عقود طويلة وممتدة عاني خلالها جنوب مصر من الإهمال والغياب الحكومي شبه التام عن أبنائه وبنيته التحتية ومستقبله الاستثماري.. حتي جاءت الفترة الأخيرة معلية من شأن الصعيد لتتصدر محافظاته الإعلام المحلي والدولي بعد طرح أراضيه مجانا للمستثمرين وتقديم حوافز كبيرة في إطار عمليات الجذب لدفع عجلة النمو الاقتصادي وتوفير المزيد من فرص العمل أمام الشباب والسيطرة علي شبح البطالة الذي طال كثيرا من البيوت المصرية..وجاء "حلم الجنوب" مصنع كيما 2 في أسوان ليكون أول مشروع تنموي حقيقي ضخم يتم في الصعيد منذ الستينيات ليبشر أهالي الجنوب بخير قادم ويعلن انتهاء عصر النسيان وبداية مرحلة جديدة.. "كيما 2".. مشروع مصنع جديد علي مساحة 150 ألف متر مربع لإنتاج الأسمدة الأزوتية واليوريا، تملكه شركة الصناعات الكيماوية المصرية "كيما" التابعة ل »القابضة للصناعات الكيماوية» إحدي شركات وزارة قطاع الأعمال العام.. »الأخبار» قامت بجولة في مصنعي كيما القديم الجاري إنشاؤه، رصدت في الأول عمالاً يتحدون الواقع بالعمل بتكنولوجيا قديمة ومعقدة في الإنتاج وكثيفة في استهلاك الطاقة رغم كونه مشروعا عملاقا كان فريدا من نوعه في الشرق الأوسط إبان فترة الستينات وما تلاها. مشروع قومي أما الثاني فخلايا نحل رصدناها عاملة علي مدار الساعة تسابق الزمن لتنفيذ هذا المشروع القومي ليكون جاهزا للتسليم بنهاية العام المقبل، عمال ومهندسون وخبراء وإداريون واصلو العمل في تحدٍ للطقس الحار وتحايلوا علي الطبيعة بالعمل ورديات ليلية للتغلب علي الشمس الحارقة لإنجاز المشروع في التوقيتات المحددة.. مع انطلاقة جولتنا في كيما 1 استقبلنا د. أحمد عبد المطلب، مدير عام إنتاج الحامض ب»كيما»، والذي أوضح »للأخبار» أن الإنتاج الأساسي للشركة هو الأسمدة الأزوتية إضافة إلي نترات الأمونيوم منخفض الكثافة وكذلك سبيكة الفروسيلكون والتي تستخدم في صناعة الحديد والصلب. وأشار عبد المطلب إلي سلسلة من العمليات الصناعية التي تتم في المصنع القديم كيما 1 والتي سيتم الاستغناء عن جزء كبير منها مع انطلاقة المصنع الجديد، وهذه العمليات تبدأ بالتحليل الكهربائي للمياه للحصول علي الهيدروجين ثم إسالة الهواء الجوي للحصول علي النتيروجين ثم قسم الأمونيا وضبط نسبتها لتبدأ عمل التصنيع إلي غاز الأمونيا. وقال إن المنتج النهائي إما سماد يفيد المزارعين أو سبائك تستخدم في الحديد والصلب أو نترات تستخدمها شركات الأدوية والمصانع الحربية، وأشار إلي أن قوة المصنع الحالية نحو 1600 عامل، وصدر قرار إنشائه في عام 1956 وكان الأكبر والأول في الشرق الأوسط. وأكد د. عبد المطلب علي أن منتجات كيما تتميز بجودة عالية ويتم تصديرها إلي العديد من الدول ومن بينها الأردن والمغرب وتركيا، ويتم النقل بريا ثم عبر موانئ الأسكندرية والسويس. توفر الكهرباء وأوضح أن تكنولجيا كيما 1 قديمة جدا مقارنة بالمصانع المماثلة إضافة إلي الاستهلاك المرتفع للكهرباء، ومن هنا كانت فكرة إنشاء كيما 2 والتي توفر الكهرباء للشبكة القومية واستبدالها بإنتاج الأمونيا من الغاز، فضلا عن ضخ استثمارات جديدة وإنتاج نحو 1200 طن أمونيا في اليوم لصنع السماد الأزوتي واليوريا بالإضافة إلي النترات منخفضة الكثافة، أما القديم فطاقته كانت 400 طن، كما يعمل المصنع الجديد علي فتح أبواب رزق جديدة وخاصة لأهالي أسوان ومشروع مطابق للمواصفات البيئية كأحدث مشروع من نوعه بالشرق الأوسط.. وتابع قائلا: المشروع كان مقررا إطلاقه في عام 2011 ولكن بسبب الثورة وبعض العراقيل وتغير أسعار صرف العملات فقد تأخر كثيرا وبدأنا العمل فعليا في 16 يناير من العام الماضي، وأكد أن كيما 2 مشروع قومي كبير يوفر الآلاف من فرص العمل ويجعلنا قادرين علي المنافسة بقوة للشركات الشقيقة أو القطاع الخاص وبلا شك سنكون الأقوي.. وخلال الجولة بالمصنع القديم رصدنا التزاما صارما بإرشادات الصحة والسلامة المهنية وتوجيهات الأمن الصناعي، فعلي امتداد المساحة الشاسعة للشركة لن تجد عقب سيجارة واحد، فالتدخين ممنوع حتي وإن حاولت الاختباء تجد أحدهم فوق رأسك محذرا. خزان أسوان المهندس محسن أحمد، رئيس قطاع الغاز والأمونيا بكيما 1، قال إن فكرة إنشاء المصنع منذ البداية كانت بسبب استغلال الطاقة الكهربية المنتجة من خزان أسوان وغير المستغلة وقتها، حيث يستهلك المصنع بكامل طاقته 220 ميجاوات، وهذا الكم الهائل سيتم توفيره مع انطلاقة العمل بمصنع كيما 2 والذي يعتمد علي التكنولوجيا الحديثة بعيدا عن المياه واستبدال الكهرباء بالغاز، ما يوفر الملايين علي الشركة وعلي الدولة والتي تدعم سعر الكهرباء للمصنع. وأوضح م. محسن أنه سيتم إغلاق بعض خطوط الإنتاج أو المصانع والمراحل في المصنع القديم والتي سيتم تعويضها بالتكنولوجيا الحديثة في المصنع الجديد وستظل العمالة في مواقعها أو توزيعها علي أقسام أخري مرتبطة، وشدد علي أن المشروع الجديد سيوفر الكثير علي الشركة وسيحصد مزيدا من الأرباح فضلا عن دخول منتجات جديدة وهو سماد اليوريا وتوفير المزيد من فرص العمل أمام الشباب وخدمة أبناء أسوان واعتبره أول مشروع ضخم في الصعيد منذ الستينات وحتي وقتنا هذا..