من الناس من يعرف عن نفسه كل شيء قريباً.. يعرف انه بخيل او انه كذوب او انه لا يستطيع مواجهة المواقف التي يتعرض لها بمفرده، ولابد له دائماً من »الاستعانة بصديق« أو أن ردود أفعاله بطيئة ولا تسعفه في الظروف التي تستدعي رد فعل سريعاً، أو أنه كسول، أو أنه »رغاي« أي كثير الكلام.. ومنهم من يعرف عن نفسه انه شهم.. يهب الي نجدة من يحتاج الي المساعدة ولا يتردد، او انه صريح لا يحب اللف والدوران، او انه يحب النشاط ولا يطيق الخمول او الكسل، او انه يحترم وعوده وعهوده ولا يحنث بأيها.. الخ. ومن الناس من لا يعرف عن نفسه الا القليل، ولا ينتبه لشيء من صفاته وعاداته، الا ان ينبهه شخص ما إليها. ومن هؤلاء الذين تقدم ذكرهم، من يعتقد ان صفاته التي يعلمها عن نفسه او نبهه احد إليها، أنها ملازمة له، وأنها غير قابلة للتغيير او التعديل او التبديل، ويقول لك الواحد منهم »انا كده ومش هتغير«.. يقولها إما فخوراً بها أو غير مكترث، إن كانت من الصفات الذميمة كالكذب او النفاق او الوقيعة بين الناس. ومنهم من يعترف بصفاته، ولكنه يعتقد في قرارة نفسه انه غير قادر علي تغييرها، مثل ان يكون جباناً لا يستطيع مواجهة أي موقف يتطلب شيئاً من الشجاعة او الجرأة، أو أن ردود افعاله بطيئة.. فهو يحتاج الي وقت لكي يأتي برد فعل، وهو يضيق بهذه الصفة او تلك، ولكنه يشعر بأن لا حيلة له ازاءها.. ويحاول في هذا الاتجاه، وقد يفشل في البداية فيظن بأن التغيير مستحيل، ولكن قد ينبهه احد اصدقائه ان لا شيء تقريباً ينجح فيه الانسان من أول محاولة.. وان تكرار المحاولة هو مفتاح النجاح الأكيد. اما من يعرف عن نفسه صفات حميدة مثل الصدق أو الصراحة، فقد تجلب عليه الصراحة شيئاً من المتاعب في بعض المواقف، ولكنه لا يتخلي عن صراحته ولا يريد ان يتخلي عنها، وهو مستعد ان يتحمل تبعاتها مهما كلفه الامر.. هذا الانسان لا شك يعرف عن نفسه صفات اخري لا يحبها ويريد ان يتخلص منها، فليس هناك إنسان كامل الأوصاف.. مثل ان تكون ردود أفعاله سابقة علي تفكيره.. اي يتصرف بتلقائية قبل ان يفكر في الامر ولو لحظات.. فيأتي بردود افعال لحظية قد يندم عليها لاحقاً، ويري انها لم تكن مبررة علي الاطلاق، وقد تكون ردود افعاله في موقف معين غير قابلة للاصلاح او يكون الاعتذار عنها غير مقبول فالكلمة اذا خرجت لم يكن ممكناً ان نلغيها او نلغي اثرها، ان كان اثرها سيئاً. فالخير كل الخير ان يحاول الانسان دراسة نفسه علي الناحية الاخري المواطن التي تستدعي التغيير الي الاحسن والافضل، ويحاول أكثر من مرة وبكل التصميم ان يقتلعها، ولا يتقبل اليأس إن لم يحالفه التوفيق في المحاولة الأولي وما بعدها.. كما لا ينبغي أن يضيق ذرعاً بمن يدله علي المواطن التي تستدعي التغيير في صفاته، وفي الأثر »رحم الله إمرأ أهدي إلي عيوبي« فهي كالهدية أتقبلها بقبول حسن، واستفيد منها طالما كانت مخلصة وبحسن نية.. وأقول إن كل إنسان قابل للاصلاح إن توافرت لديه النية، وإن لم تأخذه العزة بالإثم.