(((... هو من الآن يفتقدها في كل أرجاء هذا البيت الكبير الذي بنياه معاً طوبة طوبة.. كل مكان بالبيت يشكو غيابها.. مائدة الطعام.. ركن التليفزيون..غرفة المعيشة.. مكتبه الذي كانت ترتبه له مرتين في اليوم.. التحف التي اختارتها بذوق رفيع.. حتي باب الشقة الشاهد الأخرس علي قبلة الصباح التي كانت تمنحها له قبل أن يخرج إلي عمله!.. ربما يكون البيت الآن أشبه بحالته بعد رحيل آمال.. الفارق الوحيد أنها لا زالت فوق سريرها اطلال امرأة..!!)) • ................... صديق عمري احتفل بعيد ميلاده الستين منذ شهور وقرر أن تشهد حياته ثورة ! .. ربما يكون هو حالة خاصة بين أصدقائه ومعارفه.. وربما تنطبق القاعدة عليه وعلي غيره.. المهم أن من يملك الإمكانات هو القادر علي إحداث هذه الثورة!. طالت لحظات التأمل ومواجهة النفس.. جري به قطار العمر بأسرع مما تخيل... السنوات الخمس الأخيرة مرَّت كالدهر... فكرة الموت بدأت تكبر وتنمو وتكاد تتحول إلي عقدة.. رحل عنه معظم أصدقائه.. لم يبق غير صديق واحد قريب إلي قلبه وعقله معاً هو أنا.. زوجته التي كانت تملأ عليه حياته أسقطها المرض من عرشها فتحولت إلي بقايا امرأة وأطلال جسد.. ترقد في سريرها فاقدة للذاكرة.. شاحبة، هزيلة، لا ترحمها من آلامها سوي حقنة المخدر.. الموت يقترب منها بخطوات واثقة.. ماذا سيفعل لو رحلت هي الأخري وتركته فريسة للذكريات، فهي التي كانت تشاركه كل كبيرة وصغيرة قبل أن تتركه في هذا الفراغ الهائل؟!... هل يستطيع أن يدخل حجرتها فلا يجدها فوق سريرها ترقد كالملاك حتي بعد أن هجرتها الصحة وتخلي عنها الشباب وهدَّها المرض؟!.. هل سيجرؤ علي الجلوس في التراس وقت غروب الشمس دون أن تكون آمال جالسة فوق المقعد المواجه له تحتسي معه قهوة المساء؟!... هو من الآن يفتقدها في كل أرجاء هذا البيت الكبير الذي بنياه معاً طوبة طوبة.. كل مكان بالبيت يشكو غيابها.. مائدة الطعام.. ركن التليفزيون..غرفة المعيشة.. مكتبه الذي كانت ترتبه له مرتين في اليوم.. التحف التي اختارتها بذوق رفيع.. حتي باب الشقة الشاهد الأخرس علي قبلة الصباح التي كانت تمنحها له قبل أن يخرج إلي عمله!.. ربما يكون البيت الآن اشبه بحالته بعد رحيل آمال.. الفارق الوحيد أنها لا زالت فوق سريرها بقايا امرأة؟. لا زالت تحت يده ثروة يحسده عليها الناس، فلمن يتركها وهو لم ينجب ولداً يخلد اسمه ولا بنتاً يحميه حنانها في الكبر.. لماذا لا يستمتع بثروته طالما أنه لا وارث له؟!... سوف يشتري شقة جديدة يدرب فيها نفسه علي الحياة دون أن تكون لآمال فيها ذكريات ولا بصمات ولا رائحة حب دام أكثر من ثلاثين عاماً!.. سوف يتفق مع ممرضتين من أعلي مستويات التمريض تتناوبان رعاية آمال مهما طلبا من أجر.. لا داعي لوجوده ليلاً في شقة آمال طالما أنها تنام بالمخدر من العاشرة مساء.. سوف يسهر في شقته الجديدة يكتب ما يتيسر له من دواوين الشعر الحديث