معظم الصديقات في المغرب وتونس ودمشق يحلمن دائما بزيارة مصر، بسبب الصورة التي قدمتها السينما لمصر الخمسينيات والستينيات.. تحديدا بسبب القوي الناعمة المصرية (الثقافة والفن) وعمق تأثيرها في الوجدان العربي.. قالت لي صديقة دمشقية يوما: (عندما أذهب إلي مصر، سأجلس في جروبي، وأتناول الشاي والجاتوه والآيس كريم)!!.. حتي روميل قائد الجيش الألماني في معركة العلمين، قال إنه سيشرب الشاي في جروبي (بحسب كتاب مني محفوظ) ليشير إلي قرب انتصاره علي الحلفاء ودخول مصر!! لم يكن جروبي مجرد مقهي أو محل للحلوي، لكن كان مشروعا ثقافيا، أرسي ذوقا وتقاليد جديدة ومختلفة.. أقيمت في حديقة جروبي عدلي، حفلات الرقص والموسيقي، وعرضت أفلام سينمائية، وقدمت أنواعا جديدة من الشيكولاتة، ودخل الايس كريم لأول مرة إلي مصر.. استقبل المقهي ملوكا ورؤساء، كان الملك فاروق يزور المقهي أحيانا، فصنع له جروبي كأسا وفنجانا مطليا بالذهب، لا يقدم الا للملك.. وكانت أم كلثوم تتناول إفطارها الصباحي في الحديقة، بينما كان أحمد رمزي وكثير من الفنانين يفضلون الجلوس هناك.. عشرات الأفلام السينمائية صورت في جروبي »العتبة الخضراء»، »يوم من عمري»، »حلاق السيدات»، »صايع بحر»، »عمارة يعقوبيان».. ذكريات أفزعها خبر إغلاق جروبي طلعت حرب (مغلق منذ 4 سنوات) بدعوي التجديدات والتوسيعات.. يسعي المالك الحالي لإضافة قاعة مؤتمرات، وكافيه علي الطراز الأمريكي، بما يعتبر تدهورا لتاريخ المكان ومحو شخصيته!!.. جروبي عدلي بحديقته الشهيرة، وجروبي روكسي لايزالان موجودين، لكن انطفأ بريقهما وحضورهما، منذ أن انتقلت ملكية جروبي من أسرة صاحبها الإيطالي »جاكومي جروبي» الي عائلة مصرية اخوانية قبل خمسة عشر عاما، منعت تقديم المشروبات، واستيراد بعض الحلوي، وتوقفت تماما الأنشطة الثقافية والفنية، بصورة هددت المقهي الشهير بالإغلاق نهائيا، لتغلق معه سنوات من العمرالجميل..