ابتسامات وضحكات علي وجوه رسم عليها الزمن آثاره.. ودموع في عيون لاتعرف سوي الحزن والشجن.. بمجرد أن تراهم تشعر أنك تلتقي ابوك أو أمك.. وانك وسط قلوب محبة وعطوفة.. تهتم بكل كلمة تخرج من فمك.. فهم يتشوقون لمن يستمع إليهم ومن يحدثهم.. البداية طلب من الكاتب الصحفي خالد ميري رئيس تحرير »الأخبار» بالاحتفال بالمسنين بطريقتنا الخاصة.. زيارتهم وبحث احتياجاتهم وتقديم كل ما نستطيع لمساعدتهم.. علي الفور صدر قرار من جمعية مصطفي وعلي أمين برئاسة صفية مصطفي امين بالاحتفال بآبائنا وأمهاتنا الذين يعانون في صمت ويعيشون في انتظار كلمة حلوة او ابتسامة او زيارة من ابن وابنة قد تكون الحياة بقسوتها وجبروتها جرفتهم بعيدا واصبحوا ممزقين بين أب أو ام مريضة وتحتاج رعاية خاصة وتفرغ وبين أطفال وبيوت بأمس الحاجة اليهم. صحة المسنين اخترنا دارالجمعية المصرية لصحة المسنين المركزية بالخانكة لنقدم لهم هديتنا البسيطة التي لا توازي عطاءهم، 150 ألف جنيه ل23 نزيلا بالدار في حاجة إلي كل يد تمتد اليهم بالعطاء.. تم توزيعها حسب احياجات كل نزيل من أدوية وعلاج وجلسات علاج طبيعي والقدرة علي الإنفاق.. ورغم بعد المسافة الا ان رؤيتنا لهم ملأت قلوبنا بالسعادة احتفلوا بنا واحتفلنا بهم.. وسط حكاياتهم التي تلخص كل معاني الحياة بحكمتها وعبرتها. معظم نزلاء الدار جليسو الكراسي المتحركة أو يسيرون بمساعدة المشايات من يراهم يعتقد أننا خارج العالم خاصة أن مكان الدار بعيد والطريق اليها في منتهي الصعوبة.. البداية كانت مع أيمن وهو ضحية لمرض نادر.. أصيب بفيروس في الأعصاب سبب له مرض » تصلب الشرايين » وهو مرض لا علاج له في مصر.. ولهذا لايستطيع الحركة وأيمن كان عامل رخام » كسيب » يصرف علي بيت مكون من زوجته وابنه وابنته وثلاث أخوات.. بمجرد أن أصابه المرض طلبت زوجته الطلاق وأخذت أبناءها ورحلت.. وتكفل به أخوه الأصغر وتحمل مصاريف علاجه حوالي 3 آلاف جنيه شهريا بالإضافة لمصاريف الدار رغم ضيق ذات اليد. أما »زينب» فهي سيدة جميلة اعتادت العمل طول عمرها تنظر اليها وتتأكد من جمالها الذي اختفت ملامحه مع الزمن الذي مضي بها دون ان تشعر لتفاجأ بنفسها مصابة بجلطة في الجزء الأيسر من جسدها.. زوجها وحب عمرها الذي تزوجته منذ 20 عاما لبي نداء ربه ليرحل عنها ويتركها وحيدة بلا عمل فقد أحيلت للمعاش من عملها في احد أحياء محافظة القاهرة مع معاش 1200 جنيه لاتكفي متطلبات العلاج وثمن الاقامة وجلسات العلاج الطبيعي. »عم راضي» موظف قديم قضي عمره في مصلحة حكومية لم يكن لديه سوي عمله وبيته وبمجرد أن أحيل للمعاش لم يجد أمامه سوي الاقامة في الدار رغم أنه أب لثلاثة أبناء لكن »حمله » أصبح ثقيلا يحتاج مصاريف علاج ومعيشة بالاضافة إلي التمريض الذي لايستطيع أحد القيام به سوي متخصص لذلك فكرت ابنته أن يقيم بالدار ليجد من يستطيع رعايته علي أن تتحمل هي كل مصاريفه ولا تنقطع عن زيارته ونحجت الفكرة فهو يلقي كل عناية واهتمام ولكنه مازال حزينا علي بيته وحياته التي تركها خلف اسوار الدار. طعم السعادة »مسعد» لايعرف من السعادة سوي اسمه فقط ذلك الاسم الذي ورثه لابنه الذي لم يعرف طعما للسعادة هو الآخر.. فالأب البائس كان يعمل موظفا في إحدي الإدارات الحكومية