بدلا من الاستماع لصوت العقل، ومراجعة الموقف بعد القرار الأحمق بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وما أثاره من ردود فعل جعلت أمريكا تقف وحدها في مواجهة العالم.. بدلا من ذلك، يخطو الرئيس »ترامب» خطوة أخري علي الطريق الخطأ، ويحاول ابتزاز السلطة الفلسطينية، ويهدد بإيقاف المساعدات التي تقدمها أمريكا للسلطة بحجة أنها ترفض التفاوض علي اتفاق سلام مع إسرائيل. وتأتي تهديدات الرئيس الأمريكي مترافقة مع تهديدات أخري من مندوبته في الأممالمتحدة »نيكي هيلي» تقول فيها إن »ترامب» سيوقف الدعم الذي تقدمه أمريكا لمنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين »أونروا» إذا لم يعد الفلسطينيون إلي طاولة المفاوضات!! كما تأتي هذه التهديدات غداة قرار »الكنيست» الإسرائيلي بإخراج القدس من أي تفاوض مستقبلي، وقرار الحزب الحاكم في إسرائيل »الليكود» بضم أراضي المستوطنات المقامة في الضفة الغربية إلي الدولة العبرية.. وكأنها إعلان أمريكي بتأييد هذه القرارات الإسرائيلية التي تتكامل مع قرار »ترامب» حول القدس، لنسف كل ما تبقي من فرص السلام!! وبغض النظر عن أن كل المساعدات المالية الخارجية »بما فيها المساعدات الأمريكية» لا تتجاوز قيمتها 15٪ من ميزانية السلطة الفلسطينية التي يمولها المواطنون الفلسطينيون رغم كل الظروف الصعبة التي يفرضها عليهم الاحتلال.. فإن التهديدات الأمريكية وبهذه الصورة الفجة لاتعني الا شيئا واحداً، وهو أن قرار »ترامب» حول القدس ليس إلا بداية لمحاولة تركيع الفلسطينيين وفرض »الحل الإسرائيلي» عليهم دون قيد أو شرط.. بما يعنيه من اهدار لكل حقوق الشعب الفلسطيني في الأرض والدولة، والمقدسات الاسلامية والمسيحية، والقدس التي كانت وستظل عربية!! علي مدي ربع قرن كان الفلسطينيون يتفاوضون تحت الرعاية الأمريكية، بينما الأرض تضيع، والاستيطان يتوسع، والقدس رهن التهويد، الآن ينهي »ترامب» بقراراته الحمقاء هذه الفترة، وينهي أيضا دور بلاده في رعاية عملية السلام الوهمية. لقد أصبح هو ونتنياهو وحدهما في مواجهة عالم بأكمله يؤمن أنه لاسلام ولا استقرار في المنطقة بدون حل عادل يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ويطبق القرارات الدولية بشأن قضيته العادلة. ويبقي تذكير الرئيس الأمريكي بأن الملايين الضئيلة التي تدفعها بلاده للسلطة الفلسطينية أو لمنظمة »الاونروا» لرعاية اللاجئين. ليست احسانا،وانما هي مساهمة في تأمين مصالح أمريكا وأمن أسرائيل، وهي محاولة لتهدئة غضب الملايين من الظلم التاريخي الذي تحمله شعب فلسطين، والذي كانت أمريكا عاملا أساسيا في حدوثه، بدعمها الكامل والشامل للعدوان الإسرائيلي المستمر علي فلسطين وشعبها. يبدو أن »ترامب» لا يدرك حجم الكارثة التي تتسبب فيها سياساته الحمقاء نحو القضية الفلسطينية. مازال يتحدث عن »الصفقة» ومازال لايفهم أن القدس ليست للبيع، وأن فلسطين ليست ضيعة من ممتلكاته!!