الاسطح تحولت لعشش.. والشقق مطابخ للمطاعم.. والممرات مخازن الشروخ والتصدعات تنذر بكارثة.. وأكوام القمامة والمخلفات تملأ المداخل القابضة للتأمين: تحويل المخالفات للجهات الرقابية.. التنسيق الحضاري: الصيانة مسئولية الملاك نائب المحافظ: إحالة التجاوزات إلي النيابة.. ولجان لرصد التعديات بعد انتهاء احتفالات مرور 150 عاما علي تأسيس القاهرة الخديوية تبدو المنطقة التي اشتهرت ب»باريس الشرق» أشبه بسيدة عجوز، هدتها الشيخوخة، وأصابها العجز، وتكالبت عليها الاوجاع من كل اتجاه، رغم كل الالوان البراقه التي تحاول ان تكسو بها وجهها لتخفي ما فعلته بها يد الإهمال! وتكفيك جولة علي الاقدام في هذا المكان الاثري الملئ بعبق التاريخ لتكتشف الحالة المزرية التي وصل اليها نتيجة الكثير من الممارسات التي تعاني منها منطقة وسط البلد، والتي تطرح الكثير من التساؤلات عن التصريحات الوردية لتطوير القاهرة الخديوية.. وعن الملايين التي تنفق علي هذا التطوير. »الاخبار» ترصد في السطور التالية الواقع المرير للقاهرة الخديوية في عيد ميلادها وتواجه المسئولين بالحقائق المؤلمة. منذ 3 اعوام أعلنت الحكومة البدء في تنفيذ تطوير منطقة قلب العاصمة وتحويل القاهرة الخديوية إلي مقصد سياحي عالمي يعيد للقاهرة رونقها التاريخي والحضاري، وأعلنت وزارة الإسكان أن الدولة تمتلك أكثر من 160 مبني بالمنطقة، وكانت هناك مسابقة عالمية لتطوير قلب القاهرة الخديوية، فاز بها أحد أكبر المكاتب العالمية لتصبح بعد ذلك الواجهه التاريخية للعقارات ذات التراث المعماري والمرتبطة بأكواد تاريخية تمتلكها شركة مصر للاصول العقارية التابعة للشركة القابضة للتامين وتشرف عليها محافظة القاهرة. وافتتح رئيس الوزراء إبراهيم محلب انذاك، المرحلة الأولي من مشروع تطوير القاهرة الخديوية، وإعادة إحياء منطقة وسط البلد، وقال محافظ القاهرة السابق د. جلال سعيد وقتها إن عمليات التطوير شملت أعمال الصيانة الإنشائية والمعمارية وإعادة طلاء ومعالجة واجهات العقارات والمباني الأثرية المتميزة، وعلي الرغم من إعلان محافظة القاهرة توفير ما يقرب من 500 مليون جنيه لهذا التطوير الا ان الوضع في القاهرة الخديوية بعد انفاق كل تلك الملايين- لا يسر عدوا او حبيبا. المشهد الفوضوي داخل معظم العمارات يكشف تحويل اسفل وداخل العقارات التاريحية الي مصانع ومخازن ومحلات الأحذية وبيع العصائر والمطاعم الشعبية، ليضاف ذلك إلي التشوه الذي طالها من الداخل من تآكل جدران العقارات بسبب تسرب مياه الصرف الصحي وظهور الشروخ والتصدعات، بالإضافة إلي أسلاك الكهرباء المتناثرة علي الجدران بشكل قبيح ليكتفي السكان بانتظار قبلة الحياة من المحافظة بعدما اكدوا ان عددا كبيرا من الشقق هجرها اصحابها واصبحت مهمة الترميم من الداخل ازمة تحتاج الي حل مفاجأة ومصيبة المفاجأة كانت في شارع الالفي الأشهر بوسط البلد، المكان من الخارج تحول الي قطعه من اوروبا حيث تم رصف الشوارع والطريق، اضافة الي دهان اعمدة الإنارة وواجهات البيوت التاريخية القديمة فقط ولكن المصيبة كانت من الداخل ، فحدث عن تلك البيوت ولاحرج، فهي تطبق المثل الذي يقول:» من بره هلا هلا.. ومن جوه يعلم الله»، فقد انتشرت الشروخ والتصدعات علي جدران العقارات، وتحولت المناور والشقق الي مخازن للبضائع القابلة للاشتعال، وانتشرت العشش العشوائية اعلي اسطح هذه المنازل وتآكلت ملامح الجمال اعلي هذه العمارات التي كانت قديما واجهة لمصر في معظم الأفلام السينميائية. هذا المشهد شوه بالفعل المظهر الجمالي للمنطقة التي تعتبر امتدادا للطابع المعماري الباريسي، لتصبح بعد ذلك ملاذا لضعاف النفوس والخارجين عن القانون والحشرات والحيوانات، فكان من الأولي تطبيق منظومة زراعة اسطح المنازل والاستفاده من هذا المشروع بضرب »عصفورين بحجر» وذلك باعادة القاهرة الخديوية الي سالف عهدها