لم يكن هدفنا متابعة التليفزيون والفضائيات للتسلية أو التشفي برؤية الرئيس المخلوع وهو يتثاءب داخل القفص.. ولم يسعدنا بالتأكيد مشاهدته للحظات والنوم يداعب جفونه غصبا عنه ثم يضيع في تعسيلة أو تعسيلتين "ليأكل رز مع الملايكة" داخل القفص وعلي نقالته المتحركة ويترك المحاكمة "تضرب تقلب" ما بين مدعين عليه وله. كما لم نبتهج لرؤية كف ابنه الكبير وهو يحاول بعصبية بادية إخفاء وجه أبيه بعيدا عن الكاميرا.. وتفهمنا تماما موقف ابنيه المتهمين أيضا وهما يقفان أمامه داخل القفص حتي يتعذر رؤيته علينا بوضوح تام.. والتمسنا لهم العذر تماما حين فقأت إشارتهما عين الكاميرا في نهاية الجلسة فرحين بعدم بث المحاكمة مباشرة عبر التليفزيون.. ودعونا الله ألا يقف رئيس مصري قادم وابناه موقفهم داخل القفص بتهمة قتل أو تسهيل وتربيح آخرين أو إفساد هواء الحياة السياسية! وأتعشم أن يكون هدف رؤية الرئيس المخلوع داخل قفص العدالة وعلي مرأي ومسمع من الكل هو وصول رسالة للجميع "دولة القانون رفرفت رايتها فوق مصر" برؤية رأس الدولة مقيد الحرية داخل قفص الاتهام أمام الدنيا كلها..علاوة علي الرد العملي علي من يشكك في جدية وعزم "المجلس العسكري" الحاكم للبلاد علي حماية الثورة وتقديم كل من أثيرت حوله شبهات وتهم ليد العدالة..! ودولة القانون حتما ستأخذ مجراها ولن يسعد المجلس العسكري ولا حتي أبناء الثورة الشرعيين تبرئة مبارك ولا إدانته إنما يسعدهم بالطبع إقامة دولة القانون وتحقيق العدالة أينما ذهبت بالمتهمين نحو البراءة أو الاتهام.. وقيل في الأثر "تدوم الدولة الكافرة بعدلها وتهدم دولة الإسلام بظلمها"..! ومع ذلك فشل البعض في منع أنفسهم من التفكر والتدبر فيما يدور في رأس الرئيس المخلوع وهو يتثاءب ويروح في تعسيلة و"يأكل رز مع الملايكة" داخل القفص وهو مهدد بجرائم تصل لحد الإعدام.. فمنهم من رأي ان الرئيس راح في نوم عميق و"أكل رز مع الملائكة" حتي يوهم نفسه بأنه يحلم وما يحدث حوله حلم سيفيق منه حالا.. أو أنه في كابوس بغيض وحين ينزاح عنه سيجد نفسه مازال في سدة الحكم ويتأكد أن ما جري حوله هو أضغاث أحلام وأنه لم يتحرك قيد أنمله من فوق كرسي الرئاسة الذي تمدد فوقه ثلاثين عاما ويدعو الله ان تزيد..! ومن توهم أن المخلوع هرب منه النوم وظل ساهرا طوال الليل يفكر فيما سوف يجري في المحاكمة وعز عليه النوم حتي بان الخيط الأبيض من الخيط الأسود وتم إدخاله الطائرة لينقل لمكان المحاكمة.. وحين دخل القفص "كبس عليه النوم" ولم يعد هناك ما يستثيره فيما يجري حوله من محاكمات.. ولم تزعجه أن كانت تبث محاكمته علي الهواء مباشرة حتي لو رأي البعض أن ما يجري لمبارك يعد محاولة لتهدئة الشعب وتشفي للمعارضين لحكمه..! ما أربكني حقا هو تخيل أن مبارك ربما دست عليه مهدئات وأدوية جالبة للنوم حتي يتغلب علي مشهد المحاكمات وينسي وجوه أسر شهداء ثورة يناير وهم يطالبون برأسه.. مما يهدد دولة القانون.. وكيف يطالبون برأسه دون محاكمة عادلة تنصفه وتنصف تاريخه وتزيح عنه تهمة قتل الثوار..! ورجح البعض ان مبارك نام حتي لا يستمع لأصوات تنادي برأسه جهارا نهارا وسط دولة القانون الوليدة وكأنهم لم يستفيدوا من مقتل الشباب المصري الذي ضحي بحياته من أجل حياة كريمة وعدالة اجتماعية تظلها دولة القانون الحاكمة..! وكيف له ان يري هؤلاء المنزعجين من علاجه علي اعلي مستوي كأنه من فصيلة مختلفة عن فصيلة أي مصري معذب في مستشفي حكومي لايجد حتي ثمن الشاش لعلاجه.. ويتناسون في هذه المقارنة ان المحافظة علي حياة الرئيس المخلوع محافظة علي جسم النظام أو "الجريمة" حتي تتم محاكمته ولو تظاهر بأنه غير مكترث وأوهمنا أنه "يأكل رز مع الملايكة" داخل القفص.