يبدو أن الرئيس البرازيلي الأسبق لويس ايناسيو لولا دا سيلفا لا يعرف اليأس طريقا إلي قلبه، فعلي الرغم من إقرار محكمة الاستئناف ادانته بالفساد، إلا أنه ما زال عازما علي العودة إلي السطة. الأربعاء الماضي صدر حُكم هيئة المحكمة بموافقة القضاة الثلاثة، بسجن لولا ورفع مدة العقوبة التي طالبت بها النيابة في المحكمة الابتدائية من 9 سنوات و6 أشهر إلي 12 عاماً وشهر واحد. وتتضاءل بعد هذا الحكم فرصة الرئيس السابق في الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة لأكتوبرالمقبل. لكن لولا البالغ الثانية والسبعين من العمر اكد، خلال مظاهرة ضمت الآلاف من ناشطي اليسار في ساو باولو كبري مدن البلاد أنه سيواصل معركته السياسية بغض النظر عن النتيجة. ومن المفترض أن يمنع هذا القرار لولا من الترشح في الانتخابات الرئاسية، إذ يمنع القانون المدانين جنائيًا من الترشح في حالة أيدت محكمة ثانية قرار إدانته، إلا أن القرار النهائي حول مرشحي الرئاسة يعود إلي لجنة الانتخابات كما ما زال أمام لولا فرصة للطعن في هذا القرار أمام المحاكم العليا. وكان القضاء البرازيلي حكم، في يوليو الماضي، علي لولا الذي كان يحظي بشعبية كبري خلال فترتين رئاسيتين امتدتا من 2001 إلي 2010، بالسجن بعد إدانته بالفساد وغسيل أموال في أكبر فضيحة في البرازيل عرفت باسم »غسيل السيارات». وقبل أيام أصدر القاضي سيرجيو مورو قرارا بإدانة لولا بقبول رشاوي قيمتها 3.7 مليون ريال (1.15 مليون دولار) من شركة أو.ايه.إس الهندسية، وهذا هو المبلغ الذي قال المدعون إن الشركة أنفقته علي تجديد شقة علي البحر لحساب لولا مقابل مساعدتها في الفوز بعقود لشركة بتروليو برازيليرو الحكومية للنفط. وشركة أو.ايه.إس جزء من مجموعة من الشركات الموردة، التي قال المدعون إنها سلبت مليارات الدولارات من شركة النفط من خلال عقود مبالغ فيها ووجهت جزءا من مكاسبها الحرام إلي الساسة والأحزاب السياسية. رغم المشاكل القانونية فلا يزال لولا صاحب الشخصية الساحرة أشهر الساسة في البرازيل وقد احتفظ بقاعدة أنصاره الموالين له. وخلال رئاسته، استخدم لولا الموارد التي تدرها تجارة السلع الأولية المزدهرة إلي برامج اجتماعية ساهمت في انتشال الملايين من الفقر. وتبين استطلاعات في الآونة الأخيرة في أحدث استطلاعات مؤسسة داتافوليا مطلع ديسمبر الماضي، حصول لولا علي 34% من نوايا التصويت متقدما علي النائب اليميني جير بولسونارو الذي حصل علي 17%. يليهما مارينا سيلفا المدافعة عن البيئة التي سبق أن رشحت نفسها للرئاسة مرتين. إلا أنه إذا لم يرشح لولا نفسه فستكون كل الاحتمالات مفتوحة، لأن ما يقرب من 20% من الناخبين لم يستقروا علي مرشح بعد. ورغم الأداء الطيب لمارينا سيلفا في استطلاعات الرأي فإن مراقبين سياسيين آخرين يتشككون أن بوسعها الفوز لأسباب منها أن حملاتها الدعائية تفتقر للخطب الحماسية اللازمة للتواصل مع الناخبين. وكان الأداء الطيب أيضا من نصيب المحامي اليميني المتطرف عضو الكونجرس جير بولسونارو من الحزب المسيحي الاجتماعي الذي يتم تشبيهه كثيرا بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ تبين الاستطلاعات أنه سيحصل علي 15% من الأصوات في الجولة الأولي بعد لولا مباشرة. لكن مراقبين سياسيين يحذرون من أن شعبيته ستضعف علي الأرجح مع سعي خصومه لإبراز تاريخه المليء بمناهضة المثليين وأقواله المؤيدة للحكم الدكتاتوري، وسيمثل أمام المحكمة العليا بتهمة التحريض علي العنف بعد أن قال لإحدي النائبات في مجلس النواب إنه لا يرضي »باغتصابها لأنها لا تستحق ذلك». ووفقا لصحيفة »الناثيونال» الأرجنتينية فإن في حال فوز بولسونارو سيؤدي إلي تحول سياسي جذري في البرازيل في عام 2018، فالشعب البرازيلي عاش أسوأ كساد اقتصادي سجلته البلاد، وشاهد عزل الرئيسة ديلما روسيف، وفضائح فساد غير مسبوقة طالت رموزا اقتصادية وسياسية في البلاد. وكان عام 2017، عاما ممتازا بالنسبة لبولسونارو، وذلك لفوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الولاياتالمتحدةالأمريكية، مما أعطاه أملا كبيرا في الترشح للانتخابات، حيث أنه يشبه كثيرا في القرارات السياسية المثيرة للجدل. تعطش الشعب للمهارات الاستعراضية وللمرشحين المناهضين لحكم المؤسسات السياسية قد يعطي دفعة لمنافسين اثنين من خارج الحلبة، الأول سيرو جوميز الذي سبق أن شغل مناصب حاكم ووزير اتحادي وعضو في الكونجرس وأصبح الآن عضوا في حزب العمال الديمقراطي والثاني هو المليونير خواو دوريا قطب صناعة الإعلام والنجم السابق لتليفزيون الواقع في البرازيل. بعد استياء البرازيليين من سياسة الرئيس الحالي ميشيل تامر، فإن السؤال الذي يلوح في الأفق هو: هل تحمل انتخابات 2018 مرشحاً يحافظ علي المسعي الإصلاحي أم تتمخض عن مرشح شعبوي؟