الإعلان عن قبول دفعة من الذكور والإناث للالتحاق بطب القوات المسلحة    مستشار رئيس الجمهورية: الدولة تولي اهتماما كبيرا بتطوير قطاع التعليم    وزير العمل يعلن عودة الإنتاج بكامل طاقته في «نايل لينين».. تفاصيل    مدبولي يتابع مستجدات جهود فض التشابكات المالية بين جهات الدولة وبنك الاستثمار    ضبط طن لبن غير صالح للاستهلاك الآدمي خلال حملة رقابية بأسيوط    إيال زامير: نتنياهو لا يطلع الجيش الإسرائيلي على المرحلة التالية من الحرب بغزة    رئيس طاجيكستان: العدوان الاسرائيلي على قطر انتهاك صارخ للقانون الدولي    ترامب: الاجتماع التجاري مع الصين سار بشكل جيد وسأتحدث مع شي جين بينج الجمعة المقبل    وزارة الرياضة تستقبل منتخب شابات كرة اليد بعد التتويج ببطولة إفريقيا    رابطة الأندية تخاطب اتحاد الكرة لاستقدام طاقم تحكيم أجنبي لمباراة القمة    الداخلية تكشف ملابسات التعدي على طفل بالإسماعيلية    ضبط أدوية بيطرية محظورة ومخالفات بالمخابز والأسواق بكفر الشيخ    تسببت في توترات مع الولايات المتحدة.. الصين تعلن انتهاك شركة إنفيديا قوانين مكافحة الاحتكار    نجوم رفعوا عبارات داعمة للقضية.. منصة حفل جوائز إيمي تتحول لمنبر تضامن مع فلسطين (صور)    باريم وإينبيندر وستالتر.. نجوم هوليوود حولوا حفل «إيمي» لحملة تأييد ل غزة    بينها عادل إمام وعبلة كامل.. صور «اللقاء المستحيل» بال Ai تجمع نجوم الفن    بسنت النبراوي: أرفض الإغراء .. وصديقتي عايرتني لأني مش بخلف    «باطلة من أساسها».. خالد الجندي يرد على شبهة «فترة ال 183 سنة المفقودة» في نقل الحديث (فيديو)    5 عادات يومية تخفض خطر الإصابة بالإمساك إلى 50%    أحدث أفلام أمير كرارة يقترب من 105 مليون جنيه إيرادات (تفاصيل)    نقيب المهندسين يضع حجر الأساس لأعمال تطوير وتوسعات نادي مهندسي المنيا    النيابة تعاين موقع حريق مستشفى أسوان الجامعي    اختل توازنه.. مصرع سباك سقط من علو في العمرانية    وزير الري يفتتح فعاليات اليوم الثانى من "معرض صحارى"    مصدر أمني ينفي ادعاء شخص بتسبب مركز شرطة في وفاة شقيقه    حكم قضاء الصلوات الفائتة .. «الأزهر العالمي للفتوى الالكترونية» يجيب    7 اتحادات تستضيف 14 بطولة عربية من 2026 حتى 2029    نجاح جراحة قلب مفتوح معقدة بمستشفيات قنا الجامعية لإنقاذ حياة مريضة    تقديم الخدمات الطبية ل1266 مواطناً ضمن القافلة المجانية بقرية طاهر في كفر الشيخ    بتكلفة 15 مليون جنيه.. افتتاح توسعات طبية بمستشفى فيديمين المركزي في الفيوم    أرباح شركة دومتي تتراجع بنسبة 94% خلال النصف الأول من عام 2025    الاحتلال يكثف إجراءاته بالضفة.. مئات الحواجز والبوابات الحديدية    الدكتور هشام عبد العزيز: الرجولة مسؤولية وشهامة ونفع عام وليست مجرد ذكورة    وزير الخارجية البولندي يوضح حقيقة الطائرات المسيّرة التي اخترقت أجواء بلاده    الشيبي: مباراة الأهلي صعبة.. وتعبنا كثيرًا للوصول لهذا المستوى    حاكم يوتا الأمريكية يكشف أسرارًا عن المتهم بقتل تشارلي كيرك.. ما هي؟    