حوار| من الطائرة الانتحارية إلى صيحات النصر.. بطل الصاعقة يكشف كواليس حرب الاستنزاف    «مبادرة طوف وشوف» تبرز الدور المتميز لطلاب جامعة قناة السويس    البابا تواضروس يهنيء الرئيس عبد الفتاح السيسي والشعب المصري بانتصار أكتوبر    رئيس جامعة الأقصر: أبطال القوات المسلحة سطروا ملحمة تاريخية لاستعادة الأرض والكرامة    وزير التعليم يبحث مع الوكالة الألمانية (GIZ) تعزيز الشراكة في تطوير التعليم الفني    تفاصيل عبور جديد على ضفة الممر الملاحي بالتزامن مع احتفالات أكتوبر    لليوم السادس.. «البترول» تواصل قراءة عداد الغاز للمنازل أكتوبر 2025    أسعار مواد البناء مساء اليوم الإثنين 6 أكتوبر 2025    خطوات التسجيل في برنامج الهجرة العشوائية إلى أمريكا 2026.. كل ما تحتاج معرفته عن اللوتري الأمريكي    غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف منطقة الهرمل شرق لبنان بذريعة تدريب قوات حزب الله    من وسيلة عزاء إلى ظاهرة اجتماعية.. كيف غيّر الذكاء الاصطناعي طقوس الحداد الروسية؟    جيشنا الوطني جاهز.. كلمة الرئيس في ذكرى انتصارات أكتوبر أكدت على إرادة الشعب في صنع الانتصار    بيبو يزور المعلم.. اجتماع مجلس الزمالك.. زلزال إشبيلية.. مصر في المغرب| نشرة الرياضة ½ اليوم    منتخب إنجلترا يعلن استبعاد ريس جيمس.. وانضمام مدافع سيتي بدلا منه    «تموين القاهرة» يتحفظ على 80 طن لحوم غير صالحة للاستهلاك    شبورة واضطراب ملاحة وسقوط أمطار.. «الأرصاد» تحذر من طقس الثلاثاء    موعد امتحانات شهر أكتوبر لصفوف النقل 2025-2026.. (تفاصيل أول اختبار شهري للطلاب)    بمناسبة الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر.. الإفراج عن 2735 نزيلًا بعفو رئاسي| فيديو    وزير الخارجية يلتقي رئيسة المؤتمر العام لليونسكو    التفاصيل الكاملة لاختفاء لوحة أثرية من مقبرة «خنتي كا»    ظهور خاص ل علاء مرسي ف «طلقني» بطولة كريم محمود عبدالعزيز ودينا الشربيني    رمضان عبدالمعز: نصر أكتوبر من أيام الله العظام    3 وزراء يبحثون دعم توطين صناعة الدواء وتعزيز تنافسية السوق المصري    ممثلًا عن أفريقيا والشرق الأوسط.. مستشفى الناس يشارك بفريق طبي في مؤتمر HITEC 2025 العالمي لمناظير الجهاز الهضمي العلاجية المتقدمة    اليوم العالمي للشلل الدماغي.. 5 حقائق أساسية حول المرض    مصرع طفل سقط من علو في إمبابة    السفير محمود كارم: قانون وطني شامل ينظم أوضاع اللاجئين على أرض مصر    رقم تاريخي لهالاند فى التسجيل بالملاعب الإنجليزية باستثناء آنفيلد    إحباط محاولة ترويج 50 طربة حشيش بمدينة العاشر من رمضان.. اعرف التفاصيل    علاء نصر الدين: 2 مليار دولار حجم الفجوة التمويلية للشركات الناشئة في مصر    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير ورفع كفاءة نفق "كوبري السمك" بحي غرب شبين الكوم    أحمد شوبير: ملف المدرب الجديد للأهلي لا يزال مفتوحًا والقرار قد يُؤجل حتى نوفمبر    علي الدين هلال: شخصية السادات ثرية ومعقدة صنعتها خبرات وأحداث طويلة    اجتماع حاسم في الزمالك لمناقشة مستحقات اللاعبين ومصير فيريرا    مجلس "الصحفيين" يهنئ الشعب المصري بذكرى انتصارات أكتوبر ويكرم أبطال الحرب    وزير العمل: القانون الجديد أنهى فوضى الاستقالات    أبو الغيط يشارك في احتفالية توديع سفير قطر بالقاهرة ومندوبها لدى الجامعة العربية    أفلام لا تُنسى عن حرب أكتوبر.. ملحمة العبور في عيون السينما    «طقوس السطوح» عرض مسرحي يعلو القاهرة ضمن مهرجان «دي-كاف»    فالفيردي يغيب عن معسكر منتخب الأوروجواي    3 علماء يفوزون بجائزة نوبل في الطب