تراجع أسعار العملات العربية في ختام تعاملات اليوم 30 أكتوبر 2025    رسوم السحب النقدي من ماكينات الATM والحد الأقصى لعمليات السحب لجميع البنوك    مصر تحقق نجاحا إفريقيا في اتفاقية التجارة الحرة القارية بعد أربع سنوات    موسكو: الانسحاب من اتفاقية "البلوتونيوم" مع واشنطن رد على محاولات تقويض مصالحنا    السيسي وأحمد الصباح يبحثان تعزيز العلاقات وتطورات الأوضاع الإقليمية    مجلس الأمن يدين هجمات الدعم السريع على الفاشر ويدعو لتنفيذ القرار 2736    وزير الرياضة يصدر قراراً بتشكيل لجنة مؤقتة لإدارة النادى الإسماعيلي    تداول صورة ل توروب مدرب الأهلي خلال زيارة سفارة الدنمارك بالقاهرة    جماهير الزمالك تنفجر غضبًا بسبب مجلة الأهلي.. ما القصة؟    ضبط لحوم غير صالحة للاستهلاك في حملة بالإسكندرية    جهز ساعتك الخميس اليوم.. خطوات تغيير الساعة مع بدء التوقيت الشتوي    براءة الشاب المتهم بالتعدى بالضرب على طفل العسلية فى المحلة    سهام فودة تكتب: ملوك الفراعنة يستقبلون ملوك العصر الحديث    هنا الزاهد أمام الأهرامات قبل افتتاح المتحف المصرى الكبير: مصرية وأفتخر    انطلاقة جديدة وتوسُّع لمدرسة الإمام الطيب للقرآن للطلاب الوافدين    الصحة تشارك في احتفالية اليوم العالمي للسكتة الدماغية لرفع الوعي وتطوير مهارات الكوادر الطبية    بدء تطبيق التأمين الصحي الشامل بالإسكندرية من العام المالي المقبل    حافلة الزمالك تصل إلى ستاد القاهرة استعدادًا لمواجهة البنك الأهلي    خالد الجندي: افتتاح المتحف الكبير إنجاز عظيم للرئيس السيسي    بدء التوقيت الشتوى الليلة.. نصائح فعالة لضبط دورة نومك مع تغيير الساعة    ارتفاع أسعار الفول وتباين العدس في الأسواق    بالأسماء.. إصابة طبيبة و4 ممرضين إثر سقوط سيارة في ترعة بالبحيرة    مصر تطرح رؤيتها حول استخدام الذكاء الاصطناعي في أعمال المراجعة    محافظ الغربية يرفع يوجه بسرعة تجهيز الشاشات في الميادين استعدادا لحفل افتتاح المتحف الكبير    دار الإفتاء: توقف خدمة استقبال الجمهور السبت القادم    وزير الرياضة يصدر قراراً بتشكيل اللجنة المؤقتة لإدارة شئون الإسماعيلي    اتحاد السلة يعلن جدول مباريات ربع نهائي دوري المرتبط «رجال»    300 شاحنة مساعدات تغادر معبر رفح البري لدعم الشعب الفلسطيني بقطاع غزة    سوريا وألمانيا تؤكدان أهمية الحوار الدبلوماسي والتواصل المباشر في دعم الاستقرار الإقليمي    كواليس هزيمة برشلونة أمام ريال مدريد.. الصحافة الكتالونية تتحدث    السيطرة على مشاجرة بين أشخاص داخل صيدلية بالشيخ زايد    محافظ القاهرة يصدر حركة تنقلات بين رؤساء الأحياء    قافلة بين سينمائيات تطلق ورشة الفيلم التسجيلي الإبداعي 2026 لتأهيل جيل جديد من المخرجات    مدمن مخدرات.. القبض علي مسجل اعتدى بالضرب علي شخص وزوجته بالعمرانية    تأجيل محاكمة البلوجر أم مكة بتهمة بث فيديوهات خادشة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في محافظة الأقصر    تفاصيل قرار جديد للرئيس عبدالفتاح السيسي    مستقبل وطن يواصل مؤتمراته الجماهيرية لدعم مرشحيه وحث المواطنين على المشاركة في انتخابات النواب (فيديو)    «ابن أمه ميتعاشرش».. 