هل تتذكرون فكري الجزار؟..سألتُ عنه بعد أن نجحت الثورة في إسقاط رأس النظام السابق (رأسه فقط؟!!) لكي أبادله التهاني وأشاركه شعورا طاغيا بالفرحة الغامرة والفخر بالثورة الاروع والاعظم في تاريخ البشرية وهي الثورة التي ساهم فكري الجزار في التمهيد لها وتفجيرها بقيادته لتيار المعارضة المستقلة للنظام البائد داخل البرلمان، ودفاعه المستميت عن حرية الصحافة وهي المواقف التي دفع ثمنها غاليا. ولن أنسي المكالمة الهاتفية التي جرت بيننا ليلة تم اسقاطه بالتزوير في آخر انتخابات برلمانية يخوضها عندما قال لي بأسي ومرارة "لقد تم إنزال الجيش الثالث لإسقاطي ..يا أحمد"!!..وكان يقصد حشد قوات وزارة الداخلية والقيادات الحزبية والتنفيذية بقيادة محافظ الغربية (وقتئذ) ماهر الجندي للتخلص من شيخ المستقلين الذي اطلق عليه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لقب "الفلاح الفصيح".. سألت "الحاج فكري الجزار موجود "..فجاءني الجواب الصادم الذي لم اتوقعه أبدا" "البقية في حياتك"..مرت لحظات من الصمت كأنها دهر قبل أن أفيق من هول الصدمة وأتساءل بعد الترحم علي روحه الطاهرة "هل عرف بنجاح الثورة في إسقاط الطاغية"؟..وجاءني الجواب الذي حمل لي بعض العزاء "لقد توفي يوم 8 فبراير وكان آخر ما بلغه في النزع الاخير هو أن الشعب يصر علي إسقاط مبارك فقال كلمته الاخيرة ملوحا بيده .."خليه يغور"!!..مات فكري الجزار في صمت وفي لحظة فارقه من تاريخ وطنه بينما الشعب مشغول بالثورة ليعيد للاذهان مأساة فنان الشعب سيد درويش الذي مات يوم عودة الزعيم سعد زغلول من منفاه فلم يلحظ وفاته أحد!!..وكأن ذلك قدر مكتوب علي جبين أبناء مصر الابرار ..ولكن التاريخ وشعب مصر الوفي لا يمكنهما نسيان من ناضل وأعطي وبذل حتي الرمق الاخير من أجل مستقبل أفضل لبلاده..كان فكري الجزار حزبا قائما بذاته ..صال وجال في جنبات البرلمان مناضلا من أجل الحرية والديمقراطية ، وصارخا ضد الظلم والقمع والفساد وهي ذات الاهداف النبيلة التي قامت من أجلها ثورة 25 يناير..قصة كفاح فكري الجزار صفحة ساطعة وناصعة البياض يجب أن تكتب كاملة ..وفي حواراتي العديدة معه ، وكان آخرها في منزلي ، سألته لماذا لا يكتب مذكراته التي ستكون بالقطع إضافة قيمة ومطلوبة الي تاريخ الحركة الوطنية المصرية تأسيسا" علي تجربته الطويلة والعريضة والثرية في الحياة السياسية ..فكر الحاج فكري مليا" ثم طمأنني أنه بدأ بالفعل تسجيل بعض النقاط والمواقف..واتفقنا علي أن اساعده في تحرير وصياغة المذكرات في صورتها النهائية عندما ينتهي من هذه المرحلة الاولية..وعندما سألتُ الدكتورة صفاء الجزار استاذة اللغة الانجليزية عن مذكرات والدها ، أجابتني بان كل أوراق المرحوم لدي شقيقها الدكتور محمد استاذ النقد الادبي والمعار حاليا الي السعودية ..واتفقنا علي التواصل بعد العودة القريبة للدكتور محمد الي أرض الوطن ..ولكني فوجئت ودهشت وصدمت بأن الدكتور محمد فكري الجزار لم يعد لأنه يخضع للإقامة الجبرية في السعودية حيث تم سحب جواز سفره وقطع الاتصالات عنه..أما جريمة الدكتور محمد الشنيعة ، ويا لها من تهمة، أنه تمسك بالقيم والمعايير الاكاديمية وحكم ضميره المهني في إمتحانات نهاية العام بكلية التربية التي يعمل بها مما أدي الي رسوب بعض الطلبة ، وذلك امر طبيعي في كافة الجامعات المحترمة ، ولكن سوء حظ الدكتور محمد شاء أن يكون من بين الراسبين ابن وكيل الكلية ..وهنا إنقلبت الدنيا رأسا علي عقب ، وتم التنكيل بالدكتور محمد علي النحو الذي ذكرته آنفا..ولكن الانكي والادهي من ذلك هو إتهام الدكتور محمد بتأييد ثورة 25 يناير ومحاولة تصديرها للسعودية والدليل علي ذلك أن ثوار ميدان التحرير ينشدون قصيدة من نظمه!!..هذه قصة نهديها الي وزير خارجية مصر "الثورة" الذي وصف السعودية بأنها "الشقيقة الكبري" لمصر..ثم حل ضيفا علي صالون ثقافي يقيمه السفير السعودي لدي القاهرة في منزله..كما نهدي القصة لكبار الصحفيين والكتاب والمثقفين من الضيوف الدائمين لهذا الصالون.. واخشي أن يدفع الدكتور محمد فكري الجزار ثمن العلاقة الجديدة بين وزير خارجية " مصر الثورة" وبين السعوديين ، وخاصة أن الرياض تعهدت بتقديم ثلاثة مليارات دولار لدعم الاقتصاد المصري.. وأنا شخصيا أتمني العودة السريعة للدكتور محمد ليس فقط لإنجاز مشروع مذكرات والده المناضل الراحل فكري الجزار، ولكن لكي نشارك معا في ترتيب مؤتمر شعبي في قرية دماط بمركز قطور غربية ، وهي مسقط رأس اسرة الجزار، لتكريم وإحياء ذكري مناضل عظيم أثري العمل الوطني بعطاء بلا حدود.. وترك لنا سيرة ناصعة وساطعة وزاخرة بالمواقف التاريخية التي تصلح ان تكون قدوة ونبراسا لكل برلماني تطلع لخدمة بلاده بوطنية ونزاهة وصلابة واستقامة..وأخيرا فإن من حق الدكتور محمد الجزار المتهم بتأييد ثورة 25 يناير أن يحلم مع كل المصريين بالخارج بوطن كريم يدافع عنهم ويعطيهم حق الانتخاب ..وأن يكون لهذا الوطن وزير خارجية يعرف قيمته وقامته..ومن حقنا جميعا أيضا المطالبة بحكومة ثورية تعبر عن الثورة والثوار وتتخذ قرارات فورية وجريئة بتطهير الإعلام والداخلية والقضاء ومختلف أجهزة ومؤسسات الدولة، حتي لا يكتب التاريخ عنا أننا الشعب الذي قام بأجمل واروع ثورة في تاريخ البشرية لإسقاط الطاغية ثم سلم ثورته بإرادته الي نفس نظام الطاغية الذي لم يسقط بعد!!..