تعليق مفاجئ من آمال ماهر على غناء حسن شاكوش لأغنيتها في ايه بينك وبينها    الحكومة تستعد لطرح فرصًا استثمارية في قطاع إنشاء وتشغيل المستشفيات    رابط نتائج الثالث متوسط 2025 الدور الثاني في العراق    قرار وزاري بإصدار ضوابط وآليات إعتماد «الإستقالات» طبقًا لقانون العمل الجديد    الفريق أسامة ربيع ينعى 4 مرشدين رحلوا خلال عام 2025    ضبط ومصادرة 90 من المخالفات فى حملة لشرطة المرافق وحى غرب سوهاج    البنك الأهلي المصري يتعاون مع «أجروفود» لتمويل و تدريب المزارعين    رضوى هاشم: اليوم المصرى للموسيقى يحتفى بإرث سيد درويش ب100 فعالية مختلفة    صوفيا فيرجارا تغيب عن تقديم حفل جوائز إيمي 2025.. ما السبب؟    "الأوقاف" تعلن عن أسماء المقبولين للدراسة بمراكز إعداد محفظي القرآن الكريم    «التضامن»: صرف «تكافل وكرامة» عن شهر سبتمبر بقيمة تزيد على 4 مليارات جنيه اليوم    أول هدف وفوز وهزيمة.. 4 أمور حدثت لأول مرة فى الجولة السادسة بالدورى    نبيل الكوكي يعالج الأخطاء الدفاعية فى المصري بعد ثلاثية الزمالك    منافسة شرسة بين مان سيتي ويونايتد على ضم نجم الإنتر    ترامب يهدد بفرض حالة طوارئ وطنية فى واشنطن    زلزال بقوة 5.3 درجة يضرب سواحل كامتشاتكا الروسية    عندما يؤثر الخريف على حالتك النفسية.. كيف تواجه اكتئاب تغير الفصول؟‬    صاحب الفضيلة الشيخ سعد الفقى يكتب عن : هذا ما تعلمناه؟؟    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : شكرا سيدى إبراهيم البحراوى    «بيفكر في بيزيرا».. رضا عبدالعال يهاجم زيزو    أسعار الكتب المدرسية الجديدة 2025-2026 ل المدارس الخاصة والدولية والتجريبية    بالأسماء.. إصابة 4 من أسرة واحدة في البحيرة بعد تناول وجبة مسمومة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ناصر.. يوجعنا غيابك
نشر في الأخبار يوم 10 - 01 - 2018

نحن نعتقد في وجوده بيننا، نراه في النجم الذي يهدينا في ظلامنا، نراه في شجر الصفصاف الباسق الذي يظلنا من حر صحرائنا
أغريب أن يستمر شعور الأبناء بفقدان الأب حتي لو مر علي غيابه نصف قرن؟. أغريب أن يحب إنسان إنسانا لم يره، لم يعرفه ولو عن بعد؟. أغريب أن يحمل مواطن لزعيم حبا واحتراما مجردا بدون أي مصلحة شخصية؟. أغريب أن تكون قناعاتي بجمال عبد الناصر أقوي القناعات؟.
ليس غريبا عليّ وعلي ملايين المواطنين من أبناء الشعب المصري، الذين كان يناديهم ناصر : أيها الأخوة المواطنون. ليس غريبا أن نبحث عنه في حاضرنا بعد أن حاصرنا الضباب وتكاثر علينا الذئاب. نحن نعتقد في وجوده بيننا، نراه في النجم الذي يهدينا في ظلامنا، نراه في شجر الصفصاف الباسق الذي يظلنا من حر صحرائنا، نجده مظلتنا التي تحمينا من مطر ماؤه ليس طاهرا، هل أنت كل هؤلاء يا ناصر، أم أنك المؤذن الذي يعلو صوته باثا الآمال ومبشرا بفجر جديد. ربما أنت الجملة العربية الفصيحة التي تزينت وعاد لها بريقها في زمنك، وهل لغتنا فحسب التي عاد لها بريقها، أم عيناك التي تبرق بريقا أبديا كالزمان، المؤكد أنك نسر العروبة الطائر الذي يفرد جناحيه بين المحيط والخليج. كنت الأجمل فينا. جسدت حلم القرون. حررتنا. أيقظت في أعماقنا الإنسان. حميتنا من الركوع والهوان. كنت جبلا صخوره من الحجر الصوان.
نحن نخاطبك. نحن الشعب. نحن أبناء عم جابر عامل التراحيل الذي ألقي علي شباك قطار الصعيد المفتوح صرة وقعت في حجرك ووجدت فيها بتاوة وبصلة وزعقت للرجل الشاخص علي الرصيف أن الأمانة وصلت، والرسالة وصلت، وارتفع أجر التراحيل واندرجوا في منظومة العلاج والتأمين الاجتماعي.