4 أبراج رجالهم لا يتخلون عن والدتهم رغم كبرهم    تأجيل النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية 48 ساعة    جيل بعد جيل على كرسى رئيس التحرير    عاجل الأحد المقبل بدء تسليم أراضي "بيت الوطن" للمصريين بالخارج بالقاهرة الجديدة    رئيس مجلس إدارة جهاز تنمية التجارة الداخلية الجديد يبدأ مهام عمله    أحمد موسى يتقدم ببلاغات للنائب العام ضد صفحات نشرت تصريحات مفبركة باسمه    المشدد من 3 إلى 15 سنة ل4 متهمين بحيازة أسلحة نارية وذخائر بشبرا الخيمة    وزير الصحة: أصدرنا حتى الآن أكثر من 115 دليلًا إرشاديًا فى مختلف التخصصات الطبية    وزيرة التضامن تشهد احتفالية الأب القدوة.. وتكرم شخصيات ملهمة    مدحت شلبي: محمد عبد المنعم يرفض العودة إلى الأهلي ويفضل الاستمرار في أوروبا    «نفسي أشتمنا».. يسري نصرالله ينعى المصورين ماجد هلال وكيرلس صلاح    الرئاسة تكشف تفاصيل لقاء السيسي ب رئيس مجلس الوزراء الكويتي    «بالزي الفرعوني وأعلام مصر» .. مدارس الإسكندرية تحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير في طابور الصباح (صور)    هل يحق للزوج منع زوجته من العمل بعد الزواج؟.. أمين الفتوى يجيب    أسعار النفط تسجل 64.52 دولار لخام برنت و60.11 دولار للخام الأمريكى    توفيق عكاشة: السادات أفشل كل محاولات إشعال الحرب في السودان    طابور الصباح فى الشرقية يحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. فيديو    وزيرا خارجية اليابان وكوريا الجنوبية يتفقان على تطوير العلاقات    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في الشرقية    طريقة استخراج جواز سفر مصري 2025.. التفاصيل كاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. سعد السيد عالم مصري استفاد الجيش الأمريكي من أبحاثه يفتح قلبه ل «الأخبار»:
نشر في الأخبار يوم 06 - 02 - 2018

البحث العلمي أهم من القمح ولن نتقدم بدون زيادة ميزانيته
30 قرشاً ميزانية الباحث في اليوم.. لكنها ليست مبرراً للكسل
البحرية الأمريكية تكشف عن المخدرات بدم جنودها بفكرة من أبحاثي
سذاجة اللوائح تجعل الشركات العالمية تقطف ثمار أبحاثنا
»سيفوتك الكثير إن لم تلتق هذا الرجل»‬.. »‬لو أردت أن تحاور شخصية ثرية علما فلن تجد أفضل منه» إنه د. سعد السيد.. سمعت هذه العبارات في مناسبات مختلفة.. ومن تلاميذ هذا العالم الجليل، فقلت لنفسي في البداية ربما هذا ما يسمونه ب »‬حماس المحبين»، ولم أعر هذه النصائح وقتها اهتماما، إلي أن وجدت مصادفة علي أحد مكاتب الأساتذة بكلية العلوم جامعة عين شمس، كتابا أصدرته الجامعة عن أبرز أعماله، فلمت نفسي كثيرا علي أني لم أحسن وقتها تقدير أهمية الشخصية.
