار الكلمة التي تجمع ولا تفرق وتبني ولا تهدم، والاقتباس من القرآن الكريم كما قال الشيخ النقشبندي في ابتهالاته: وتعاونوا وتمسكوا بكتابه، قرآنكم فيه السعادة دائما، والعز كل العز تحت لوائه.. وكما قال الشيخ محمد الطوخي: يا أمة الإسلام هذا دينكم، ونبيكم فاستمسكوا واسترشدوا.. وغيرها من الآيات التي تحثنا علي الترابط والألفة والوحدة وأن نكون جميعا يدا واحدة يسود بيننا التعاون والحب والمودة، وكذلك اختيار كلمات وطنية تدعو الناس إلي حب الوطن والتعلق به وخدمته في شتي المجالات فالكلمات الوطنية لها وقع سمعي رائع تَرِقًّ له القلوب وتهفو إليه الأفئدة فلا تقتصر معاني الكلمات في الإنشاد علي المعني الديني فقط بل الوطني والثقافي وغيرها من المعاني السامية، مع الاهتمام بالأمور الاجتماعية والقضايا العصرية لتكون لدينا أناشيد تدعو إلي بر الوالدين والإحسان إلي الجار وإكرام الضيف واللين في المعاملة بين الناس وغيرها من المعاني الراقية بين الناس فنسهم في إنشاء مجتمع مثقف وواع لا تغلب عليه الأفكار الباطلة والعادات السيئة حتي يعلم كل فرد في مجتمعنا أن الفكر المتطرف ليست له سيطرة علي هذه العقول المستنيرة والواعية. بلا سند موصول د. أحمد عادل عبد المولي، وكيل نقابة الإنشاد الديني والمتحدث الإعلامي، يؤكد أنه لا يوجد سلفي متطرف له سند متصل لرسول الله، بل وليس بين المتطرفين مبتهل أو مداح، وذلك لأن كثيرا من شبابنا يعانون من أزمة افتقاد المعايير الصحيحة للتفكير السليم. ويشير د. عادل إلي أن الإنشاد الديني يأتي بما يشتمل عليه من ابتهالات دينية ومدائح نبوية شريفة داعيا إلي السماحة ونبذ التطرف والعنف من خلال استثمار حالة الحب في أسمي تجلياتها ومعانيها؛ لأنها حب لله ولرسوله- صلوات الله عليه وعلي آله- فلا يخفي ما يتمتع به فن الإنشاد من ترقيق القلوب وإثارة المشاعر الجياشة في حب الله تعالي ورسوله الكريم.. ولذلك آن لنا أن نحارب التطرف والإرهاب بحب الله ورسوله والتغني بهذا الحب ليكون دافعا لاتباع المنهج الصحيح، وحتي ترتقي النفوس وتسمو القلوب فنري دموع الشوق في عيون المحبين بدلا من سهام الشر في عيون المجرمين. إحياء النفوس الشيخ جمال سالم الشهير بصوت الجبل يؤكد أن دور الإنشاد الديني في مواجهة التطرف بجميع ألوانه والإرهاب بمختلف هجماته لا يقل أهمية عن السلاح، فكما أن الكلمة السيئة تقتل النفوس فالكلمة الطيبة تحييها. وفي الآونة الأخيرة شهد المجتمع المصري طفرة في الإنشاد الديني، وحقق الإنشاد رواجا غير مسبوق، بعدما بات جزءا من كل محفل ثقافي.. ويشير الشيخ جمال إلي أن الإنشاد يحمل رسالة أعمق من إطراب الأذن، فالمديح رسالة تسامح ومحبة تلمس القلب وتلين العقل الغارق في الغضب والحسد والكراهية، وتحمل كلمات »الأنشودة» رسائل عن قيم التواصل ونبذ العنف مهما كان شكله.