يقول ابن منظور »القبح ضد الحسن» ويري البعض أن القبح وعدم الاهتمام بالنظافة وغياب الحس الجمالي هو سلوك مادي يعكس مظاهر الفوضي وغياب التنظيم وسيادة العشوائية والإهمال. أما القبح المعنوي فيتمثل في حالة توصف من قبل رجال الفكر الاجتماعي بحالة » أنومي » والتي تعني فقدان المعايير وتدهور الأخلاقيات والبعد عن القيم الجمالية وعدم مراعاه قيم الآخر المحببة لديه. والقبح والجمال هما فلسفتان متناقضتان في الحياة، وتبني إحداهما مسألة نسبية تختلف وفقا لدرجة الوعي لدي الجماعات البشرية، إلا أن ذلك مرهون بمستوي التقدم وتفوق الأمم. فكلما زاد القبح وانعدم الشعور بقيمة الجمال تخلفت الأمم وتقهقرت الشعوب، وتتفاقم الخطورة عندما لا يشعر البشر بما يحيطه من جمال الطبيعة والأكثر خطرا حين يسهم الإنسان لا في تهذيب الطبيعة بل يسهم في نشر ثقافة القبح داعما لفلسفة التدمير فيقضي علي الجمال التلقائي الذي يصوغ بهجة الحياة. والكارثة الحقيقية حين يصبح القبح تعوداً أو بلغة العلم الاجتماعي »ثقافة» يمارسها الإنسان ويعتاد عليها دون أن يدري، فالنظافة والجمال لا تعير اهتمامه أو يستاء منها فلا يلحظ مضارها البيئية المدمرة أو ربما يدرك مساوئها لكنه لا يهتم، فالجمال والنظافة ورقة الشيء وبريقه لا تشكل لديه قيماً حضارية يدرك أو يتمعن في مغزاها أو نتائجها، كما أن فقدان الشعور بقيمتها لا يشكل امتعاضا لديه ولا تُدرج في أولويات حياته، فالاعتياد علي القبح وغياب الرؤي الجمالية لما حوله يزيد من تراكم القاذورات وتنامي ثقافة القبح مما يشكل ظاهرة بيئية واجتماعية تتعقد بمرور الزمن ويصبح من الصعوبة التخلص منها بسبب ترسخها كثقافة باتت قابعة في النفس البشرية لدي البعض فكيف نعيد للإنسان إنسانيته؟ وإلي أي مدي يمحو ما اعتاد عليه؟ ولماذا تُركت لتترسخ في الذهن البشري علي أنها ليست من أولويات الاهتمام؟. ولا جدال في أن منظومة القيم الجمالية لا تتجزأ، فالعشوائية في كل مجالاتها والفوضوية بتباين مظاهرها، والاستهزاء بالتشريعات والرغبة في كسر القانون وعدم التماثل له، ومعاندة الطبيعة كلها تصوغ نوعا من ثقافة القبح بجناحيه المادي والمعنوي. فهل لنا بعد تفاقم مظاهر القبح الذي نراه يوميا في كل مكان في أرض طيبة وأم الحضارات أن نحولها إلي هدف وطني له أولوية قصوي من أجل استرداد قيمنا الأصيلة قبل فوات الأوان. استاذ علم الاجتماع