لعام 2025 (تفاصيل)    رئيس الاتحاد السكندري: نستعد لضم صفقات قوية في الميركاتو الشتوي.. والجمهور درع وسيف للنادى    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 6 أكتوبر 2025 في المنيا    متخصصون من معرض دمنهور للكتاب: البحيرة تمتلك مستقبلًا واعدًا في الصناعة    نجم الزمالك السابق يعتذر لمحمد مجدي أفشة    «الداخلية»: ضبط متهم بالنصب على مواطنين بزعم قدرته على العلاج الروحاني    نائبا رئيس الوزراء يشهدان اجتماع مجلس إدارة هيئة الدواء المصرية.. تفاصيل    «عبد الغفار» يشارك في ختام «مهرجان 100 مليون صحة الرياضي»    رئيس الوزراء الفرنسي بعد استقالته: لا يمكن أن أكون رئيسًا للوزراء عندما لا تستوفي الشروط    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو يُظهر اعتداء على مواطن وأسرته بدمياط    لماذا يستجيب الله دعاء المسافر؟.. أسامة الجندي يجيب    كجوك والخطيب: القطاع الخاص المصرى مرن وإيجابي وقادر على التطور والنمو والمنافسة محليًا ودوليًا    السعودية تتيح أداء العمرة لجميع حاملى التأشيرات.. انفوجراف    جمهور آمال ماهر يتفاعل مع سكة السلامة واتقى ربنا فيا بقصر عابدين    ما حكم وضع المال فى البريد؟.. دار الإفتاء تجيب    أسعار الخضراوات والفاكهة بكفر الشيخ الإثنين 6 أكتوبر 2025    منتخب مصر يودّع كأس العالم للشباب رسميًا    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 6-10-2025 في بني سويف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بابا نويل على الأبواب.. سنتك لوز 2015
وسط القاهرة حكايات الحب والحرب والثورة
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 12 - 2014

اقف عنده كى اتأمل الاوانى الخزفيه الممتلئة بالملبس الملون فى واجهات العرض الزجاجية العريضة، والى جوارها تماثيل صغيرة من الشيكولاتة الملفوفة بالسلوفان والشرائط المبهجة.. بابا نويل يبتسم لى فى هذا المكان كل عام فى نفس التوقيت.. وكأنه يشجعنى ويدعونى للدخول، فلا اكذب خبرا واقبل دعوته دون مقاومة، كى اجلس وارتشف الشاى باستمتاع و عظمة مع قطعة جاتوه كبيرة مكسوة بكريمة الشيكولاتة الكثيفة، ومحشوة بالبندق واللوز... وقتها بالذات اتذكر هتلر.. نعم هتلر النازى.. كان حلمه ان يجلس مكانى، ويتذوق الجاتوه مع الشاى فى جروبى ،مثلما افعل انا والاف من سكان القاهرة فى كل مناسبة بكل بساطة.. لكن هتلر خسر الحرب، وجروبى وقتها على ما يبدو كان لا يرحب الا بالسعداء والمنتصريين!!
القصة حقيقية وحدثت بالفعل..
صباح احد ايام صيف 1942 سرى الخوف فى اوصال القاهرة عقب اعلان روميل انه سيتناول الجاتوه فى الخامسة مساء عند جروبى !
هذه الرسالة التى اذيعت عبر الاذاعة تزامنت مع رسالة موسولينى التى قال فيها ان على نساء مصر ارتداء اجمل ثيابهن ابتهاجا بدخول النازى لبلادهن وكان وقتها جيش النازى قد احتل العلمين وبدا واثقا من إحكام قبضته على القاهرة وكان وقتها اكل الحلوى اللذيذة عند الحلوانى الاسطورى جروبى بمثابة ترسيخ للسيادة الالمانية على ارض مصر.. فقد كان لجروبى قيمة رمزية لدى القاهريين تضاهى مكانة مطعم مكسيم فى باريس، ولما كان الالمان يحرصون وقتها على اخضاع المعالم الشهيرة ذات القيمة فى المدن التى يحتلونها، لذا ذكروا جروبى وفندق شبرد بالقاهرة كما مطعم مكسيم وفندق موريس فى باريس، وبالفعل كان جروبى فى ميدان سليمان باشا وفرعه فى شارع عدلى، هو ايامها الملتقى المفضل لكل اعداء الرايخ الالمانى، سواء الانجليز او الفرنسيين او اليونانيين او اليهود .
(هكذا حكت المؤلفة لوسيت لينادو، فى رواية رائعة عن وقائع خروج عائلتها اليهودية من مصر زمن عبدالناصر).
