كل عام والسادة القراء والقارئات بألف خير، بمناسبة قرب حلول شهر رمضان الكريم، وأسال الله عز وجل أن يرزقنا خير أيامه، وأن يبارك لنا في فضله وكرمه، وأن يتقبل منا الطاعة والعمل الصالح، وأن يجعلنا من عباده الصالحين المقبولين، وأن يمن علي أمتنا ووطننا وأهلنا بالخير واليمن والبركات، وأن ينعم علينا بالأمن والاستقرار والرخاء والتقدم، وأن يمكن لشريعته أن تحكم ويسعد الناس بها، وأن يقهر قوي البغي والظلم والعدوان، وأن يكون أفضل رمضان مر علينا.. آمين. ولا شك في أن شهر رمضان المبارك هو مدرسة إيمانية متكاملة، تحوي من الدروس والمعالم والقيم التربوية، ما يحتاج إليه كل مسلم في حياته المعاصرة، وما تحتاج إليه الأمة في نهضتها المرجوة والمأمولة، فرمضان هو شهر الإيمان والتقوي والقرب من الله، وهو شهر العبادة والتضرع والاستغفار والتوبة والذكر والدعاء، وهو كذلك شهر الإنفاق والبذل والعطاء والبر والإحسان، ورعاية الفقراء والمساكين والأيتام وذوي الحاجات، ينعم فيه المسلمون جميعا بالتكافل والتعاون فيما بينهم. ورمضان أيضا هو شهر الصوم والمجاهدة والصبر والتحمل، والانتصار علي النفس والهوي والشيطان، وفيه يتدرب المسلم علي تقوية الإرادة وشحذ الهمة والعزيمة، والانطلاق الذاتي نحو التغيير الإيجابي، ورمضان كذلك هو شهر القرآن الكريم، يتلوه المسلم آناء الليل وأطراف النهار، ليتعلم من دروسه وآياته، ويتدبر في توجيهاته ومعانيه، ويتأمل في منهجه وأسلوبه، حتي يصبح هذا الدستور الرباني الخالد، طريقه في الحياة ومنهجه في صناعة النهضة، وسر قوته وعزيمته. هذه المدرسة الإيمانية المتكاملة، وهذا المحضن التربوي الفريد، وهذا الفيض الرباني الذي يتجدد كل عام، هو فضل من الله عز وجل علي هذه الأمة، وهو نعمة كبري ومنة عظمي لكل مسلم، تفتح الباب واسعاً أمام النهوض والقيادة من جديد، وتطلق الطاقات الخلاقة لدي قوي المجتمع الحية للتقدم والرقي، وتساهم في إعادة المسلمين إلي وحدة صفهم واتحاد كلمتهم ونبذ خلافاتهم، وهذا هو الطريق الصحيح لعودة الأمة إلي سابق عزها ومجدها، الذي كانت عليه لقرون طويلة وسنين عديدة. هذه المدرسة الربانية المتجددة، نحن في أشد الاحتياج إلي دروسها في هذه المرحلة، خصوصا شباب الأمة الناهض، الذي نرجو منه الكثير من الجهد والعطاء، ومن العمل والبذل والتضحية، ومن الإخلاص والصدق والصبر، ومن قوة الإرادة وعلو الهمة وسمو الغاية، حتي نغير من هذا الواقع الذي نحيا فيه، ونبعث الأمل في النفوس الحيري، التي تتطلع إلي فجر النهضة بعد طول انتظار، والمساجد بعد الثورة أصبحت حرة، لا تروع روادها أجهزة أمن الدولة، فهلموا إلي العبادة والطاعة والقرب من الله. إن مصر الآن في حاجة إلي جهد الشباب المؤمن الصالح، الذي يحركه الإيمان الصحيح، وتدفعه العقيدة السليمة، وتضبطه أحكام الشريعة الغراء، وتسمو بسلوكه أخلاق الإسلام العظيمة، وتحوطه وحدة وطنية حقيقية، وتلاحم مجتمعي بناء، وهذا الجهد المطلوب هو ما يفتح أبواب الأمل للنهوض من جديد، ويحارب اليأس والإحباط ويقوي المناعة لمواجهة الفساد والانحلال والظلم والقهر والاستبداد. إن الإيمان الصحيح هو الركيزة الأولي لبناء المجتمع المسلم الصالح، وهو الأساس الأول لنهضة الأمة وتقدم الوطن، وما ضعفت أمتنا وتأخرت وتكالبت عليها الأمم الأخري، واستسلمت لأسباب الضعف والهوان، إلا بسبب ابتعادها عن طريق الله، وتفريطها في معالم الدين ومبادئ الشريعة، وعدم غيرتها علي محارم الله وحقوقه، ولكي تنهض الأمة ينبغي أن يكون الايمان رائدها، والتوحيد قائدها، والقرآن دستورها، والرسول العظيم زعيمها، وعندها تصبح بحق خير أمة أخرجت للناس.