الذي يجيده.. يكتب مذكراته.. يستمع للموسيقي.. وربما يكون لفاتن دور في هذه الأمسيات.. هذه الحسناء الشابة التي أصبحت لغزاً في حياته! خرج في الصباح وفي حقيبته دفتر الشيكات.. ساعات قليلة تحولت بعدها أفكار الأمس إلي واقع ووقائع.. اشتري الشقة الجديدة في واحد من أشهر شوارع الزمالك.. تعاقد مع واحد من أكبر مهندسي الديكور وأحد أكبر معارض الأثاث المستورد.. اتفق مع سفرجي من فندق شهير ومديرة منزل ومكتب التخديم لاختيار شغالة تليق بهذا العز! الأيام تمضي.. العمل في الشقة الجديدة علي قدم وساق.. ليست هناك أية معوقات فالمال يوفر علي صاحبه الوقت والجهد وكثيراً ما يساعد علي تغيير طعم ومذاق الحياة..! بقي السؤال الذي ظل الدكتور عماد يهرب من الإجابة عليه.. واضطررت لمواجهته به: ماذا تريد من فاتن؟... أو ماذا تريد فاتن منك؟! ويبدو أنني عزفت علي الوتر الذي يحبه عماد فهمس لي قائلاً: لا أعرف لماذا تحاول هذه الحسناء التي تصغرني بثلاثين عاماً أن تقترب مني.. كانت تلميذة زوجتي بالجامعة.. كنت أعتقد أن زياراتها لزوجتي وهي مريضة كانت من باب الوفاء لأستاذتها.. لكني مع الوقت بدأت أكتشف ما لايخطئه أي رجل.. نظراتها محملة برسائل تنتظر رداً.. وابتساماتها مغلفة بأنوثة تخصني بها.. وكف يدها حينما تصافحني كطفل ارتمي علي صدر أمه ويأبي عنه الرحيلا!.. كنت أتمني أن أصارحها بأني خائف منها.. من شبابها.. من التجربة ذاتها؟.. أعترف أنها لفتت انتباهي بشدة.. أعترف أنها شغلتني وشاغلتني وحيرتني.. ماذا تريد من رجل في عمر أبيها؟!... ومع هذا استخدمت هذه الحسناء معي مكر الأنثي وفتحت معي حواراً بحجة أنها تطلب نصحيتي!... نصحتها بأن تسافر إلي زوجها فأقسمت أنها لا تستطيع الحياة لحظة واحدة بعيدة عن مصر وعن الحب الذي ملأ قلبها نحو رجل آخر!!.. احمر وجهي وأحسست بالدماء تتدفق في عروقي بينما أخفضت هي رأسها ثم همست بأن غياب زوجها ربما يكون السبب.. لكنها تتعذب من لوعة وقسوة الحب من طرف واحد!.. ويبدو أنها شعرت بارتباكي فغيرت الموضوع.. لم أعد أفكر في وحدتي بعد رحيل زوجتي.. لم أعد خائفاً من أن يفاجئني الموت وأنا وحيد.. سوف أعيش في شقتي الجديدة معظم الوقت.. وسوف أدعو فاتن إليها حتي يتم طلاقها.. وإذا كانت آمال شاركتني معظم سنوات عمري ربما يكون لفاتن دوراً في نهاية هذا العمر!!. يقول خالد في نهاية رسالته : إنه يبرر لي حبه لفاتن تلك بأنه خيانة يبررها حب زوجته الكبير له لانها لن ترضي بشقائه بعد رحيلها.. لقد اصبح يخشي موت زوجته قبل ان يشجع فاتن علي الاعتراف له بأنه الحبيب الذي دخل حياتها مع دخولها بيت استاذتها ويطلب مني ان اكون رسوله اليها لأشجعها علي طلب الطلاق من زوجها ثم تمرعدتها ليعقد عليها قرانه فلا يهزمه موت زوجته المنتظر في أي لحظة !.. هل أساعده فيما يريد أم أخسر صديق حياتي كلها وليس لاحدنا غني عن الاخر بعد ان بلغنا سويا أرذل العمر؟!