تعد حرية الإعلام أحد مظاهر الديمقراطية في المجتمع المعاصر،وتؤكد النظرة المنصفة لأداء الصحافة والإعلام في مصر خلال السنوات الاخيرة اتساع هامش الحرية الذي تتمتع به وسائل الإعلام علي اختلاف تياراتها السياسية وانتماءاتها الحزبية. كما تؤكد النظرة المنصفة لأداء الصحافة خلال السنوات الاخيرة ان بعض الصحف استخدمت هامش الحرية المتاح بشكل مسئول،واتسم اداؤها المهني بالمسئولية المهنية والاجتماعية، فتحرت صالح المجتمع، وكشفت عن بعض بؤر الفساد، ونقلت للحكومة اتجاهات الرأي العام بشأن القضايا المختلفة، ودفعت الحكومة لحل مشكلات المواطنين الملحة، كما اتسم اداؤها بالتوازن، حيث عرضت لوجهتي النظر الرسمية وغير الرسمية في معالجة القضايا الجماهيرية. ونجح الاداء الإعلامي المسئول في تحقيق التوازن بين حق الإعلامي في النشر، وحق الجمهور في المعرفة، وحق المجتمع في الحفاظ علي الصالح العام. وفي مقابل الفريق الاول، اتجه تيار آخر للاستغلال الخاطيء لحرية الإعلام، فأخذ يعتمد علي الاثارة والاشاعات والاخبار غير الدقيقة سعيا وراء تحقيق سبق صحفي زائف، او المزيد من الجذب لقراء جدد، دون مراعاة لمباديء المسئولية المهنية والاجتماعية لحرية التعبير في وسائل الإعلام، ونتج عن ذلك خلط واضح بين حرية التعبير وحرية الاثارة، فاتجه الحوار الإعلامي إلي مستويات مقلقة، واعتدنا قراءة حملات التشكيك المتبادلة، واصبح التشويش في تشكيل الرأي العام بشأن الموضوعات والقضايا المختلفة أمرا معتادا. وكرس هذا التيار التوجه نحو اليأس والاحباط من خلال التركيز علي كل ماهو سلبي في المجتمع دون النظر بعين الاعتبار للجوانب الايجابية، علما بأن ذلك يتنافي مع مباديء المسئولية المهنية، ومباديء العمل الإعلامي .. وترصد تقارير المجلس الاعلي للصحافة العديد من التجاوزات المهنية في الاداء الصحفي المعاصر في مصر، ويأتي في مقدمتها خلط الاخبار بالإعلانات، والخلط بين الحقيقة والرأي، ونشر الأخبار المجهلة، وتكثيف نشر موضوعات الاثارة والاساءة للأشخاص دون أدلة دامغة، وعدم التوازن في عرض وجهات النظر. إن تجربة الإعلام المصري خلال السنوات الاخيرة وكذلك التجارب العالمية الرائدة في حرية الصحافة والإعلام علي المستوي العالمي تؤكد ان الإعلام المسئول الذي يحرص علي تقديم النقد البناء، والمتوازن في طرح وجهات النظر المختلفة والذي يتيح الفرصة للرأي العام لأن يعبر عن اتجاهاته، يعد النموذج الاكثر نجاحا والاكثر قدرة علي الاستمرار مستقبلا، وتزداد جماهيريته يوما بعد يوم، كما يزداد ارتباط الرأي العام به خاصة ابان الازمات، حيث يصبح المصدر الاكثر وثوقا للحصول علي المعلومات والاخبار. وعلي الدولة ان تفتح حوارا مستمرا مع رموز الجماعة الصحفية، يتناول الرؤي المتبادلة للتعامل مع الاخطاء المهنية في مجال العمل الصحفي، والتيسيرات المختلفة التي يمكن ان تقدمها الدولة في مجال حرية تداول المعلومات، بما يضمن تدفق المعلومات للمطبخ الصحفي، ويساعد في القضاء علي الشائعات، والتقليل من الاثارة والمبالغة التي تلجأ اليها بعض الصحف. كاتب المقال: استاذ بكلية الإعلام - جامعة القاهرة