مصدر خير كثير، وسبيل فضل كبير، يسعد العلم بضميره اليقظ، ويشرف باخلاصه الذي يصون الحقوق، ويحفظ الواجبات، ويمنح العلم الهادي، ويساند الخلق الكريم، ويبذل كل جهده بصدق وطهر، ويحرص علي أداء عمله باتقان، وينبذ الاهمال والتفريط والاستغلال، فهو مسئول عن تلاميذه، يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: »كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته»، وتلك المسئولية تقضي أن ينأي عن كل ما يساعد علي الاستهانة بحق طلابه، وجميع ما يؤدي إلي التقصير فيما كلف به، وبعض المعلمين ينسون ما تحتمه الأمانة أو يتجاهلون ما يفرضه نداؤها الكريم، وصوتها الشريف، ويصرون بمواقفهم وأفعالهم وتصرفاتهم علي إفهام تلاميذهم أن الشرح الكامل الذي يجلب التفوق، والدرس الوافي الذي ينشد السبق، والارشاد المطلوب الذي يحقق الأمل، لن يكون إلا في الدرس الخصوصي أو المجموعة الخاصة أو المركز البديل، الجامع المترع بالبنين والبنات، المغني عن المدرسة الحكومية، الكفيل بتحصيل المبالغ الضخمة، وتحقيق المكاسب الهائلة. وهؤلاء لا يحترمون أمانة التعليم التي ترجو أن يكون المعلم صاحب تقوي، وسند طهر، ورسول بحث علمي مفيد، وحرص علي تحقيق وتمحيص سليم، ومرشد قدوة صالحة طيبة، وسلوك ترفع عفيف، يلتزم بالنقاء، ويعتصم بالقول السديد. يقول المولي عز وجل: »يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما». ولا ريب في أن نجاح التعليم يعود إلي التمسك المكين بأمانة التعليم، فهي فضيلة جليلة، يمجدها الاسلام، ويرعي ثوابها، ويضمن جزاءها. يقول سبحانه: »فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره». ويقول: »إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا». والحق أن الفرق كبير بين المعلمين السابقين ذوي الأمانة والبر والفضل الذين وجد عندهم طلابهم أفئدة نبيلة حميدة، ومشاعر مرهفة كريمة، وأيادي سخية عفيفة، تتدفق بالرفق والحب والبر، وبين بعض المعلمين الذين ظهروا في السنوات الأخيرة، مهتمين بالدروس الخصوصية، معظمين مراكزها القاسية الحاشدة التي جعلوها بديلة للمدارس المعروفة النبيلة التي تخدم الجميع، ولا تعرف تجارة المراكز الجشعة النشطة، التي تؤثر التكسب الهائل، وجمع الأموال علي حساب المدارس التي تفتح الأبواب لكل المصريين، وتحترم النظام الحكومي وظله الشامل المتكافل، إن الاساءة إلي دور العلم التي بنيت من أجل الشعب المناضل أمر خطير، بعيد عن رسالة الخير والفضيلة، هدفه جني الأرباح، وعرقلة النظام المعروف، واضعاف سعيه إلي تأدية واجبات أبناء وبنات الوطن، وزيادة معاناة الناس بالتكاليف الباهظة، والمصروفات العديدة. إن ما يصنعونه يضر أمر المقار التعليمية المعروفة، وهي التي تستطيع فعل الكثير في التربية والتعليم، إذا تم دعمها وصونها، وابعاد المنحرفين عن نظامها المستقر العادل. وكل من يحفظ العهد والأمانة، وينصر الحق والعدل، ويؤازر العون والخير، جدير بالفوز المبين، ورضوان رب العالمين. فقد جاوز مدرسو الدروس الخصوصية المدي، وكثرت شكوي الناس من جشعهم، وقسوة مراكز الدروس الخصوصية التي جعلوها بديلا عن المدارس الرسمية، ولقد بكي بعض أولياء الأمور أمامي من استغلال المدرسين وقسوة ما يصنعونه وروي لي ما يحدث مع أولاده، ومطالبهم الصعبة التي لا يستطيع القيام بها، وحسبه أعباء المعيشة والكسوة والمصاريف الأخري وهي باهظة، وتساءل هذا الأب عن تجاهل الوزير وغيره لما يجري في المراكز وقال: لماذا لا تغلق هذه المراكز التي أصبحت تسيطر الآن علي التعليم؟! ولماذا لا تصنع مصر ما تصنعه كثير من البلاد العربية من منع مثل هذه المراكز أو الجهات؟ ولماذا لا يقوم المحافظون باغلاق هذه المراكز؟ وماذا يصنع التلاميذ الفقراء؟ إن هذه قضية مهمة يجب العناية بعرضها، مطالبا بموقف من هؤلاء الجشعين، وداعيا إلي الاخلاص والعون والتكافل، إن الحفاظ علي المدارس ونظامها أمر مهم، والسكوت علي غياب الطلاب عن مدارسهم أمر خطير. أستاذ الدراسات العليا بآداب الفيوم