هذه اللافتة رأيتها بعيني معلقة في شارع 62 يوليو بالقرب من بولاق أبوالعلا وجملة (الشعب يريد الغاء »المارشدين«) يسبقها عنوان تمهيدي - كما يقال في لغة الصحافة - هو: احترس.. الثورة ترجع للخلف. أظن ان هذه اللافتة - بعنوانيها الرئيسي والتمهيدي - تلخص الانعطافة الخطيرة، بل والمخيفة إلي اقصي حد، للثورة المصرية. نعم.. الثورة ترجع للخلف كما ورد في اللافتة، ولذلك فإن الشعب يريد الغاء »المارش« فهو الجزء الوحيد في السيارة الذي يمكن من خلاله العودة للخلف، لذلك تطالب اللافتة بالغائه تماما حتي لا يعيد أحد الثورة الي الخلف. سأبادر الي القول دون أي تمهيد بأنني كنت ضد اغلاق الثوار لمجمع التحرير، كما انني كنت ومازلت لا أري جدوي من المسيرة الي وزارة الدفاع، علي الرغم من ان الثوار أمضوا اكثر من عشرين يوما معتصمين في جحيم الصيف، واقترب عدد المضربين عن الطعام والمشرفين علي الموت من 003 مضرب، ارتفع في بعض التقديرات إلي أكثر من 004، دون ان يتحقق الكثير من المطالب الاساسية للثوار، الذين لولا وجودهم الان في ميدان التحرير لما حصلنا علي ما حصلنا عليه من تحقيق لبعض المطالب، فبفضلهم تغيرت الوزارة، مهما كان حجم ومضمون التغيرات، ويتم الان نقل محاكمات الفاسدين والقتلة في التليفزيون، كما اقيمت »تمثيلية« سريعة وغير متقنة تفيد بأنه تم تطهير الداخلية من خلال حركة التنقلات الأخيرة، وبقي الكثير والكثير من مطالب الثوار المعلنة علي مدي أكثر من عشرين يوماً. خلال هذه الفترة كان بوسع المجلس العسكري - بل وواجبه - ان يلتقي بهم ويناقش مطالبهم ويحقق الكثير من مطالبهم المشروعة حسب تعبير المجلس ذاته في أول الثورة. لكن المجلس بصراحة تجاهلهم، وبدلا من الالتفات لحالة الغليان الموجودة عند قطاعات كثيرة في بلادنا، قام مثلا باصدار قانون الانتخابات الذي سبق ان عارض بنوده كل القوي السياسية، لانه سيفتح الباب واسعا لفلول الوطني والنظام السابق بالتسلل إلي البرلمان، ولنتذكر فقط ان الاستاذ الغول عضو مجلس الشعب السابق الذي ترددت اتهامات حول ضلوعه في مقتل ستة من اخوتنا الاقباط قبل الثورة، صرح هو بنفسه بعد الثورة عندما سئل: هل ستترشح لمجلس الشعب؟ وكانت اجابته: اترشح ونص وتلاتربع! لن اكرر وأعيد وازيد حول المطالب المعروفة والمعلنة والتي يمكن بسهولة ويسر تحقيقها بدلا من ترك الأمور تتفاقم وتحتقن الي هذا الحد المخيف. لماذا لا تنقلون المتهم حسني مبارك لطرة؟ ولماذا زعمتم أنكم تجهزون مستشفي بطرة لنقله إليه؟ لماذا لا تأمرون الحكومة - ما دامت بلا صلاحيات - لوضع حد اقصي للاجور؟ لماذا لا تعيدون هيكلة الداخلية وتعيين وزير مدني لها؟ لماذا تدعون انه لا وجود للقناصة الذين قتلوا ابناءنا ومن الذي يحميهم؟ لماذا المحاكمات العسكرية للمدنيين؟ هناك عشرات المطالب اليسير تحقيقها، وليس مبررا ولا مفهوما ان نتجاهل مئات المضربين عن الطعام، وعشرات الآلاف في كل ميادين مصر المعتصمين. في هذا السياق يكون الجو مسموما بالطبع، وما تعرض له الثوار وهم في طريقهم لوزارة الدفاع - علي الرغم من انني لم أكن موافقا ولا راغبا في هذه المسيرة - من اعتداءات سواء كانت من البلطجية والداخلية أو الاهالي يدفع بالوطن الي ما لا نرغبه جميعا. وفي هذا السياق أيضا تنطلق سهام التخوين والطعنات المسمومة بين القوي والتيارات السياسية ويحدث الانقسام والفرقة. كيف يمكن مثلا ان يدلي عاصم عبدالماجد المتحدث باسم الجماعة الاسلامية بتصريحات تتطابق مع تصريحات حبيب العادلي وصفوت الشريف قبل الثورة؟ وفي هذا السياق أيضا ليس مقبولا ان يدلي اللواء الرويني أو اللواء عبدالمنعم كاطو بتلك التصريحات المتعجلة، وكان الواجب تقديم أعضاء جماعة 6 ابريل للمحاكمة فورا ما دام المجلس العسكري يملك الادلة علي خيانتهم، وإلا فإن هذه الاتهامات تظل بلا سند إلا الغضب والتعجل. أضم صوتي إلي صوت الكثيرين الذين طالبوا ومازالوا يطالبون بتقديم الادلة التي تثبت خيانة أعضاء حركة 6 ابريل ومحاكمتهم فورا والان، وإلا فعلي المجلس أن يعتذر لهم علنا، فقد سبق للمجلس ان دعا أعضاء منهم للقاءات ومناقشات عديدة، فهل يدعو المجلس عملاء ومأجورين يستهدفون الوقيعة بين الشعب والجيش للنقاش والاستماع إلي مطالبهم؟ اخشي أن اقول إن الثورة ترجع للخلف، وسترجع أكثر وأكثر لو لم يتدارك المجلس الأمر ويعتذر عن اتهامه، أو يقدم حركة 6 ابريل للمحاكمة!