نظرة بسيطة علي صفحات الكتاب كفيلة بأن تثير شهية الصحفي للجلوس مع د.سعد السيد، الذي لا توجد جائزة محلية إلا وحصل عليها، إضافة إلي أكثر من 17 جائزة دولية، كان أبرزها جائزة من الصين تصنف علميا علي أنها التالية من حيث المكانة بعد جائزة نوبل.. ومع ثراء الكتاب إلا أنه لم يكشف الكثير عن جوانب الشخصية التي فاجأتني خلال الحوار بتأكيد معلومة سمعتها قبل نحو عامين تقول إن أحد أبحاثه استفاد منها الجيش الأمريكي، وكانت المفاجأة الأكبر أنه يحتفظ مع كل ذلك بشخصية لم يتسلل لها داء الغرور، فمنحه ذلك حالة من الرضا بدت واضحة علي ملامح وجهه، وكذلك علي سلوكه، الأمر الذي جعله يبدي ارتياحا كبيرا لمستوي وشكل أثاث مكتبه، بالرغم من أنه متواضع جدا ولا يعكس التقدير الذي يستحقه هذا العالم.. وإلي نص الحوار.
• وأنا أعد للحوار معك، لم أجد سوي مادة واحدة فقط نشرت في أحد المواقع الإلكترونية، هل هذا تقصير منا كصحفيين، أم أنك كنت مقصرا في تسويق إنجازاتك؟
- وكأن السؤال ضغط علي جرح نفسي لم يندمل، فظهرت مسحة من الحزن علي وجهه قبل أن يجيب باستفاضة قائلا: عادة العلماء لا يفضلون الدعاية ويميلون إلي العمل في صمت، ومن ناحية أخري، فإن الإعلام يركز أكثر علي ما يهم العامة مثل أخبار الفن والرياضة، لأن لها شيوعا أكثر، بينما لا يولي نفس التركيز لأخبار البحث العلمي، لأن عدداً محدوداً جداً من الجمهور هو من يهتم بها، ويرجع ذلك لعدم وجود تقدير لقيمة العلم، بالرغم من أنه دفع كثيراً من الدول إلي الأمام، فنهضة ماليزيا علي سبيل المثال قامت عليه، فقد كان اقتصادها قائما علي المطاط وزيت النخيل، ولكن مهاتير محمد الذي تقلد الحكم تقريبا في نفس توقيت رئيس مصر الأسبق حسني مبارك استطاع بالعلم أن ينقلها نقلة مختلفة.
السفر لأمريكا
قد يقول البعض أن مستوي البحث العلمي بمصر ضعيفا، فلم يحفز الحكومة علي تغيير نظرتها له؟
- أثار هذا السؤال غيرته، فاختفت مسحة الحزن من وجهه لتفسح المجال لملامح جادة، قبل أن يقول: العيب ليس فينا.. توجد كفاءات عالية جدا، وهناك 100 ألف باحث حاصلون علي الدكتوراه، بعضهم حصل عليها من أمريكا، والبعض الآخر من دول أخري مثل بريطانيا واليابان وألمانيا، ولكن المشكلة هو أنه لا يوجد مشروع قومي يجمع كل هؤلاء، فالكل يعمل في جزر منعزلة، ووفق الأولويات التي يحددها لنفسه، وهذا العمل الفردي لا يصنع نهضة.
ألم يدفعك هذا الوضع إلي التفكير في الهجرة، فما علمته من طلابك أن الإقامة بأمريكا عرضت عليك أكثر من مرة؟
- نجح هذا السؤال في استعادة الابتسامة الهادئة التي استقبلني بها د.سعد، ليومئ بعلامة الموافقة علي كلامي قبل أن يقول: ما أخبرك به طلابي صحيح، فقد عرض عليّ الاستمرار في الجامعات الأمريكية 3 مرات وفي كل مرة كنت أكتفي بالفترة التي أقضيها هناك لإنجاز بعض الأبحاث.. صحيح أن العمل هناك يضع الباحث تحت الأضواء، بدليل أن كثيراً ممن اتخذوا هذا القرار حققوا إنجازات كبيرة مثل د.أحمد زويل الحائز علي نوبل، ولكني كنت أقاوم نفسيا هذه العروض بأن أقول لنفسي إذا قررت أنا وغيري الاستمرار هناك، فمن سيقوم بمهمة تخريج خريجين جدد لتشغيل المصانع والعمل بالجامعات المصرية ومراكز الأبحاث.
