كعهدنا به محباً للعمل في صمت مبدعاً ومجدداً تأتينا الذكري الخامسة لرحيله (8 يونيو 2006) لنكتشف كم كنا بحاجة لمفكر في حجمه يقرأ الأحداث بعيون مبصرة وقلب نابض بحب الوطن ويضبط بوصلته باتجاه الأبدية دون ان يحتقر العالم أو يتعالي عليه. لن أعيد الكلام عن كتاباته ومآثره، ودوره التجديدي في الحياة المسيحية المعاصرة، ودوره مفكراً وفيلسوفاً ولاهوتياً تجاوز اخفاقات الطائفية والتخندق في مربع المذهب فانفتح علي الكل وأسس لتيار يجمع ولا يفرق، لكنني سأنقل لكم بعضا من سطور صلاة ممتدة له سجلها لنا عدد يونيو 2011 من مجلة مرقس الصادرة عن دير القديس المصري الأنبا مقار أحد قلاع التنوير في صحراء مصر الغربية، تكشف عن قدرته في ترجمة أنين المستنيرين ممن يؤرقهم حالة الزيف التي تغشي واقعنا يقول فيها : اليوم نصلِّي، ونصلِّي وبإلحاح ولجاجة لدي الله، أن يُعطي للشعب ويُعطينا معه. لماذا نتضايق وقت المحنة؟ لماذا لا نحتمل الضيقة؟ ولماذا نحن في غير استعدادٍ لنقابل الخسارة المادية المفاجئة؟ لماذا نرتعب من الموت؟ ما هو السبب في أننا غير مستعدِّين مثل آبائنا الشهداء، أن نقبل هذا الوضع الحادث الآن؟ في الحقيقة الأمر واضح: أنه إذا غابت النعمة، غابت القوة، وغابت الشجاعة، وغاب الاحتمال والصبر علي الضيق . إن غاب الروح القدس عن قلب الإنسان سار في الظلمة، والذي يسير في الظلمة لا يعرف أين يسير! الظلمة تُحيط به ولا يري بريقاً من أمل. السرُّ الحقيقي هو أن النعمة اختفت من البيوت لاختفاء التقوي ومخافة الله. لماذا صار هذا يا رب؟ نحن نصلِّي إليك، افتقد كنيستك وشعبك، افتقدنا بالنعمة التي غابت. لا يصح يا سيدي أبداً أن نُدعَي لك بنيناً ونأخذ اسمك ونصير مسيحيين، ونحن فاقدون التقوي وفاقدون القداسة وفاقدون الطهارة. من أين تأتينا الشجاعة؟ من أين تأتينا القوة علي مُغالبة الموت بنعمة وانتصار؟ ونضع الموت كما وضعه المسيح تحت أقدامه وانطلق إلي السماء بقوة ومجد. أَلا تفتقدنا في وسط السنين يا رب؟ إن كنا أَثمنا وبَعَدْنا عنك لضياع نعمتك فينا، فبالأقل يا رب افتقدْنا، افتقدْنا في ضيقتنا التي صارت لنا، والظلمة التي أحاطت بنا، فأنت النور الحقيقي. وإن كُنَّا لم نتبعك كما ينبغي، ولكن أنت لا تستطيع أن تتركنا في الظلمة، لأننا دُعِينا باسمك كأولاد نور. لا تحرمْنا، يا ربي، من نور القلب ونور الفكر ونور الحياة، لنري الظلمة التي أحاطت بالكنيسة وبنا حتي صار الخلاص شهوة لا يجدها أحد، حتي صار قبول الروح القدس خرافة. يقولون هذا، صدِّقني يا إلهي، يقولون: لا تقولوا نمتلئ من الروح القدس، لأن هذا قول العقائد الأخري، لأننا أخذنا الروح القدس في المعمودية. فأين هو يا رب؟ الروح القدس له علامات، له لغة، له سلوك. الحب ينبع من القلب والفم، والإيمان ينطق في كل كلمة. أين؟ أين؟ أين القداسة والبر اللذان أخذناهما؟ أين الروح القدس الذي يسكن؟ وإذا سكن الروح القدس لا يكفُّ عن التعليم والتهذيب والفهم. - آه، يا رب، لا تترك كنيستك، أنت الذي فديتها بالدم وغسلتها ومسحتها لنفسك لتكون عروساً لك ملء الحياة، وأعطيتها مِلْئَك لتُعطي، حتي السماء تبشِّر. لماذا صارت الكنيسة غير قادرة علي النطق بكلمة الخلاص واجتذاب النفوس وتغييرها؟ يا رب، لماذا تركتَ شعبك هكذا يهزأ بنا العدو؟ وليس لنا عدو، يا الله، إلاَّ الشيطان، هو الذي يُعادينا، أما إخوتنا بنو وطننا فهم أحبَّاؤنا ولو قتلونا، أحبَّاؤنا ولن نُفرِّط في حبِّهم، ولو كان سَيْفُهم علي رقابنا، لأن هذه علامتنا الوحيدة، أنَّ كل مَن يُهيننا نعطيه الخدَّ الآخر والقلب كله والحب. انتهي الاقتباس وبقي الأنين .. نعم في الليلة الظلماء يفتقد البدر.