بعد أيام قليلة تحل الذكري السابعة عشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر الحدث الذي غير تاريخ ومستقبل العالم القديم الذي كنا نعرفه قبل عام 2001. فمنذ ذلك التاريخ بدأت أمريكا ما أسمته بحربها علي الإرهاب التي بدأتها بحربين علي طالبان أفغانستان والعراق المارقة تحت حكم صدام حسين. وحتي الآن لم تتحرر أي منهما من الإرهاب الذي صنعته أمريكا وحتي الآن لم تنه أمريكا حربها التي اتسعت رقعتها لتدمر المزيد من الدول تحت شعار محاربة الإرهاب. ولكن بكل ما تملكه أمريكا من أجهزة أمنية وإمكانيات متطورة لازالت عاجزة عن سد ثغرات الرواية الرسمية التي أطلقها الرئيس بوش متهما تنظيم القاعدة بتنفيذ الهجمات. ولازال سيناريو المؤامرة هو الأقرب للتصديق مع كل حدث جديد تزيد فيه الحروب وتنتعش فيه تجارة السلاح الأمريكية. في إطار هذه الرؤية وجه الكاتب الفرنسي تيري مايسان رسالة مفتوحة للرئيس الامريكي دونالد ترامب يشكك فيها في إدارة بوش وما توصلت له من نتائج ويحث ترامب علي فتح تحقيق جديد والبحث عن الجناة الحقيقيين الذين خططوا ونفذوا الهجمات من الداخل، فطالبان بريئة ونظام صدام بريء وجاء اتهامهما لعجز الإدارة الأمريكية عن العثور علي الأطراف المذنبة وفقا لتصور الكاتب. من البداية جاءت قائمة ال19 شخصا المتهمين التي قدمها مكتب التحقيقات الفيدرالية كاذبة بعد أن كشفت شركات الطيران عن قائمة ركابها. ولكن الشيء الحقيقي الذي أثبتته الايام أن الهجمات نفذت من أجل فرض سياسة مختلفة. ففي الأيام التي أعقبت الحادث، اتخذت إدارة بوش عدة قرارات منها: إنشاء مكتب للأمن الداخلي وتمت الموافقة علي قانون لمكافحة الإرهاب الذي تم وضعه قبل فترة طويلة، وهو قانون باتريوت الذي أوقف العمل بقانون الحقوق الذي كان يوما ما يمثل مجدا لأمريكا ويقول الكاتب أنه بعد مرور قرنين من الزمان سيبرهن علي انتصار كبار ملاك الأراضي الذين كتبوا الدستور، وهزيمة أبطال حرب الاستقلال الذين طالبوا بإضافة »وثيقة الحقوق». ولخص الكاتب الفرنسي ما يعيشه العالم اليوم بأنه مخطط نفذه وزير الدفاع السابق، دونالد رامسفيلد والأدميرال آرثر سيبروفسكي اللذان تبنيا خطة وضعت منذ وقت طويل للسيطرة علي الموارد الطبيعية للبلاد الجنوبية. عبر تدمير الأنظمة السياسية والاجتماعية في نصف العالم. وفي الوقت نفسه، أطلق مدير وكالة الاستخبارات المركزية »مصفوفة الهجوم العالمي»، وهي مجموعة من العمليات السرية في 85 دولة، حيث كان ينوي رامسفيلد وسيبروفسكي تدمير هياكل الدول التي لم تلحق بركب العولمة. هذه الاستراتيجية التي أشعلت »الحروب الأهلية» ودمرت تقريبا كل الشرق الأوسط الكبير فتم محو مدن من أفغانستان إلي ليبيا بأيدي دول لم يكونوا أنفسهم في حالة حرب. ودعاه للنظر إلي أثرياء هجمات سبتمبر الذين ازدادوا غني في بلاده، في الوقت الذي تقلصت فيه الطبقة الوسطي وزاد الفقر. وبعيدا عن رسالة الكاتب الفرنسي لم يعد لدينا شك في أن الرواية الرسمية التي أطلقتها أمريكا عن الحادث غير صحيحة ، فالواقع أن أمريكا التي اطلقت حربا للخلاص من طالبان المتهمة بتنفيذ الهجمات مع تنظيم القاعدة تجلس اليوم علي طاولة المفاوضات مع طالبان لترسم مستقبل أفغانستان وتهييء نفسها للخروج من هذا المستنقع بعد أن زادت خسائرها.وعاد الجهاديون، الذين كانوا يعتبرون »مقاتلين من أجل الحرية» ضد السوفييت، ثم »إرهابيين» بعد 11/9، ليصبحوا حلفاء مرة أخري. وقد بلغت حتي الآن تكلفة الحرب علي الإرهاب 1.6 تريليون دولار. ولم ينته الإرهاب ولم تتوقف ماكينة تدمير وإسقاط الدول عن العمل. بل علي العكس ففي دراسة أجرتها جامعة ماريلاند لحصر عدد الهجمات الإرهابية قبل وبعد هجمات 11 سبتمبر في 194 دولة في الفترة بين عامي 1989 إلي 2016 وجد أن عدد الهجمات الإرهابية العالمية ارتفع بشكل كبير بعد عام 2004وزاد بمقدار خمسة أضعاف . وأن أكثر من 70 % من الهجمات في السنوات العشر الماضية اندلعت في منطقتين فقط، . ومع استمرار أمريكا في التعتيم عما حدث في ذلك اليوم وحقيقة سقوط برجي مركز التجارة العالمي بهذا الشكل الإحترافي وعدم تقديم متهم واحد حقيقي للعدالة علينا أن نري الصورة الحقيقية علي عكس الصورة التي صدرتها أمريكا للجميع بعد هجمات سبتمبر، فالعالم ليس غارقا في الإرهاب. فلقد وُجد الإرهاب قبل 11 سبتمبر وسيستمر في كونه آفة عالمية. و»الحرب علي الإرهاب الحقيقي» هي حرب لا تنتهي.