قد تكون فكرت وقتها في هذه القيم الوطنية والرائعة، ولكن ألم تشعر يوما بالندم؟
- يصمت لوهلة قبل أن يقول: كل إنسان لا يأخذ إلا ما كتبه الله له، وأنا والحمد لله راض تماما عما فعلته، فيكفي أن تعرف أني أشرفت علي 180 رسالة ماجيستير ودكتوراه، كان آخرها من أسبوع، فإذا كنت أنا وغيري قررنا الاستمرار في أمريكا، فمن كان سيشرف علي هؤلاء الطلاب.
حلم نوبل
أقدر تماما هذه المشاعر، ولكن ألم تراودك يوما غيرة العلماء المحمودة، وتقول لنفسك إنك لو قررت الاستمرار، ربما كنت يوما أحد الحائزين علي نوبل؟
- خرجت الكلمات من فمه سريعة وقال وقد ارتفعت نبرة صوته قليلا: هل تصدقني إذا قلت لك إن هذا الحلم لم يراودني، لأن العالم من المفترض أن يعمل ويهتم بعمله فقط، ثم تأتيه الجائزة، فالعالم الذي يضع الجائزة نصب عينيه وهو يعمل لن يحصل عليها، فالحمد لله أنا وفقت للحصول علي كل الجوائز المحلية بما فيها أرفع جائزة وهي جائزة النيل »‬مبارك سابقا»، وحصلت علي17 جائزة أخري من أمريكا وبريطانيا وإيطاليا واليونان وغيرها من الدول، وجاءتني هذه الجوائز جميعا دون أن أضعها نصب عيني.
ولكن غزارة انتاجك البحثي من المؤكد أنها كانت ستقودك لنوبل لو قررت الإقامة بأمريكا؟
- يلتقط د.سعد كتابا أصدرته الجامعة عن إنجازاته، ليقول وقد ظهرت علي وجهه علامات الفخر: طبعا لا يوجد شيء عصي علي إرادة الله إذا كان الإنسان يؤدي عمله بإخلاص، ونوبل رغم قيمتها ليست الجائزة الوحيدة المهمة، فقد حصلت علي الجائزة التي تليها في الأهمية من الصين، وهي جائزة أكاديمية العلوم لدول العالم الثالث.
ويقلب صفحات الكتاب، ليشير فيه إلي إحدي الصور، مضيفا: هذه صورتي وأنا أتسلم الجائزة من رئيس جمهورية الصين ورئيس وزراء الصين ورئيس الأكاديمية، وكنت أول عربي وإفريقي يحصل عليها عام 1987.
ومتي يمكن أن يحصل عالم ينتج أبحاثه في إحدي الجامعات المصرية علي جائزة نوبل؟
- تظهر مسحة حزن علي وجهه قبل أن يقول: للأسف من المستحيل حدوث ذلك في العلوم والطب.
ولماذا وصفت الأمر بالمستحيل؟
- يكتسي وجهه بعلامات الدهشة والتعجب، لبديهية الإجابة، قبل أن يقول: قلت مستحيل، لأن عندهم إمكانيات تساعد الباحث، فهذه الجائزة الرفيعة تحتاج لإنجاز أبحاث تستخدم فيها أجهزة بعشرات الملايين من الدولارات، بينما تبلغ ميزانية البحث العلمي في كلية مثل كليتنا 40 ألف جنيه في العام، وهو مبلغ إذا وزعته علي الباحثين البالغ عددهم 700 عضو هيئة تدريس يصبح نصيب الواحد 30 قرشا في اليوم.