ويعيش حياته راضيا، مع زوجته الحبيبة وابنه الوحيد ولكن الحياة يوم مر ويوم حلو ماتت الزوجة.. واحيل للمعاش وأصابته أمراض الدنيا، والإبن لاحيلة له.. فهو يعمل أرزقي.. يوم يجد عملا وعشرة أيام في البيت.. وفي أيام العمل لايجد من يرعي والده.. فاضطر أن يذهب به إلي دار الرعاية وهناك تم قبوله ليبدأ مرحلة العلاج ويتفرغ الابن للبحث عن عمل. »محمود» لايعرف معني الشبع أو الجوع يطلب الأكل دائما رغم أن الطعام أمامه هو مرض صعب ولايستطيع أحد تحمله لكن في دار الرعاية يعرفون ابعاد المرض ويتعاملون معه بهدوء وحب ومحمود عاش ايام عز تدل عليها ملابسه وطريقه حديثه التي يراعي فيها كل كلمة يقولها رغم أنه لايعي ما يقوله في اوقات كثيرة لكنك حينما تراه أو تتحدث معه تعود بك الذكريات إلي الزمن الجميل زمن »البهوات» والهوانم وهو بالفعل من اسرة كريمة لكنه الزمن الذي جعل ابناءه يسافرون للبحث عن دنياهم ويتركونه وحيدا يرسلون له كل ما يحتاجه لكنهم ينسون أنه يحتاج إلي الحب والحنان ورعاية الابن والابنة حتي لو بزيارة بين حين وآخر.. نعم حالته صعبة ويحتاج إلي تمريض وعناية لكن الوحدة بالنسبة لمحمود أصعب من أي مرض. كل حكايات النزلاء متشابهة شباب وقوة وأسرة وعمل وجهاد ثم شيخوخة ومرض ووحدة وأسرة كل أفرادها مشغولون بأحوالهم لاوقت لرعاية أب أو أم قد يكون نوعا من القسوة أو لأسباب خارجة عن إرادتهم فالحياة قاسية والدنيا تأخذنا بعيدا عن الاهل والاحباب فهكذا هي الحياة يوم معانا ويوم علينا. حكاية رئيس وإذا كان لكل نزيل في الدارحكاية فرئيس مجلس إدارة الجمعية التي تديرالدار له حكاية خاصة جدا.. هو الدكتور محمد طلعت عز الدين واحد من أبطال حرب أكتوبر الذين صمدوا أثناء حصار السويس من 22 اكتوبرعام 1973 وحتي 19 يناير 1974.. كان يعمل طبيبا بمستشفي السويس العام وفوجئ بغارات العدو علي المدينة الباسلة التي حوصرت بالكامل ومن ضمنها المستشفي وقطع العدو المياه والغذاء. يقول د. طلعت: قمت بتخفيف محلول الجلوكوز وشربنا منه تلك الليلة وبحثنا عن بئر سيدي الغريب القريب من المستشفي وتم تشغيلها رغم أنها كانت مهجورة منذ سنوات كما استطعنا أن نصد الهجوم علي المستشفي ووجدنا 28 جثة لجنود الاحتلال.. وبدأنا مبادلة الجثث مقابل السماح بإدخال الطعام والشراب وذهاب الجرحي للقاهرة وإحضار الأكسجين والدم لمن يصاب في المعارك وتعمد اليهود إفساد الدم وتركه في الشمس حتي لا يصل إلينا سليما كما كانوا يقومون بتفريغ اسطوانات الأكسجين واستمر الوضع لمدة 103 أيام حتي اتفاقية فض الاشتباك. وخرجنا من السويس يوم 29 يناير وقامت نقابة الأطباء بتكريمنا ومنحنا الميدالية البرونزية فقمنا بعمل جمعية صمود السويس منذ ذلك الوقت لنساعد الاهالي ومازالت مستمرة حتي الآن والدولة والمحافظ يقدمان لها جميع التسهيلات. ويقول صبري إبراهيم » مدير عام الجمعية إن دار رعاية المسنين تعاني من نقص العمالة من نوع خاص نظرا لظروف المسنين والمعاقين وأشار إلي أن عدد نزلاء دار الرعاية 23 نزيلا. وأشار إلي أن الوزارة تقدم إعانة سنوية للدارلكننا نحتاج إلي المساعدة نظرا لأن معظم النزلاء يحتاجون للدعم والاشتراك الشهري بسيط جدا نظرا لظروف النزلاء والبعض معفي أساسا لعدم القدرة المادية.