كانت ميليشيات خيرت الشاطر تجهز أسلحتها وتعلن »النفير العام»، ورصدت الأجهزة الأمنية والمخابراتية، محاولات تسلل جماعية من عناصر حماس لدخول سيناء والاشتراك في »أم المعارك»، بنفس سيناريو 25 يناير، وأعد مكتب الإرشاد قائمة طويلة بأسماء سياسيين وقضاة ومسئولين وإعلاميين وعسكريين ورجال أمن وشخصيات عامة، ليتم اعتقالهم في حملة ترويع غير مسبوقة في تاريخ مصر. ووقف الزمن يحبس أنفاسه، والمصريون أيديهم علي قلوبهم لما تسفر عنه الأحداث، بعد أن أعلن وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي إنهاء حكم المعزول، وأن يتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد، لحين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ووقف العمل بالدستور الإخواني المشبوه، فإما أن تضيع مصر، أو أن تنقذها العناية الإلهية وجيشها البطل، وكانت يد الله فوق أيدي المتآمرين الذين أضمروا لمصر شراً. وكتب لمصر عمر جديد، وانفجرت مظاهرات الفرح في الشوارع، وعادت الابتسامة للوجوه الحزينة والقلوب الخائفة، فمن كان يتصور أن الليل الدامس سوف ينجلي، وأن الوطن الطيب سيعود لأهله وناسه، وأن الدولة التي حاولوا تفكيك مفاصلها، سوف تتماسك وتقف علي قدميها، وتسترد قوتها وهيبتها واحترامها.. يا لها من ذكريات بدأت حزينة وانتهت رائعة، بعد أن انزاح كابوس الجماعة الإرهابية، وأخذت في طريقها القوي الانتهازية ونشطاء التجسس والدولار، وفلاسفة التحاليل السوداء، الذين كانوا منتشرين في الفضاء مثل الجراد المتطاير. هل تذكرون القاتل »طارق الزمر»، رئيس حزب البناء والتنمية، الذي وضعه مرسي في صدارة صفوف احتفالات السادس من أكتوبر، بينما غاب أبطال العبور الحقيقيون، لقد أصدر بياناً يوم 29 يونيو 2013، يقول فيه بالحرف الواحد أن جماعته سوف تنصب أعداد المشانق في الميادين العامة، استعداداً لاستقبال رءوس العلمانيين الكفرة والصليبيين، وإطعام جثثهم النجسة للذئاب والكلاب المسعورة.. وكانت الأحداث تسير في اتجاه مذبحة مروعة لرموز مصر، علي غرار ما تفعله داعش في سوريا والعراق، لبث الذعر والهلع في قلوب المصريين، وإشعال حرب أهلية تغرق البلاد في بحور الدماء، وتفكك أركان الدولة ومؤسساتها، لتقوم علي أنقاضها خلافتهم المزعومة. وأفلتت مصر من مصيدة »الجحيم العربي»، التي استهدفت تفتيت مصر وتسليم جزء منها للجماعات الإرهابية، في مقابل تحويلها إلي مستنقع للحرب الأهلية، ولكن استدعت البلاد احتياطي القوة المصرية الكامنة في أعماقها لمواجهة الخطر الداهم، خطر يهدد وطنا عظيما، واستبداله بميليشيات دموية قتلت من المسلمين عشرات الآلاف، ولم تقتل من أعداء المسلمين فرداً واحداً، واستغلوا الدين الإسلامي السمح أسوأ استغلال، ولم يدركوا أن مصر لم تكن يوماً إلا ميداناً للشجعان، يحميها جيش من فلذات كبدها. من أنتم وهل تزايدون بأكاذيبكم الدينية، علي شعب يعشق بفطرته الأديان، وبه إسلام حقيقي يتسلح به المصريون، ويتوافق مع تسامحهم وحضارتهم وثقافتهم؟.. لم ينخدع المصريون بزيفكم، ولم يبتلع الطعم سوي بعض المخدوعين.. وجن جنونهم لأن مصر كسرت شوكتهم، وأن الجنة التي يخدعون بها الإرهابيين، لن تكون أبداً بالقتل وإراقة الدماء والترويع، وقدمت البلاد طوابير من الشهداء، لهم وطن يدافعون عنه، وحياة يفرشونها بالخير لأولادهم وأحفادهم. مصر التي عادت إلينا وعدنا إليها لم تنس أبداً تلك الأيام السوداء، وأدرك شعبها أن له وطنا يستحق الدفاع عنه بالأرواح والشهداء، والأرض التي ترويها الدماء هي التي تنبت زهور الكرامة والكبرياء والحرية.