المستشعرات الكيميائية
وهل لهذا السبب اخترت مجال المستشعرات الكيميائية، فأحد طلابك قال لي إنك قررت التخصص في هذا المجال، لأنه الأنسب لإمكانياتنا الضعيفة؟
- يتكئ بظهره علي كرسي مكتبه، ليقول وقد ظهرت السعادة واضحة علي وجهه: من الجيد أنك طرحت هذا السؤال، لأنه من الخطأ أن يركن الباحث لضعف الإمكانيات كمبرر للكسل وضعف الإنتاج والفعالية، ولكن هذا لا يعني أني أقدم المبرر للدولة لكي تغض الطرف عن قضية التمويل، وقبله قضية أن يكون هناك مشروع قومي يجمع الباحثين، فإذا كانت الظروف خدمتني ووجدت مجالا يعتمد بدرجة كبيرة علي الفكر قبل الإمكانيات، فهناك مجالات أخري لن تستطيع أن تحقق فيها نجاحا بدون الإمكانيات.
وكيف وجدت مجال المستشعرات الكيميائية مناسبا لإمكانياتنا الضعيفة؟
- يغمض د.سعد عينيه لوهلة، وكأنه يريد تذكر موقف قديم، ثم يقول: القصة تعود للسبعينيات عندما كنت في أمريكا أعمل علي أحد الأبحاث، وكان البحث يتطلب تقدير نسبة الفلوريد، فعرفت أن هناك مستشعرا يؤدي هذه الوظيفة وتبيعه إحدي الشركات بمبغ 300 دولار، وهو مبلغ مرتفع جدا وقتها، فلفت نظري حينها أن الخامات المصنع منها المستشعر بسيطة جدا، ولا تتعدي كونها أنبوبا ينتهي بما يشبه الغشاء، فأخذت أقرأ في كيفية تصنيعه، واكتشفت أنك تستطيع وقتها بمبلغ 40 دولارا شراء عدة أغشية صغيرة يصل طولها 10 سم، ثم تقطيع الغشاء الواحد إلي 15 شريحة يمكن استخدامها في تصنيع المستشعر، وحينها أدركت أن هذا المجال هو الأنسب لإمكانياتنا.
لو حاولنا تبسيط هذا المجال لمن يريد فهمه، فماذا تقول؟
- يصمت لفترة تطول بعض الشيء، لاختيار المفردات السهلة التي يمكن استخدامها لتبسيط هذا العلم، ثم يقول معرفاً إياه: هناك أنزيمات تكون مصاحبة لبعض الأمراض، وما نفعله هو أننا نستخدم مركباً كيميائياً للتعرف علي هذه الأنزيمات، وقد تمكنا حتي الآن من تصنيع أكثر من 200 مستشعر بعضها مثلا يكشف عن السرطانات في الكبد والثدي والبروستاتا.
الكشف عن المخدرات
كنت أنتظر منك أن تذكر المستشعر الخاص بالكشف عن تناول الشخص للمخدرات؟
- يرد علي سؤالي بسؤال: ولماذا تريدني أن أتحدث عن هذا المستشعر تحديدا.
أحد طلابك أخبرني أن هذا المستشعر يستخدمه الأسطول السادس في البحرية الأمريكية للكشف عن المخدرات في دماء جنوده ؟
- تظهر علامات الفخر في عينيه، قبل أن يقول بكل ثقة: نعم استفاد الأسطول السادس الأمريكي من الأبحاث الخاصة بمستشعرات الكشف عن كل أنواع المخدرات والتي نشرت في مجلات بحثية بأمريكا وبريطانيا، واستخدم التفاعلات الكيميائية الجديدة التي رصدتها في تلك الأبحاث لإنتاج مستشعر يقيس المخدرات في دماء جنوده في أقل من دقيقة ودون الحاجة لتجميع عينات وإرسالها للمعامل.
وماذا استفدت أنت من قيامهم بذلك؟
- تختفي علامات الفخر من عينيه، لتظهر مسحة من الحزن قبل قوله: ولا حاجة، نشرت أبحاثي في الدوريات العلمية، وصارت متاحة لمن يريد أن يستفيد منها، وكل ما حصلت عليه هو التقدير المعنوي والمتمثل في أن المستشعر الذي تم إنتاجه وسجل كبراءة اختراع في أمريكا تحمل فكرته إسمي.