والان على ابواب السنة الجديدة، 2015يظهر السانتاكلوز - بابا نويل الطيب، وتبرق شجرة عيد الميلاد وتصطف الهدايا الملونة وعلب الحلوى والمارون الجلاسيه الممتاز داخل جروبى من جديد.
لكن مصر تغيرت كثيرا ، ومضت سنوات طويلة فاصلة ما بين زماننا وزمان السنيما الابيض فى اسود، التى كانت تتباهى فيها ماجدة انها على موعد غرامى فى جروبى، لتتناول شاى الخامسة مساء مع احمد رمزى!!.
شباب كثيرون اصبحوا اليوم لا يرون فى جروبى أكثر من مقهى عتيق بوسط البلد ، يقدم منتجاته فى أجواء كلاسيكية مملة ، وكأنه مشهد معاد من فيلم قديم .
والحقيقة انه أكبر بكثير من مجرد مقهى شهير بالقاهرة، أوماركة مسجلة فى صناعة الحلوى، انه تاريخ طويل بطعم الشيكولاتة ، وذكريات جميلة لأيام تلاشت و كأنها الآيس كريم!.
فى الصين، من قديم الازل خلطوا ثلوج الجبال مع العسل والفواكه والنبيذ، كأول كأس آيس كريم فى العالم، وتناوله الناس هناك بهدف المتعة و الاسترخاء..
بعدها انتقلت (الخلطة السرية) الى ايطاليا عن طريق الرحالة الشهير ماركو بولو ، الذى كان فى زيارة للصين، فأعجبته الفكرة و عاد لبلاده بالوصفة، فأضافوا له اللبن، و صار الآيس كريم منذ 1225 أقرب ما يكون للطعم الذى نعرفه حاليا.
ثم انتقل الآيس كريم من ايطاليا الى باريس عام 1533، بسبب زواج احدى اميرات فلورنسا من الملك الفرنسى هنرى الثانى، وفى فرنسا افتتحوا من أجله محلات خاصة تبيعه بنكهة الفراولة أو الشيكولاتة.
بعدها بأكثر من خمسين عاما زار فرنسا الملك الانجليزى شارل الأول.
وقدموا له الايس كريم كواجب ضيافة، فأعجبه للغاية، و نقله لبلاده،
وبالصدفة عام 1700 تم ترشيح أحد الوجهاء الانجليز ليكون حاكما لولاية ميريلاند الأمريكية، والآن تستطيعون ان تستنتجوا البقية وحدكم....(!).
بالفعل انتشر الايس كريم فى انحاء أمريكا و تخصصت فى انتاجه مؤسسات ضخمة وصار يباع فى الشوارع على عربات متنقلة، بشكله التقليدى فوق البسكويت، وصاروا ينادون عليه بالكلمات الرنانة أو بالموسيقى التى تستلفت نظر الأطفال خصوصا .
لكن من أدخل الآيس كريم لمصر و منطقة الشرق الأوسط؟.
صانع الحلويات السويسرى جياكوم جروبى، هو أول من قام بذلك، حين جاء الى القاهرة عام 1889، وأسس بها 4 محلات، اولها فى شارع عدلى، وافخمها فى مصر الجديدة (بجوار قصر الاتحادية) واشهرها فرع طلعت حرب الذى يشغل حتى اليوم موقعه المميز(بميدان سليمان باشا) فى مبنى ضخم من طراز البارون، ويعتبر من كنوز مصر المعمارية فى عصرها الحديث
ولهذا الفرع بالذات مدخل جانبى لا يعرفه أحد ، كان مخصصا فى الماضى لدخول البشوات و الوزراء وكبار الشخصيات من المصريين والأجانب الذين كانوا يترددون على جروبى فترة الأربعينيات والخمسينيات و يتناولون فيه عذائهم ، أما عن مدخل المحل المكسو بالفسيفساء الملونة والرسوم المبهجة، فلا يخلو هو الآخر من ذكرى، كلمة السر لها (قفير النحل).. تجدها مكتوبة بخط واضح تحت قدميك وانت تخطو خطواتك الأولى بالمكان، البعض يظن انها تميمة تجلب الحظ السعيد لعتبة المحل وزبائنه ، لكنها فى الواقع رمز للحركة الزائدة فى المكان، ليس فقط بسبب الزبائن والضيوف، ولكن لوجود بدروم للمحل به مئات العمال والطباخين فى حالة عمل، وتدريب لا تكاد تتوقف .
