[email protected] هل جربت متابعة حركة قرص الشمس اثناء الغروب علي شاطيء البحر؟.. لو حدث ذلك ستجد نفسك تتخيل كما لو ان الشمس تنتحر!.. قرص الشمس يتجه شيئا فشيئا إلي سطح البحر لا ليطفو فوقه، إنما ليغوص فيه وتبتلعه امواجه حتي يختفي تماما.. وهذا ما قد يرد علي خاطر من يتابع حركة الثورة الان.. انها تنتحر هي الاخري من خلال تصرفات البعض التي تلحق الاذي بالثوار ذاتها بالثورة أنفسهم، وباتت تثير ضيق الجموع الشعبية التي باركت هذه الثورة وايدتها وساندتها بل وشاركت فيها ايضا. لكن ما هي إلا ساعات الليل وتعود الشمس تسطع من جديد في كبد السماء مع ميلاد يوم اخر.. ولذلك نتمني ان تكون الفترة الحالية المضطربة والملتبسة هي ساعات ليل الثورة، التي يجب ان ننهيها قريبا لتشرق شمس الثورة مجددا.. وحتي تتحقق امنياتنا يجب ان تتوقف تلك التصرفات التي تدفع الثورة الي الانتحار وتثير قلقا واسعا عليها الان. ولعل أكثر ما يثير القلق الان علي الثورة هو افتقادها للعناصر الديمقراطية الحقيقية، رغم انها ثورة تهدف للتخلص من الديكتاتورية، واقامة الديمقراطية.. العناصر الديمقراطية الصادقة وغير الزائفة.. العناصر التي تقبل الاخر المختلف عنها، وتقبل بالتنافس الشريف معه علي كسب الناس في صفهم وتأييد وجهات نظرهم، لا فرض ارادتهم وآرائهم بالقوة والاكراه، وباللجوء الي وسائل باتت تلقي ضيقا من الناس وتنفرهم. لقد كشفت تجارب الاشهر الستة الماضية ندرة تلك العناصر، رغم أن كثيرين انخرطوا في الحديث وبصوت عال جدا عن الديمقراطية.. وقد ظهر ذلك بوضوح في بعض المظاهر العديدة المثيرة للقلق والانزعاج. كان هناك عدم قبول بالاخر السياسي ناهيك عن الاخر الديني ايضا.. بل وصل الامر الي درجة التعامل مع هذا الاخر علي انه عدو وليس شريكا في الوطن، له ذات الحقوق وعليه نفس الواجبات.. ووصل الأمر أيضا الي الطعن في وطنية هذا الاخر. وكان هناك اصرار علي احتكار الحديث باسم الشعب وبالتالي الحديث باسم الثورة، رغم انه لم يحصل علي تفويض من الشعب بذلك عن الطريق المعروف للحصول علي هذا التفويض، وهي الانتخابات. وكان هناك ايضا قناعة غير صادقة بسيادة القانون بدعوي ان الثورة تحتاج لقوانينها الجديدة، وان القوانين الحالية لا تسعف بتحقيق القصاص المطلوب وبإلحاح، وانه لا ضير من اللجوء الي الاجراءات الاستثنائية! وكان هناك كذلك سعي لفرض وصاية علي مؤسسات القرار السياسي من غير الطريق الديمقراطي، وذلك من خلال فرض فيتو علي بعض المسئولين في الحكومة، والاصرار علي اختيار مجلس رئاسي بديل عن المجلس الاعلي للقوات المسلحة التي تدير شئون البلاد في المرحلة الانتقالية، والاصرار أيضا علي اختيار لجنة بالتعيين لصياغة الدستور الجديد، بل والمطالبة بتأجيل الانتخابات التي سوف يختار الشعب من خلالها ممثليهم الذين سوف ينوبون عنهم! وهكذا.. بينما كنا في عقود سابقة نشكو من اننا نصنع اشتراكية بدون اشتراكيين فنحن صرنا الان نسعي لصنع ديمقراطية بدون ديمقراطيين!.. أو بالاصح نصنع ديمقراطية بمن لا يؤمنون عن حق بالديمقراطية.. أو بمن يؤمنون بالاساليب المتناقضة مع الديمقراطية، ويؤمنون بأنهم فقط الذين يملكون ناصية الحقيقة والحق. ولعل هذا هو اخطر المآزق التي تواجه ثورة 52 يناير والتي تهدد بكل الاخطار التي يمكن ان تهددها ابتداء من الانتكاسة وانتهاء بالسرقة مرورا بالاجهاض أو الانتحار! وتاريخيا رأينا كيف آلت الأمور بالثورة الفرنسية العظيمة حينما ابتعدت عن القانون الي ان قام الثوار بتصفية انفسهم بالاجراءات الاستثنائية التي سبق ان استخدموها ضد من ثاروا ضدهم.. وكيف ان الحكم بعد سنوات طويلة من الاضطراب سقط في نهاية المطاف في يد من نصب نفسه باسم الثورة امبراطورا علي فرنسا، وحكم بديكتاتورية اشد قسوة من الديكتاتورية السابقة. أما في مصر فقد عشنا ذلك بالفعل في اعقاب ثورة يوليو 25 حينما اكلت الثورة رجالها.. وكيف كان السجن والاعتقال وتحديد الاقامة والاقصاء مصير عدد من الضباط الاحرار وقياداتهم.. لقد رفعت الثورة شعار الحرية كل الحرية للشعب ولا حرية لاعداء الشعب واحتفظ من هم في السلطة بحق تحديد من ينتمي للشعب ومن هو عدو للشعب.. وكانت النتيجة في النهاية اخفاقا في تحقيق واحد من أهم أهداف ثورة يوليو المجيدة وهو بناء حياة ديمقراطية سليمة! لذلك.. نتمني ألا نرتكب ذات الخطأ مرتين.. خطأ تجاهل القانون واستمرار الاساليب الاستثنائية والتصرفات غير الديمقراطية أو استسهالها، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. واذا كانت الديكتاتورية التي عشنا في رحابها عقودا عديدة قد جعلتنا ننسي الروح الديمقراطية الحقيقية، فاننا مطالبون بتدريب انفسنا علي الالتزام بهذه الروح الديمقراطية في تصرفاتنا وسلوكنا ومواقفنا تجاه بعضنا البعض حتي لا نقضي علي ثورتنا بأيدينا ونشعر فيما بعد بالندم الشديد.