أكدت إحصائيات الأممالمتحدة أن نسب الطلاق ارتفعت في مصر من 7% إلي 40% خلال نصف القرن الماضي، ليصل إجمالي المطلقات إلي 7 ملايين مطلقة ومطلق؛ وينتج عن هذه النسبة 9 ملايين طفل يعيشون في مشاكل أسرية، رغم أن تعليمات الإسلام قد شددت علي ضرورة المحافظة علي كيان الأسرة المسلمة كوسيلة مهمة لارتقاء المجتمع وتعاضد أبنائه.. وفي هذا التحقيق عرض لمشكلة الطلاق وبحث عن حلول جذرية لها: حملات أزهرية يؤكد د. أسامة هاشم الحديدي مدير مركز الأزهر للفتوي الإلكترونية ومؤسس وحدة »لم الشمل» أن الأزهر الشريف أدرك مبكرا خطورة تزايد حالات الطلاق علي البناء المجتمعي، ووجه شيخ الأزهر بإنشاء وحدة العام الماضي للم شمل الأسرة المصرية وانتشر مندوبوها في حملات منظمة بالمحافظات، وأضاف أنه رغم حداثة إنشاء الوحدة فإنها نجحت حتي الآن في لمّ شمل (600) أسرة كانت مهددة بالانفصال وتشريد الأبناء، مع القضاء علي النزاعات التي كانت سببًا في تفرّقها.. ويشير د. أسامة إلي أن ترتيب مهام العمل في وحدة »لمّ الشمل» يأتي علي خمس مراحل: الاستقبال، وفيها يتمّ تلقِّي المكالمات أو الرسائل علي رقم 19906، ويقوم أعضاؤها كذلك بكتابة التقارير، ثم عرض الحالات التي تمّ استقبالها علي منسق عام مركز الأزهر العالمي للفتوي، رئيس الوحدة، للنظر وإبداء الرأي في التَّدَخُّل من عدمه؛ وترتيبها حسب الأولويات، ثم تأتي مرحلة توزيع الحالات التي تمّ التّوجيه بالتعامل عليها، ويقوم بهذه المهمة مشرف الوحدة بمعاونة الأعضاء الأساسيين، ثم التوثيق، ويتم سحب جميع الإقرارات ومحاضر الصلح وأرشفة إلكترونية لجميع الحالات مدعمة بالصور والفيديوهات. ومتابعة الحالات التي تمت مصالحتها، وإعداد تقارير تخصّ كلّ حالة علي حدة، وتُعرض علي منسق عام مركز الفتوي لاعتمادها مع محاضر الجلسات، ويأتي ذلك مع التركيز علي التوعية من خلال برنامج التّوعية الأُسرية في المعاهد الأزهرية بالمحافظات. تهديد للمجتمع د. أحمد عبده عوض، الداعية والمفكر الإسلامي يشير إلي أن الطلاق أصبح يثير الرعب بصورة حقيقية في صدورنا لما يمثله من تهديد شديد لمجتمعنا وما يمثله من نذير خطير علي روابط المجتمع، ولعل السبب الرئيسي في هذا هو عدم الوعي الحقيقي بقيمة الزواج والتساهل في إطلاق لفظ الطلاق علي أي مشكلة صغيرة كانت أم كبيرة؛ فهو ميثاق غليظ مقدس كما قال الله تعالي: »وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَي بَعْضُكُمْ إِلَي بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً»، ولهذا توعد الرسول الكريم »صلي الله عليه وسلم» الرجل كثير الطلاق باللعنة حيث قال: »لعن الله كل ذواق مطلاق»، وكذلك وجه الرسول الكريم تحذيرا شديدا للمرأة التي تتساهل في طلب الطلاق بحديث الرسول الكريم: »أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ». ويوضح د. عوض أن الطلاق شُرع ليكون الحل الوحيد والنهائي عندما تستعظم الأمور بين الزوجين ولا تكون هناك أي فرصة علي الإطلاق للإصلاح وتستحيل الحياة بينهما وأن يكون استمرار الحياة ضررا كبيرا، هنا فقط يكون الطلاق حلالا جائزا علي الرغم من كراهيته فما أَحَلَّ اللَّهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلاقِ. ويتابع: إننا حين ننظر إلي غالبية أسباب الطلاق نجدها لا تستحق أن تهدم الأسرة من أجلها وأن غالبيتها لا يخرج عن سوء التفاهم بين الزوجين وعدم قدرتهما علي الوصول إلي مستوي جيد من لغة الحوار بسبب تمسك أحد الطرفين برأيه إما كبرا أو تعاليا أو عنادا، ونلاحظ كثيرا عند المرأة كثرة الزيارات والخروج وإهمالها لبيتها وعدم مراعاة المقدرة المالية لزوجها وكثرة الإنفاق علي الأشياء غير الضرورية مما يمثل عبئا شديدا علي الرجل، أو إهمال الرجل لبيته وبخله في الإنفاق. تجاهل منهجي د. صابر عبد المنعم محمد، أستاذ العلوم التربوية بجامعة القاهرة يوضح أن الطلاق من أكبر الظواهر المنتشرة اليوم بين أبنائنا وفي مجتمعنا بصورة تدعو إلي القلق الشديد وأسبابها عديدة منها: الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، ولعل أكبر الأسباب عدم التربية السليمة والصحية لأبنائنا وعدم عناية مناهجنا الدراسية بهذه المشكلة وبيان طرق تفاديها وكيفية بناء الأسرة والمحافظة عليها مما فاقم من خطورتها، فأبناؤنا لا يجدون في مناهجهم من يعلمهم ما هو دور الزوجة وما هو دور الزوج وكيف يكون التفاعل بين الزوجين لحل مشكلات الأسرة وكيفية علاجها. قبول الآخر وتشير د. إيمان هريدي، وكيل كلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة إلي أن الزوجين في الأصل طفلان يجب أن تتم تربيتهما علي فكرة تقبل الآخر بكل ما فيه من اتفاق وتباين، لأن منظومة التربية الصحيحة الشاملة تهتم ببناء الإنسان بصورة كلية، ولا تقتصر علي الجوانب المعرفية فحسب، فإذا كانت دعائم العلاقة الأسرية تقوم علي المودة والرحمة، فإن التربية تؤسس لهذه الدعائم من خلال منظومة متكاملة من القيم والأخلاق والمعارف والمعلومات والمهارات وبناء القدرات الإنسانية وتنمية مهارات التفكير التي وهبها الله لكل إنسان. وتوضح د. إيمان: أن إبراز دور التربية في الحفاظ علي كيان المجتمع المصري، وربط نسيجه الأسري أصبح ضرورة ملحة ينبغي أن تظهر في كل عناصر المنظومة التربوية، وأنه لابد من وضع رؤية جديدة للتربية بكونها عصب المجتمع المصري، وأساس نهضته الاجتماعية التي ستؤثر بالضرورة في نهضته الاقتصادية والعلمية، وهذه الرؤية لن يُكتب لها الاكتمال إلا إذا تضافرت معها المنظمات المشاركة في بناء الإنسان المصري، فكما نحتاج إلي خفض نسب الطلاق بين الأزواج نحتاج إلي خفض نسب الرؤية الأحادية، وتقليل نسب العزلة بين المؤسسات، والقضاء علي (الأنا) في مقابل إعلاء (نحن)، وتقبل الآخر في أي صورة إنسانية.