ويحكى احد الشهود من سكان وسط القاهرة، عن زمن فاروق وظهر 26 يناير 1952، حين انتفضت الجماهير الغاضبة واضرمت النيران فى كل الاماكن التى يرتادها الاجانب ويسكن فيها الاثرياء، دور السنيما والنوادى والبنوك الخاصة والمتاجر الضخمة الفخمة وشركات الطيران ، حتى حلوانى جروبى اضرموا فيه النيران، وسرقوا الختم الملكى من على واجهة مطعمه، واخرجوا العاملين فيه وبينهم الطهاة والخباز وصانع الكريم شانتيه ثم اضرم الغوغاء المسعورون النار فى اجولة الدقيق والسكر الفاخر، حتى ان من شهد تلك الليلة المروعة لحريق القاهرة، لا يمكن ان ينسى رائحة الهواء المعبأ بالسكر المحروق!.
المطعم والحلوانى المفضل للست ام كلثوم واسمهان وفاتن حمامة وجيهان السادات وكامل الشناوى وعمر الشريف، كل ما تبقى منه الآن:
بناء مهيب ولافتة جميلة وكلمة جروبى مكتوبة وكأنها بيد طفل سعيد، مازالت الاعمدة الضخمة والاسقف العالية والحوائط زهرية اللون والارفف كما هى، فى مكانها، بجروبى سليمان باشا (طلعت حرب حاليا) ومازال فى المكان حلويات، لكن طابور الدفع الطويل امام الخزينة اختفى، كما اختفى الاجانب والوجهاء الاثرياء من المشهد..
المستثمر العربى، الذى اشترى جروبى بداية الثمانينيات، وغير شكله من الداخل وقائمه الطعام فيه، ظل لسنوات طويلة المتهم الاول بتخريب جروبى،عن عمد، وتدهور مستواه، حتى ينمحى اسمه من ذاكرة الزمن والعالم على قدر ما ارتبط فيما قبل، بالاجانب، والارستقراطية المصرية، وايام الفن والمجد بالقاهرة الجميلة ..
بينما يرى اخرون ان جروبى شهد تراجعا كبيرا مثل غيره من محلات ومطاعم الاجانب، مع خروج اصحابه من مصر، بالذات فترة الستينيات، وبعد تغير الادارة وبيع المحال ذات الاسم العريق لمن لا يعرفون قيمتها، أصبحت المؤسسة المشهورة رمزا للعظمة الزائلة!.
لقد اختفت قائمة الطعام المطبوعة التى تشير لاصناف المطعم العلوى الراقى، وحفلات رأس السنة ورقص التانجو وانغام الاوركسترا..
اصبحت الاختيارات الان محدودة للغاية.. الان يجلس فى جروبى زبائن الصدفة، من المارة بوسط البلد، رجال بملابس عادية، وشباب متوسطو الهيئة وسيدات بدينات بعضهن محجبات، وفيهن من تحمل اطفالها معها..
فى (زمن المول) والبنايات التجارية الشاهقة، تغير جروبى كثيرا، تماما كما تغيرت مصر .
ودائما يحكى جروبى عن مصر واحوال الناس فيها ..
الشباب الذين دخلوا فى اشتباكات حامية مع الشرطة فى 25 يناير - اقرب ما يكون لمبنى جروبى طلعت حرب - ذهب كثير منهم واحتفلوا فى جروبى بنجاح الثورة نهاية يوم 30 يونيو.. اشتروا الايس كريم الغارق فى كأس الفواكه وبعضهم شربوا الشاى وتناولوا الحلوى والجاتوه فرحين بانتصار ثورة الشعب ضد حكم الاخوان القاتم.
شباب كثيرون رفعوا العلم والتقطوا الصور عند عتبات المحل الشهير ،فى ذكرى ابتهاجهم بيوم 26 يوليو 2013الذى دعا للنزول فيه الفريق عبدالفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة وقتها، لتفويض الجيش ومساندته فى حربه ضد ارهاب الإخوان المسلمين – وللعجب هى ذكرى (26 يوليو) نفس اليوم الذى غادر فيه الملك فاروق مصر.
ماذا سيحدث فى السنوات القادمة؟.
هل سيعود النور والتألق والبهجة.. هل سيعود زمن الحب والفن والسعادة بنكهة الكراميل والكريز؟ وبعد كم سنة يعود اصحاب الابتسامات العريضة والازياء الراقية لمحلات وسط القاهرة ؟.
لا تنتظر اجابات الايام فى مكانك..
تفاءل واحتفل بالعام الجديد..
وانثر سكر الذكريات الحلوة فوق الاماكن حولك.
وتعال الاسبوع القادم معى كى نكمل الجولة ونكتشف حكاية اخرى للحب.. فى شوارع مصر العامرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.