»تحتاج أن تكون مجرد إنسان لتساند أهل غزة » بهذه العبارة المكتوبة باللغة الانجليزية اشتعلت المظاهرات في دول العالم والمنددة بالمجزرة التي وقعت في حق الشعب الفلسطيني في غزة في مسيرة العودة الكبري التي صاحبت فاعلية نقل السفارة الامريكية للقدس والتي استشهد علي اثرها 118 شخصا بينهم 15 طفلا وأصيب الآلاف برصاص ومدفعية قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء المسيرات في مارس الماضي. وبينما يعيش الفلسطينيون في مدينة غزة الحزن والحداد علي أحبائهم الذين قتلتهم إسرائيل بدم بارد استيقظ ضمير العالم وطالبت لجنة حقوق الانسان بالأممالمتحدة بتشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق وإثبات ادانة إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في قمعها للمظاهرات السلمية في غزة. بينما اختتمت قمة منظمة التعاون الاسلامي الاستثنائية لدعم فلسطين في تركيا أعمالها قبل يومين ببيان ختامي دعت فيه لتشكيل لجنة تقصي حقائق اخري تابعة للمنظمة بالإضافة للمطالبة بإرسال قوة دولية لحماية المدنيين. وادانت الأعمال الاجرامية لجيش الاحتلال الاسرائيلي والقرار الامريكي غير القانوني لنقل سفارتها للقدس والذي شجع اسرائيل علي التمادي في جرائمها في حق الشعب الفلسطيني. وتدرس المنظمة اتخاذ اجراءات صارمة ضد الدول التي تنقل سفاراتها إلي القدس او التي تتخذ موقفا عدائيا من الحق الفلسطيني خاصة في المحافل الدولية والترشح للمناصب الدولية. وعادت غزة لبؤرة الاهتمام العالمي منذ بدأت مسيرات العودة قبل شهرين وأصبح هناك تعاطف شعبي ودبلوماسي مع الشعب الفلسطيني الذي خرج مسالما يطالب بحقوقه ليقتل بوحشية بأسلحة الجيش الإسرائيلي التي لم تفرق بين طفل وسيدة وشيخ كبير. واخذت وسائل الاعلام الأجنبية ترصد ملامح الحياة الصعبة في قطاع غزة والتي دفعت الفلسطينيين للخروج والتظاهر بعيدا عن أية دوافع سياسية او تهم كاذبة يروج لها الاحتلال الإسرائيلي وأمريكا وأستراليا التي حملت مسئولية ما حدث من جرائم في غزة إلي حركة حماس. وان كان حلم العودة حق مشروع لا يسقط بالتقادم فالحق في الحياة هو أبسط حقوق الإنسان.. فكيف لأهل غزة أن يتحملوا الحياة غير الآدمية التي فرضت عليهم؟ فغزة أفقر بكثير مما كانت عليه في التسعينيات. وتشير أحدث الاحصائيات إلي أن معدل الفقر في غزة يبلغ 39٪، أي أكثر من ضعف المعدل في الضفة الغربية. وان 80٪ من السكان يعيشون علي المساعدات. ويذهب العديد من الأطفال إلي المدارس التي تديرها الأممالمتحدة. ويسافر إلي مصر نحو 4000 شخص كل عام للعلاج بعد تدهور الخدمات الصحية بسبب الحصار. ويصنف أكثر من مليون شخص في غزة علي أنهم »يعانون من انعدام الأمن الغذائي» نتيجة للقيود التي وضعتها إسرائيل علي الوصول إلي الأراضي الزراعية وصيد الأسماك. كما أن 95% من المياه غير صالحة للشرب وتتوفر الكهرباء لدة 4 ساعات فقط في اليوم فضلا عن ارتفاع نسبة البطالة إلي 45%. ومن المثير للجدل أن المملكة المتحدة كانت قد دعت إلي إجراء تحقيق أممي للنظر في السبب وراء استخدام »هذا الحجم» من الذخيرة الحية من قبل القوات الإسرائيلية ضد المتظاهرين الفلسطينيين في غزة. ورغم ذلك صوتت ضد قرار وجود لجنة للتحقيق. وتعيد هذه الاحداث إلي الأذهان الأجواء التي صاحبت تشكيل لجنة جولدستون التي أصدرت تقريرا أدان اسرائيل في حرب غزة عام 2009 واتهمها بارتكاب جرائم حرب ، وسط موجة تأييد دولية لإمكانية محاكمة جنرالات اسرائيل عن جرائمهم في غزة واهتزت صورة إسرائيل بشدة أمام الرأي العام العالمي. وارتكب الرئيس الفلسطيني وقتها خطأ فادحا بسحبه للتقرير الذي يدين اسرائيل للمرة الاولي في تاريخ الصراع قبل المناقشة في مجلس الأمن. ويمكن القول أنه منذ ذلك الوقت تشكلت جبهة دولية مستعدة لمقاضاة جنرالات اسرائيل وتقديمهم للمحاكمة في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. اتبعها صدور قرارات أممية بتجريم المستوطنات الإسرائيلية ورفض لقرار نقل السفارة الامريكية إلي القدس وتغيير وضعها في الاتفاقيات الدولية. ويبقي الأمل قائما في أن تستثمر السلطة الفلسطينية والدول العربية هذا التعاطف الدولي السابق والحالي لإدانة إسرائيل واسترداد كل حقوقنا العربية المسلوبة.