نحن أبناء الفلاحين عبيد الأرض. تحكم فينا السادة وسيطروا علي الحكم. أجبرونا علي السير كالقطعان وراءهم. لقمة العيش كانت قيد العبودية. تربعوا علي عرش السلطة. نعرف أن ثرواتهم جاءت بالاستغلال السياسي. ولم نعرف كيف نتحرر. لكن بعد 48 يوما من ثورتك الخالدة كان الإصلاح الزراعي. وزعت الأرض علي المعدمين. طبقت مبدأ الثورة : » القضاء علي سيطرة رأس المال علي الحكم »‬. سمعناك تقول : كانت الأرض التي يملكها الإقطاعي العامل الأول في استعباد الفلاح والتحكم فيه وفي الحكم باستغلال أصوات الفلاحين في الانتخابات بينما كان الفلاحون يعيشون في سخرة. شعرنا بالكرامة عندما قلت : لم نكن نريد بالإصلاح الزراعي أموالا للخزانة كما عرض الإقطاعيون، كان هدفنا تحرير الإنسان، ولن يكون الفلاح حرا إلا إذا تملك أرضه، فلا يكون مثل البهائم التي يملكها الإقطاعي.
أعاد محمد علي توزيع الأراضي لأغراض سياسية، لكن ناصر أعاد توزيع الأراضي لتحرير الإنسان وصون كرامته.
المقاومة
»‬ ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة »‬.. ما اغتصبه الاستعمار والمحتل لا يتم استرداده بالمفاوضات. حقيقة تاريخية. أدرك ناصر أن الصراع الجاري علي أرض فلسطين كان ولايزال صراع وجود، لا صراع حدود علي مساحات من الأراضي. صراع بقاء بين الأمة العربية من جانب وبين قوي الاستعمار من جانب آخر. أدرك أن المقاومة بمعناها الشامل وبقوميتها الواسعة هي السبيل لمواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني. يقول : حتي لو تركنا كل فلسطين فإن مشروع الاستعمار العدواني سيستمر لأنه يستهدف الأمة كلها فالصهيونية مقدمة الاستعمار العالمي والقضية ليست قضية أبناء فلسطين فحسب وإنما قضية كل العرب.
إن فكرة الناصرية أن تنطلق تلك الروح المتحررة الرافضة لمكاسب الخضوع والتبعية لتدفع راضية ثمن استقلال إرادتها وقرارها. رفض الاحتلال وإعلاء شعور وفعل المقاومة والإصرار علي عروبة فلسطين كان مبدأ ناصر.
كانت الأمة تقاتل عدوا شاخصا، كانت تقاوم، كانت تؤمن بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، لم تستسلم الأمة، فالاستسلام بدون إطلاق رصاصة واحدة هو الهزيمة الحقيقية، هزيمة الإرادة. وكان ناصر يقول : اللهم اعطنا القوة لندرك أن الخائفين لا يصنعون الحرية، والضعفاء لا يخلقون الكرامة، والمترددين لن تقوي أيديهم المرتعشة علي البناء.
الوحدة العربية
»‬ لو لم تكن وحدتنا العربية وحدة جنس ولا وطن ولا هدف، لكانت علي الأقل وحدة آلام، فالألم يربط قلوبنا من المحيط إلي الخليج »‬. كلمات ناصر عن الوحدة التي حلم بها ووضعها هدفا طوال مسيرته النضالية. وتآمر الاستعمار وتحالف مع الخونة من الأنظمة العربية الحاكمة وسعوا دائما لإفشال الوحدة بين البلاد العربية كما سعوا قبل ذلك وبعده لإسقاط جمال عبد الناصر وكان أملهم معقودا علي تحطيم أسطورته العروبية القومية وهو ما سيعيد كل دولة عربية إلي تصورها الخاص بذاتها وبالتالي يتم التعامل مع أنظمة معتدلة حسب نظرتهم للأمور لقد احتارت المخابرات الأمريكية في التخلص من ناصر وقال أحد ضباط المخابرات الأمريكية : مشكلتنا مع ناصر أنه نزيه إلي درجة تحيرنا، فلا نساء ولا فساد وكل متعته في سيجارة يدخنها وبالتالي فلا فضائح له.
ولنا أن نتساءل عن ناصر العروبة، لماذا يرفع الثائرون صورته بعد رحيله بنصف قرن في ثوراتهم وانتفاضاتهم. دائما هو علي رأس الثورة في كل أقطار العروبة. دائما في مقدمة الجماهير الساعية لنيل حقوقها. يشتري صورته الفقراء ويضعونها علي رؤوسهم. رجل رحل عن عالمنا، فلماذا يبجلونه كل هذا التبجيل، لأنهم يبحثون فيه عن الكرامة التي فقدوها، يبحثون فيه عن النصير الذي رفع رأسهم بالعزة.
