الله سبحانه وتعالي قد أعطي الانسان اختياره في الحياة الدنيا في العبودية فلم يقهره في شيء ولا يلزم غير المؤمن به بأي تكليف بل إن المؤمن هو الذي يلزم نفسه بالتكليف وبمنهج الله فيدخل في عقد إيماني مع الله تبارك وتعالي. الله تبارك وتعالي يقول في كتابه العزيز: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ). الفرقان الآية 17 الحديث هنا عن العاصين والضالين. ولكن الله سبحانه وتعالي قال عنهم: عباد.. نقول إن هذا في الآخرة.. وفي الآخرة كلنا عباد لأننا مقهورون لطاعة الله الواحد المعبود تبارك وتعالي.. لأن الاختيار البشري ينتهي ساعة الاحتضار.. ونصبح جميعاً عباداً لله مقهورين علي طاعته لا اختيار لنا في شيء. والله سبحانه وتعالي قد أعطي الإنسان اختياره في الحياة الدنيا في العبودية فلم يقهره في شيء ولا يلزم غير المؤمن به بأي تكليف.. بل إن المؤمن هو الذي يلزم نفسه بالتكليف وبمنهج الله فيدخل في عقد إيماني مع الله تبارك وتعالي.. ولذلك نجد أن الله جل جلاله لا يخاطب الناس جميعاً في التكليف.. وإنما يخاطب الذين آمنوا فقط فيقول: »﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ البقرة الآية 183 ويقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (153 البقرة). أي: أن الله جل جلاله لا يكلف إلا المؤمن الذي يدخل في عقد إيماني مع الله. وسيد المرسلين محمد صلي الله عليه وسلم عندما نضعه في معيار العبادية يكون القمة.. فهو صلي الله عليه وسلم الذي حقق العبادية المرادة لله من خلق الله كما يحبها الله. إذن: فالذي يقول غاية الخلق كله محمد عليه الصلاة والسلام.. نقول: إن هذا صحيح، لأنه صلي الله عليه وسلم حقق العبادية المثلي التي أرادها الله تبارك وتعالي. والتي هي علة الخلق. وهكذا نعرف المقامات العالية لرسول الله صلي الله عليه وسلم عند خالقه. والله تبارك وتعالي قرن العبادة له وحده بالاستعانة به سبحانه.. فقال جل جلاله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ أي: لا نعبد سواك ولا نستعين إلا بك. والاستعانة بالله سبحانه وتعالي تخرجك عن ذل الدنيا، فأنت حين تستعين بغير الله فإنك تستعين ببشر مهما بلغ نفوذه وقوته فكلها في حدود بشريته. ولأننا نعيش في عالم أغيار.. فإن القوي يمكن أن يصبح ضعيفاً.. وصاحب النفوذ يمكن أن يصبح في لحظة واحدة طريداً شريداً لا نفوذ له.. ولو لم يحدث هذا فقد يموت ذلك الذي تستعين به فلا تجد أحداً يعينك. ويريد الله تبارك وتعالي أن يحرر المؤمن ذل الدنيا.. فيطلب منه أن يستعين بالحي الذي لا يموت.. وبالقوي الذي لا يضعف، وبالقاهرة الذي لا يخرج عن أمره أحد.. وإذا استعنت بالله سبحانه وتعالي كان الله جل جلاله بجانبك، وهو وحده الذي يستطيع أن يحول ضعفك الي قوة وذُلَّك إلي عز والمؤمن دائماً يواجه قوي أكبر منه.. ذلك أن الذين يحاربون منهج الله يكونون من الأقوياء ذوي النفوذ الذين يحبون أن يستعبدوا غيرهم فالمؤمن سيدخل معهم في صراع.. ولذلك فإن الحق يحصن عباده المؤمنين بأنه معهم في الصراع بين الحق والباطل.. وقوله تعالي (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ مثل: »إياك نعبد..» أي نستعين بك وحدك وهي دستور الحركة في الحياة.. لأن استعان معناها طلب المعونة، أي: أن الانسان استنفد اسبابه ولكنها خذلته.. حينئذ لابد أن يتذكر أن له ربا لا يعبد سواه، لن يتخلي عنه، فيستعين به.. وحين تتخلي الاسباب فهناك رب الأسباب وهو موجود دائماً.. لا يغفل عن شيء ولا تفوته همسة في الكون.. ولذلك فإن المؤمن يتجه دائماً إلي السماء والله سبحانه وتعالي يكون معه.