ذهبت إلي مسرح مركز الإبداع، ومعي ابنتي رباب وحفيدتي أمينة مصطفي فاروق قاسم، لمشاهدة العرض الجديد، في المسرح الذي يطلق عليه الأستوديو لأشاهد العرض الجديد: سلم نفسك. شاهدت بنفسي - ليست المرة الأولي - الطوابير التي تري أولها ولا تستطيع أن تصل لآخرها لمن ينتظرون فرصة الدخول. عروض مركز الإبداع مجانية. لا علاقة للمجانية بالإقبال الشبابي عليها، فكل من يقفون في الطوابير شباب من الجنسين. لم يتعدون الثلاثين من العمر. وهي ظاهرة مفرحة لأن من يذهب إلي المسرح ولو مرة وحيدة في حياته، لا يمكن أن يتطرف. ولا أن يفكر في اغتيال الآخرين ولا إنهاء حياة الناس مهما كانت المبررات. ذهبت إلي العرض في الليلة الرابعة عشر من عمره، وكان الحضور كثيفاً. وتجربة خالد جلال الفنية تستحق التوقف أمامها لأنه يمكن القول إنها تساوي كل ما تقوم به أجهزة وزارة الثقافة في مجال المسرح. دون أي مبالغة مني. وقد أعطاني خالد جلال في نهاية العرض وثيقتي تخريج الدفعتين: الأولي والثانية من استوديو المواهب. قرأتهما فاكتشفت هذه الأسماء: سامح حسين - بيومي فؤاد - إيمان سيد - محمد فهيم - أمير صلاح الدين - حمزة العيلي - محمد ممدوح - محمد شاهين - نور قدري. وغيرهم كثيرون، ولو دونتهم جميعاً لاحتلوا مساحة المقال. ولو لم يفعل خالد جلال سوي اكتشاف هذه المواهب ووضعها علي أول الطريق لكفاه. مشكلة مصر حيرة شبابها أمام أسئلة المستقبل وتصورات الآتي، ومن يساعد أي شاب علي أن يكتشف ما بداخله من المواهب، يقدم خدمة جليلة للوطن تخرجه من أزمته الراهنة بأقل الخسائر الممكنة. وأعتقد أن ما شاهدته في الأستوديو يقدم لنا كلمة السر في محاولة الخروج من المأزق الراهن. ولولا أن الإعداد لمؤتمر الشباب القادم قد بدأ، لاقترحت علي المسئولين عن المؤتمر، وكلهم من الشباب، أن يقدموا العرض في شرم الشيخ طوال السبعة أيام التي سيستغرقها عقد المؤتمر من 2 إلي 8 نوفمبر القادم، لأنني متأكد أن الشباب الذين يحضرون مؤتمرات الشباب، وقد شاركت فيها، بينهم من يتمتع بموهبة فنية لم تجد من يكتشفها. قدم مشروع خالد جلال من قبل عرض هبوط اضطراري 2006، قهوة سادة استمرت من 2008 حتي 2010 ، بعد الليل 2015، سلم نفسك 2017، وهذه العروض تتم من خلال الارتجال، بمعني أن الشباب الذين يمثلون في العروض يشاركون المخرج في تأليف النص. ويجرون بروفات تتعدي الخمسمائة بروفة، يستخرج منها المخرج العرض الذي يقدم. يقوم بصياغة النص الذي توصل إليه الشباب في بروفاتهم، ويتولي إخراجه. ويشاركهم العرض كل ليلة. ويقدم الشباب للضيوف ويقدم الضيوف للشباب في معزوفة إنسانية نادرة. هذا مسرح مغاير ومختلف، وما دمنا نعاني من محنة في المسرح العادي ولا نجد العروض التي يمكن أن نذهب إليها، وما ينجح من العروض أقل من القليل، فأعتقد أن هذه المدرسة يمكن أن تفرخ لنا أجيالاً جديدة من المسرحيين الذين قد يقدمون لنا بعض الحلول، ولا أقول كلها لأزمة المسرح الراهن. عرفنا أشكالاً من المسارح، رأيناها واندثرت: مسرح المقهي، مسرح الشارع، مسرح الجرن. وعاصرنا عروضاً كثيرة عنوانها الارتجال. فالارتجال مدرسة قديمة في تاريخ المسرح العالمي والمصري. والعودة إليها ربما كانت بمثابة حرث التربة المسرحية المصرية لنخرج من الحلقة المفرغة التي نمر بها، ولا نعرف كيف يكون الخروج منها. المطبوعة الموزعة علينا كتب فيها خالد جلال: - هذا الملف مغلق، وفي موقع عميق من ذهن الهدف. ولا يفتح إلا بمعرفته هو فقط. وذلك عند الضرورة ووقت الخطر. لهذا هو عصي علي الفهم. يصعب اختراقه أو هزيمته. هذا هو السر. العرض بدون استراحة، أكثر من ساعتين من الفرجة المسرحية أو حالة التمسرح النادرة حيث تذوب الفوارق بين الممثل والمشاهد ويعيشان حالة يشاركان فيها بنفس القدر، ليس هناك مرسل ولا مستقبل، ولا مبدع ولا متلقٍ. لكنها حالة من الصعب وصفها. والعرض عبارة عن مشاهد تقدم كل ما يمكن أن نراه عن حياتنا الراهنة دون مباشرة، وبعيداً عن الخطب السياسية، وبعيداً عن الكلام المباشر. ولكن من خلال فنية عالية ونادرة يقول لنا العرض هذا هو حالكم الآن. وتلك هي حياتكم الراهنة، فانظروا إليها جيداً وتمعنوا فيها وانطلقوا إلي الحياة بعد أن تشاهدوا أنفسكم هنا علي مدي أكثر من ساعتين. تساءلت في نهاية العرض: كيف يقدم خارج القاهرة؟ في المدارس والجامعات ومراكز الشباب والساحات الشعبية والملاعب وفي الصحاري والمناطق الحدودية. وتلخصت الإجابات في ثلاث كلمات: أين هي الإمكانيات؟!.