فلست وحدي ممن يؤمنون بأهمية الاعلام في التنوير والتعبير والمعرفة، حال كونه أي »الإعلام« تعبيرا عن الرأي العام وصياغته وتوجيهه في ذات الوقت، وتبدو تلك الاهمية بالغة الأثر بمناسبة التغيير الثوري في البلاد، وهو ما يتطلب جهداً قومياً مكثفا في أجندة تعلو أولوياتها توحيد القوي السياسية والرأي العام في مواجهة قضايا المجتمع وتحدي الصعوبات الحالة والجادة في الوقت الراهن. وقد عبر عن ذات الفكرة المجلس العسكري في اكثر من مناسبة.. كما عبر عن ذلك أيضا كبار الكتاب والإعلاميين في كل مناسبة.. نبهوا.. وحذروا.. من خطورة لغو الكلام في الإعلام.. وانشغال الناس بالصغائر.. وإشعال الفتن بالأخبار والموضوعات غير الصادقة، وفتح الباب علي مصراعيه للتشفي والانتقام.. والاساءة.. والاتهام والتخوين.. سواء بين القوي السياسية المختلفة او رموز حركات الإصلاح والتغيير.. حتي لا يكاد يسلم أحد من الطعون والإصابات بمفردات لغة ما أنزل الله بها من سلطان، وصار الأمر صدمة وفرجة بكل المقاييس بعد ان سمعنا عن بطولات زائفة، وقصص وهمية، تمتهن أبسط درجات الذكاء المصري!! وكان أمر التوك شو في البداية عاقلاً ومقبولا إلي درجة مبهرة وإلي أبعد مدي.. ومثيراً اشد الاثارة ولافتا للانتباه.. وانصرف الناس إلي المشاهدة بتركيز وانتباه ولعدة أيام.. يُقلبون القنوات والصفحات طوال الوقت.. ويتبادلون التعليقات والتعبير صباح مساء في كل مناسبة، وفي أوقات العمل.. وأوقات الفراغ حتي تطايرت وتكاثرت القنوات، وتسابقت برامج التوك شو وتملكت وسيطرت علي عقول الناس وافكارهم وأوقاتهم، واتسعت هوة الخلاف واشتد الصراع والاستقواء. ولم يدم الحال طويلاً.. حتي بلغت لغة الحوار وموضوعات النقاش أقصي درجات الانفلات والإسفاف والاثارة بما لا يتحمله بشر.. وصارت الموضوعات تكرر نفسها.. وتتصاعد بما لا يصدقه العقل.. فزادت المهاترات وتطاول النقاش والجدل.. وتصاعدت التهديدات بالقول والفعل بدرجة فاضحة حتي قطع الإرسال. وتساءل الناس، هل ذلك الذي جري بسبب كثرة القنوات وطول ساعات الارسال والبث، أو التسابق المحموم نحو الإثارة ولفت الانتباه، بخلق القصص والروايات او اختلاق الأخبار التي اضطربت مع الحقائق والصدق، ثم التعليق عليها والنقاش حولها وكأنها حقيقة، أم أن السبب في ذلك الجنون اللامعقول في التأليف والاثارة، او بث الفوضي المدمرة في الرأي العام، وخلق الفزع بين ابناء الوطن لاغراض شتي في نفس يعقوب، أم ان السبب تلك المعارك الضارية والصراعات السياسية التي اهدرت مقدرات الوطن وغلبت المصالح الشخصية والمكاسب الذاتية علي مصالحه العليا، ام السبب تسرب الأموال المشبوهة إلي ساحة الإعلام!! والغريب جداً ان قضايا الوطن الكبري علي كثرتها مازالت تتطلع الي من يأخذ بيدها، ويطرحها للنقاش الموضوعي البناء، وإذا قالوا لنا قديماً أن الفراغ السياسي، سببه عدم وجود قضايا قومية تجمع الناس حولها، فإن هذا السبب لم يعد مقبولا بعد ان تزايدت قضايا الوطن.. ويبقي الأمل ايها السادة في أن تُعدل البرامج الإعلامية وبرامج التوك شو سياستها، لتستعيد عرش المشاهدة من جديد، ومناقشة القضايا القومية الكبري التي يتطلع إليها الوطن في هذه المرحلة الحرجة ويتجه بالنقاش نحو التنوير والتعبير وتوجيه القوي الوطنية نحو انقاذ الوطن مما نحن فيه، وكفي ما يحدث داخل البلاد.