في جنوب سلطنة عُمان حيث تقع منطقة ظفار وعاصمتها صلالة، استوقفني مواطن من رعاة البقر ونحن مع نائب والي المنطقة يفتتح مشروعات جديدة وفرتها حكومة السلطنة لهؤلاء الذين يقبعون في الجبال وليست لهم وسيلة الا الدواب للنزول إلي العاصمة أو الطائرات المروحية تحمل اليهم المدرسين أو أمثال وفدنا من القوافل الطبية والبيطريين والصحفيين. كان ذلك عام 4891 حين سألني المواطن العُماني: - مصري يا أخي؟.. قلت: نعم - سأل : أين احمد سعيد ومحمد عروق؟. قلت : هل تعرفهم؟ قال: وهل هناك عربي لا يعرفهم. - قلت: ولي زمنهم في صوت العرب بعد ان ولي زمن صاحبهم - استطرد قائلا: كنا نذهب إلي المدينة لشراء الراديو الذي كنا نسميه صندوق احمد سعيد ولو لم يضبط البائع المؤشر علي صوت العرب لنسمعه ما كنا لنشتريه. حوار مضي عليه أكثر من 72 عاماً، ولا اتذكر سوي ان عيني اغرورقت بالدموع وأنا اسأل نفسي لقد استطعت يا عبدالناصر ان تصل لهذا المواطن في ستينيات القرن الماضي.. هذا القابع في الجبل ولا يجد حتي عام 48 سوي الطائرات المروحية إذا اراد العلاج في مستشفي المدينة والا فإن عليه قطع رحلته بالدواب ليوم أو أكثر.. وصلت يا زعيم حتي إلي هذا الرجل ولم تحقق للامة التي اتخذتك رمزا وقدوة سوي ان قلدّك مغامرون في جيوش بعض دولها فخرج منهم القذافي عام 9691 وتوالت سلاسل الانقلابات والاغتيالات في العراق حتي يومنا هذا.. وامتد المد الثوري إلي افريقيا وحذو كلهم حذوك عندما امسك كل منهم بالحكم ولا يتركه الا بانقلاب تلو آخر. ماذا لو اتخذت الديمقراطية عنوانا ومضمونا لحكمك، هل كنت تظن انها لن تأتي بك إلي مقعد الحكم، ألا يكفي ما فعله المصريون يومي 9 و01 يونيو لتعرف انك كنت في السويداء من قلوبهم ولم يكونوا بحاجة إلي دكتاتور ليحبوه. بعد ذلك ألا يحق لنا نحن مواليد العقد الخامس من القرن الماضي - أبناء ثورة يوليو - ان ننظر وراءنا في حزن كلما حلت ذكري الثورة.. نتحسر علي الفرصة الذهبية التي ضاعت من بين زعيمها الأوحد بعد أن انفرد بكل شيء في البلد.. وضع احدي عينيه علي الداخل والاخري علي محيطه العربي والافريقي وتعدي ببصره المحيط والخليج إلي محيط أرحب وأوسع شمل الكرة الارضية كلها حين اصبح بين زعماء عدم الانحياز ولكنه انحاز إلي مسار الشرق علي حساب الغرب ولم يوازن بينهما وكانت المحصلة لعبة الامم والاختراق الذي بدأ التخطيط له منذ أزمة تمويل السد العالي عام 65 وحتي أتي ثماره في يونيو 7691. دغدغ المشاعر بكاريزمة الزعامة التي امتلكها، استحوذ علي القلوب وهتفت له الحناجر وعاش الفن في عصره حلما صحا منه علي نكبة تلو النكبة، تعلقت به العيون واشرأبت الاعناق لمرآه من المحيط إلي الخليج. وماذا كانت النتيجة.. انظر حولك علي مدي 06 عاماً لتري ما نحن فيه سواء عشته كله أو جانبا منه.. فكلنا في الهم شرق.