وصل المغني ميشال مارتيني لمنصب رئيس دولة هايتي بحشد اغلبية الأصوات مستخدما رقصة »الكومبا« الشهيرة التي ربح بها اصوات الناخبين، لم يستخدم الوعود والخطابات السياسية المشحونة بالرفاهية الاقتصادية، وكل ما يردده الساسة من شعارات براقة تعد بكافة أنواع الحريات! مارتيني كان علي وعي بأن اعلام الالفية الثالثة غيرمفهوم الزعامة التي يتسم بها السياسيين التقليديين من لابسي عباءات القداسة، والملوك الملهمون من مدَّعي الألوهية، وأصحاب النسب والشرف الرفيع، الزعامة الآن - علي ما يبدو - تتطلب حرفية معلمي الرقص ولاعبي السيرك الذين يدهشون الجماهير، ويحقنون العواطف بهرمونات النمو السريع، لتتمكن بضاعة العولمة من فرض نفوذها وسيطرتها بسحر كل ما هو غير تقليدي. من المعروف أن الفنون أدواتٌ فائقة التأثير، اكد ذلك فلاسفة كبار، فقد جعل أفلاطون في مدينته الفاضلة تعليم الموسيقي واجبا علي الشباب، لتخيف نزعات العنف المتولدة عن التربية العسكرية الصارمة، وقد اقتبس العربُ النظرية الافلاطونية فعرفنا وتعرفنا علي ابن سينا والكندي والفارابي كموسيقيين إلي جانب ما قدموه للبشرية من فكر وفلسفة. وقد أشار المغامر الايطالي المشهور" ميكافيلي " صاحب كتاب" الأمير " إلي ضرورة تحويل الأمير إلي فنَّان ولاعب سيرك، فلا وجود لإمارة قواعدها الأخلاق، وبناؤها الصدق والأمانة، الأمير والسلطان عند "ميكافيللي" شخصية فنية، فلا بد ان يتظاهر بالأخلاق والأمانة والتقوي والورع والدين ويُمثِّلهما ايضا، ولكن عليه أن يكون عكس ذلك تماما حين يتطلَّبُ الأمرُ لذلك علي اساس ان تحقيق الغاية يبرر الوسيلة! كل القوي والتيارات التي تمرح الان في المشهد الثوري تقدم نفسها بمسوح القداسة والطهر والنقاء، كل تيار ينفي الاخر بتهم العمالة والتخوين وتلقي الدعم من الخارج ، الكل ميكافيلي في العمق والسلوك والتصرف، الكل اصبح مكشوفا للمصري البسيط الذي حمل الثورة علي اكتافه وفتح صدره لرصاصات الغدر وغاز الخنق لكي يتخلص من ذل الفقر والقهر والمهانة، لكنه فوجيء بمن يسرقون منه الحلم ويتاجرون به وهو منهم براء، المصري البسيط الذي لم يسمع من قبل عن سلفية او سنية، ولا يعي معني العلمانية من الليبرالية، ادرك ان الكل ينحيه جانبا في صراع التنافس علي الغنائم برقصة سياسية، أورقصة دينية، أو " نيولوك " تحولي بمقياس 360 درجة، وصفحات الصحف وبرامج التوك شو في خدمة من سيكون له السطوة والغلبة،بغض النظر عن الحسابات الخاطئة لتلك الصحف وبرامج التوك شو التي سوف تفاجأ بأنها راهنت علي احصنة خاسرة لأنها لا تدرك معدن المصري البسيط الذي يملك القدرة علي تغيير المشهد برمته في لحظة مثلما فعل في 25يناير. لحظتها ستسقط الاقنعة عن الوجوه المتلونة والمتحولة، لن ينخدع المصري البسيط بوصلاتِ الرقص التي تحدثه عن مرجعيات سياسية، أو وصلات الطرب بمرجعيات دينية، من يريد الوصول لهذا المصري عليه ان يصور المستحيل للناس واقعا جميلا مغلفا بالامل، لا ان يكون كما السياسيون الذين يجعلون الواقع مستحيلا، الناس تريد ان تغني في اوطانها، تريد ان تنتشي بالوطن، لا تريد ان يتحول الوطن لسجن قضبانه من فولاذ المحرمات، الناس لاتنتظرمن يريد ان يسوقها بتذكرة للجنة واخري للنار، فاما ان تجد امنياتها في اوطانها، واما ان تظل في حالة ثورة ضد الذين يريدون سرقة الوطن.