أمر غريب جدا، الأبحاث يتم إنجازها في معامل كلية العلوم جامعة عين شمس وتستهلك لتحقيق ذلك كيماويات يتم توفيرها من الميزانية الضعيفة، وبدلا من تحويل هذه الأبحاث لمنتجات لزيادة ميزانية البحث العلمي، يقوم الغير بذلك نيابة عنا؟
- ضغط هذا السؤال علي جرح قديم لدي د.سعد، الذي يخرج عن هدوئه ليقول وقد ارتفعت نبرة صوته بشدة: للأسف الشركات العالمية تقطف ثمار أبحاثنا، فنحن نجتهد ونتوصل لتفاعلات كيميائية جديدة، وهم يأخذون هذا الجهد المنشور بحثيا ليحولوه إلي منتج يربحون به ملايين الدولارات.
إذن نشر هذه الأبحاث »‬ نوع من السذاجة»، واسمح لي أن استخدم هذه العبارة لأنها الأكثر تعبيرا عن الموقف؟
- ترتفع نبرة صوته قائلا: ليست سذاجتنا ولكنها سذاجة اللوائح، فالترقي لا يكون بالوصول لمنتج أو براءة اختراع، ولكن يكون بالنشر العلمي، فبلد مثل ماليزيا لا يتم ترقية الباحث بها إلا إذا قدم منتجاً وهذه الرؤية نفتقدها.
ولماذا لم تفكر في ظل غياب هذه الرؤية أن تستفيد ماديا من أبحاثك، بأن تحجبها عن النشر إلي حين التواصل مع الشركات لتحويل ما توصلت له لمنتجات؟
- يصمت لوهلة قبل أن يقول: قد يكون هذا السؤال ملائما لحالتي، فأنا حصلت علي الأستاذية في سن 35 عاما، والفترة من سن 35 عاما حتي الآن كان لدي العشرات من الأبحاث، ولكن الأصل كما قلت لك سابقا أن الأبحاث وسيلة للترقي، فالباحث ينشر ما توصل له رغما عنه من أجل الترقي.
دعنا نقصر السؤال علي حالتك.. لماذا لم تفعل ذلك؟
- يصمت لفترة طالت بعض الشيء، قبل أن يقول: أصدقائي من الباحثين الأمريكيين يفعلون ذلك، فالبحث عندهم يتحول لمنتج، ويقوم الباحث بتأسيس شركة صغيرة لإنتاجه أو يدخل في شراكة مع إحدي الشركات لإنتاجه، ولكن عندنا لا يسمح لنا القانون بذلك.
أظن أن قانون البحث العلمي الجديد الذي تتم مناقشته في مجلس النواب يعالج هذه المشكلة؟
- ليست لدي تفاصيل، ولكن أتمني أن يكون ذلك صحيحا.
التجربة الماليزية
وهل يمكن اعتبار القانون خطوة نحو استنساخ التجربة الماليزية إذا كان يعالج هذه المشكلة؟
- تظهر ابتسامة ساخرة علي وجهه قبل أن يقول: مازلنا بعيدين جدا، نحن نحتاج 10 سنوات لاستنساخ تلك التجربة، شريطة توفير التمويل وقبله وجود الإرادة السياسية المؤمنة بقيمة البحث العلمي.
ألا تشعر بأن هذه الإرادة صارت موجودة؟
- يصمت لوهلة قبل أن يقول: سأقول إنها موجودة عندما يصير البحث العلمي أهم في الأولويات من القمح.
ولماذا اخترت القمح لهذه المقارنة؟
- يطلق ضحكة مرتفعة بعض الشيء توحي بأن خلفها قصة، حكي تفاصيلها قائلا: أثناء تولي الوزير عمرو عزت سلامة مسئولية وزارة التعليم العالي دعا الباحثين وكنت منهم لإعداد خطة نهوض يتم استلهامها من التجربة الماليزية والكورية، وحددنا 40 مشروعاً يمكن العمل عليها لاستنساخ هذه التجربة وقدرنا حينها تكلفة هذه المشروعات ب50 مليار جنيه، وعندما عرض الأمر علي القيادة السياسية كان ردها: لو أن هذا المبلغ معنا، سنوجهه لشراء القمح.
