استقبلنا شهر رمضان المبارك ومعنا كل الأُمة الإسلامية.. لنلتقي جميعا في مدرسة موحدة بعواطفها ومشاعرها وعباداتها.. بل وحتي في مظاهر حياتها اليومية.. ترتدي مصر في هذا الشهر وشاحا روحيا زاهيا تجد مظاهره المشتركة في البيوت والشوارع والمساجد والمحافل الدينية والعلمية والثقافية.. رمضان المبارك أعظم فرصة لشدّ المسلمين في كل أرجاء العالم برباط روحي وعاطفي وفكري يجعلهم جميعا يستشعرون روح الأخوّة الإسلامية.. ومعني الرابطة الإيمانية.. هذه الفرصة العظيمة وفرها رب العالمين للأمة الخاتمة.. مثل سائر الفرص العبادية العظيمة.. أما مقدار إستفادة الأُمة من هذه الفرصة فيتوقف علي درجة وعيها ويقظتها.. لقد مرت أشهر رمضان في قروننا الأخيرة علي المسلمين ومرت أمثالها من فرص التوعية والتعبئة.. وجراح العالم الإسلامي لا تزال تنزف.. ومواقع الأُمة المسلمة علي الساحة العالمية في تراجع مستمر والتمزق يزداد في الإتساع.. إذن لم يؤدّ شهر رمضان دوره كما أراده الله في التعبئة وفي تعميق الهوية وفي شد الأُمة المسلمة من المحيط إلي المحيط.. والمطلوب من كل المسؤولين وحماة الإسلام ودعاة الصحوة الإسلامية وروّاد التقريب أن يعقدوا العزم علي التعاون والتنسيق لتقريب شهر رمضان من الصورة التي رسمتها لنا سيرة رسول الله صلي الله عليه وسلم وأصحابه في هذا الشهر.. هذا شهر الصوم ومدرسة الصوم تصعد الإرادة وتخلق التعاطف .. والمسلمون أحوج ما يكونون اليوم إلي إرادة تنتشلهم من الهزيمة النفسية ومن الإحساس بالضعف والهزال.. وأحوج ما يكونون إلي تعاطف يؤدي إلي تكافل ومواساة بين أبناء الأُمة المسلمة.. وهو شهر القرآن.. والقرآن منهج حياتنا ومربي نفوسنا ورمز عزتنا وهويتنا ووحدتنا.. رمضان شهر إنتصارات الإسلام في حقول الجهادين الأكبر والأصغر وما أحوجنا إلي تسجيل تلك الإنتصارات في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها عالمنا العربي والإسلامي.. إنه شهر الله سبحانه وتعالي والمسلمون بحاجة إلي عودة حقيقية إلي الله.. لينفضوا عنهم غبار الكسل والعادة والتقاعس والهزيمة.. ويتّجهوا إلي العزيز الحكيم العليم القوي فهو السبيل الوحيد لعزتهم وكرامتهم وقوتهم ووحدتهم.. ثمة مظاهر مؤسفة تسود بعض بقاع العالم العربي في هذا الشهر ومنه بلدنا أيضا.. تتنافي تماما مع أهداف هذا الشهر الكريم.. مثل تقليص ساعات العمل.. وزيادة ساعات البث التلفزيوني العابث في الليل.. والإنهماك في تنوع الأطعمة والأشربة.. كما أنه من جانب آخر هناك تساهل أحيانا في تركيز مظاهر الشهر الكريم علي الشارع المسلم.. وهذه كلها هموم أخري تضاف إلي هموم عدم إستثمار فرصة هذا الشهر الكريم.. لنعمل جميعا علي إحياء مدرسة الصوم في هذا الشهر الذي دعي فيه الناس لضيافة رب العالمين.. ففي إحيائه إحياء للأمة المسلمة بإذنه تعالي.. وكل عام وأنتم وبلدنا وشعبنا بألف خير..