العدل الاجتماعي
قال الزعيم الهندي الكبير جواهر لال نهرو عن ناصر : لقد حول مجري التاريخ. وهو بالفعل كذلك. جاء ناصر تجسيدا لمشروع ثوري سياسي اجتماعي اقتصادي ثقافي قومي. خرج منا. من سمار الفلاحين، من عرق العمال. من بين سنابل قمحنا. من بين أغصان شجرنا. جاء أملا بعد رجاء. جاء استجابة من الله بعد دعاء. دعاء المظلومين والحالمين بالعدل والحرية والكرامة. خرج سيفا علي الظالمين، وربت حنوا علي المظلومين. كان قويا في ذاته. يدرك ويؤمن بقوته. يقول : إن إرادة التغيير لدي أصحاب المثل العليا أقوي من الأمر الواقع مهما بدا راسخا كالجبال. إن إرادة التغيير هي إرادة الشعب. أراد مجتمعا تذوب فيه الفوارق بين الطبقات عن طريق تكافؤ الفرص بين المواطنين. مجتمعا يستطيع الفرد الحر فيه أن يحدد لنفسه مكانه علي أساس كفايته وقدرته وخلقه، لا علي أساس حسبه ونسبه.
تدينه
يحاولون تجريد ناصر من إيمانه. قالوا عنه ملحد. قالوا علماني. قالوا ما قالوه. ناصر الذي كان يحتفل بكل المناسبات الدينية وفي المولد النبوي كان يخطب خطبا رائعة بلغة فصيحة ندر فيها الخطأ. ناصر الذي أوجد مسابقة تحفيظ القرآن الكريم وكان يوزع جوائزها بنفسه. ناصر الذي أنشأ إذاعة القرآن الكريم. في عهده تم تسجيل القرآن صوتيا ومرتلا ومترجما بكل اللغات. ناصر الذي أنشأ جامعة الأزهر ومدينة البعوث الإسلامية. الذي بني في عهده 10 آلاف مسجد ليصبح في مصر 21 ألف مسجد. ناصر الذي حرم الدعارة والقمار وأغلق المحافل الماسونية والبهائية ونوادي الروتاري وأنشأ المجلس الأعلي للشئون الإسلامية.
الديكتاتور
»‬ إقامة حياة ديمقراطية سليمة »‬ من أهم مبادئ ثورة يوليو وعند التصويت في مجلس قيادة الثورة علي هذا المبدأ أيد 10 أعضاء من مجموع 11 عضوا هم كل أعضاء المجلس اتباع الديكتاتورية أسلوبا للحكم حتي تسيطر الثورة علي مقاليد الأمور. لكن عضوا واحدا رفض قرار المجلس واعترض علي اتباع الديكتاتورية أسلوبا للحكم، ولما طلبوا منه الانصياع للأغلبية هدد بالاستقالة إذا لم يستجب لرأيه باتباع الديمقراطية، هذا العضو هو جمال عبد الناصر.
المسألة تجريد ناصر من أي إيجابيات. بعدما رحل الزعيم جاءت الرجعية لتسير علي خطاه بأستيكة لكي تمحو مآثره ومنها بالطبع مسألة الديمقراطية وعلينا فحسب أن نراجع ما فعله كل الذين جاءوا بعد ناصر لندرك كم الديمقراطية أو الديكتاتورية التي اتبعها كل منهم. ألقوا عليه بعبء الهزيمة في 67 وهو بالفعل يتحمل نتائجها ولكن أغفلوا المؤامرات المحيطة بمصر دائما وهو ما نعاني منه حتي الآن. غفروا لمحمد علي كبواته وهفواته ولم يغفروا لناصر الذي مات كبتا لكبوته.
كان ناصر مدركا للديمقراطية وتعدد الآراء وحذر من الاعتماد علي الفرد وقال : إن الشعب يجب أن يبقي دائما سيد كل فرد وقائد كل فرد. إن الشعب أبقي وأخلد من كل قائد مهما بلغ إسهامه في نضال أمته.
لست نبيا، ولم تدع. لكن ظلك أخضر كما قال محمود درويش، نعيش معك، نسير معك، نجوع معك، وحين تموت نحاول ألا نموت معك، ففوق ضريحك ينبت قمح جديد، وينزل ماء جديد، وأنت ترانا نسير.. نسير.. نسير.
وقال نزار قباني : نزلت علينا كتابا جميلا.. ولكننا لا نجيد القراءة.. وسافرت فينا لأرض البراءة.. ولكننا ما قبلنا الرحيلا.. تركناك في شمس سيناء وحدك.. تكلم ربك في الطور وحدك.. وتعري.. وتشقي.. وتعطش وحدك.. ونحن هنا نجلس القرفصاء.. نبيع الشعارات للأغبياء.. ونحشو الجماهير تبنا وقشا.. ونتركهم يعلكون الهواء.
سلام عليك يا جمال.. خالد بيننا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.