وما العيب في ذلك يا دكتور، فالقمح مهم جدا؟
- بملامح جادة وكلمات واثقة يقول: لا شك في ذلك، ولكن لن نحقق نهضة إلا عندما يكون البحث العلمي أهم من القمح، لأن البحث العلمي يمكنه حل مشكلة استيراد القمح بتوفير أصناف جديدة ترفع إنتاجيته محليا، وهذا ليس صعبا، ولو وضعته في قائمة الأولويات يمكن تحقيقه، وهذا يعيدنا مرة أخري لقضية الإرادة السياسية التي لو توافرت، لأمكن تجاوز الكثير من الأزمات، مثلما توافرت مؤخرا في مشروع المفاعل النووي بالضبعة، والذي تأخرنا فيه كثيرا.
أخطاء الماضي
ولماذا تري أننا تأخرنا في هذا المشروع؟
- تعود مسحة الحزن لتظهر من جديد علي وجهه وهو يقول: أثناء حكم مبارك تم إعداد دراسات لإنشاء مفاعل الضبعة، وتم الإعلان عن مناقصة عالمية لتنفيذ المشروع، وبينما كانت الأمور تتجه لترسيتها علي الأرجنتين للبدء في العمل، تلقي العاملون علي المشروع اتصالا من رئاسة الجمهورية بإغلاق هذا الملف بدون أي سبب يذكر حينها، وعندما نأتي لتنفيذ المشروع اليوم ستكون التكلفة مضاعفة، بالإضافة إلي أن الاستفادة منه في إنتاج الكهرباء وتحلية المياه لن تتحقق قبل 10 سنوات علي الأقل، وبالتالي إذا كنا قد بدأنا حينها، كنا سنوفر في التكلفة ونقطف ثمار المشروع الآن.
إذن أنت تري أن البدء بالمشروع الآن علاج لأخطاء الماضي؟
-يومئ بالموافقة قبل أن يقول: طبعا، فهذا المشروع صار ضرورة، فمحطات الكهرباء صارت تكلفتها مرتفعة جدا، ولا نعلم مدي تأثر السد العالي كمصدر للكهرباء بحدوث أي نقص في نصيب مصر من المياه بفعل سد النهضة.
وماذا تفسر عدم حماس النظام السابق لهذا المشروع؟
- ترتفع نبرة صوته قليلا وهو يقول : هذا النظام لم يكن يفكر إلا في السطو علي مقدرات هذا الشعب، والإيحاء بأنه يعمل لصالحه، لذلك عندما سقط ظهرت الحقيقة وهي أن البلد به مشكلات في كل القطاعات، وما يحدث الآن محاولة لعلاج أخطاء الماضي.
جائزة مبارك
لاحظ أن أرفع جائزة علمية حصلت عليها محليا تحمل اسم رأس هذا النظام، فهل يصيبك ذلك بالضيق؟
- تظهر علامات التعجب والدهشة علي وجهه قبل أن يقول: ولماذا أشعر بالضيق، هذه جائزة علمية، وليست تعبيرا عن إيماني بهذه الشخصية أو أفكارها، فلو حصلت حتي علي جائزة علمية تحمل اسم هتلر فلن أتضايق، لأنها جائزة علمية، ولا يعني ذلك أنني من مؤيدي النازية.
سعدت كثيرا بالحوار معك، وإن كنت حزينا علي أن شخصية بقيمة ما أنجزته تجلس في هذا المكتب المتواضع..
ولماذا تصفه بالمتواضع؟
الأثاث ليس علي ما يرام ولا يتناسب مع قيمتك؟ يطلق ضحكة عالية قبل أن يقول:
- هذا الأثاث الذي تراه غير مناسب تم توفيره من منحة دنماركية لمشروع تأسيس معمل جهاز شئون البيئة بالكلية، وهو أرقي بكثير من الموجود في غرف غيري من الأساتذة، ثم عن أي أثاث تتحدث، لو تذكر قلت لك سابقا إن ميزانية الباحث في اليوم 35 قرشاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.