وادرار مبالغ مالية للأسر المنتجه في زراعة اسطح منازلها بدلا من ان تكون هذه الأسطح جزءا يشوه جمال ومعالم العاصمة. اما العقارات المطلة علي شارع أحمد عرابي وتحديدا العقار رقم 3 فقد تحولت شققه الي مطابخ للمطاعم ومخازن لشركات الاجهزة الكهربائية وغيرها. تجولنا ايضا داخل عدد من العقارات بشارع سليمان الحلبي وشارع عماد الدين، فاكتشفنا ان العقارين رقمي 14 و15 بشارع عماد الدين ، قد تحولا الي اطلال، فالشروخ والتصدعات طغت علي الاعمدة الخرسانية التي اكل منها الصدأ وشرب، كما ان الاسطح تحولت الي عشش صفيح واكوام من الردش والقمامة. قابلنا اصحاب الشقق في شوارع عماد الدين والألفي وسليمان الحلبي والذين اكدوا ان هذه العقارات الجميلة والمتطورة خارجيا ماهي الا »خرابة » من الداخل، ويقول محمد سيد أحد سكان عقار بشارع عماد الدين والذي اكد أن هذه العقارات التي كانت تنطق من الجمال في الماضي اصبحت الان في طي النسيان ولكن شيئا فشيئا استعادت هذه العقارات رونقها خارجيا فقط ولكن تبقي هذه العقارات من الداخل في طي النسيان متسائلين عن الوضع المأساوي الذي الت اليه هذه العقارات، ويضيف ان التصدعات والشروخ ملأت جدران هذه العقارات من الداخل اضافه الي تآكل القضبان الحديدية للسلالم. والتقطت منه طرف الحديث المهندسة صفية ابراهيم احدي سكان عقار بشارع الألفي والتي تساءلت عن عدم وجود اهتمام بأسطح العقارات القديمة في وسط العاصمه والتي من الممكن ان نستغلها افضل استغلال وذلك بزراعة اسطح المنازل بالخضراوات والفواكه وانهاء كابوس »العشش والكراكيب» اعلي هذه العقارات التاريخية. وأكد محمد جمعة من سكان عمارة 15 بشارع عرابي ان العقار رقم 15 أ عرابي هجره سكانه بعد تصدعه وظهور الشروخ بالعقار الامر الذي ادي الي هجرة جماعية للعقار الذي قد ينهار في اي لحظة علي قاطنيه. محمد زين من سكان شارع الألفي اكد ان الأزمة تكمن في تقاعس المحافظة عن تطوير العمارات التاريخية من الداخل ليكتفوا فقط بدهان واجهات تلك العمارات من الخارج فقط، واضاف ان سكان هذه العقارات وهو واحد منهم غير قادرين علي تطوير هذه المباني من الداخل خصوصا وانها تحتاج الي مهندسين بحرفية عالية فتأسيسها يضاهي العمارات في باريس وتحتاج الي فنيين علي مستوي عال حتي لا نستيقظ علي كارثة بانهيارها فوق رءوسنا موضحا انهم لايستطيعون الترميم وذلك لارتفاع التكلفة. الاشتراطات البنائية سألنا الدكتور محمد يوسف رئيس الشركة القابضة للتأمين، والتي تتبعها شركة مصر للاصول العقارية، عن مسئولية الشركة عما وصلت إليه حال تلك المنطقة التاريخية، فأكد حرصه علي تطبيق القانون بالتنسيق مع الأحياء وذلك باعداد خطة مع الأجهزة المعاونه.. وناشد محافظة القاهرة والاحياء عدم اصدار تراخيص الا بعد مراجعة الاشتراطات البنائية والرجوع الي الدفاع المدني وتطبيق منظومة طفايات الحرائق والحنفيات حرصا علي اخماد الحرائق قبل حدوث كارثة.. وأكد انه في حاله ثبوت اي مخالفات أو تقصير من الموظفين التابعين للشركة فسوف تحال هذه المخالفات الي الرقاابة الادارية دون تردد او تراجع. كابوس مفزع وعن دور محافظة القاهرة في تأجير الشقق والممرات المخالفة للقانون، قال اللواء محمد ايمن عبد التواب، نائب المحافظ للمنطقة الغربية، ان هذه العقارات تشرف عليها المنطقة الغربية بأحيائها، وتقوم الاجهزة يوميا بغلق وتشميع الشقق التي تحولت الي مخازن. ويضيف ان هناك تشديدا علي جميع الاحياء بمراقبة المخالفات واحباطها قبل التنفيذ واضاف ان ترميم العقارات من الداخل مسئولية السكان، وليس مسئولية الدولة مطالبا بضروة البدء في اعمال الترميم للمحافظة علي القاهرة الخديوية. وتقول د. سهير زاهي حواس، عضو الادارة المركزية لجهاز التنسيق الحضاري، ان مشروع تطوير وترميم العقارات التاريخية بالقاهرة هو مسئولية الدولة وتقوم بها علي اكمل وجه من خلال جهات متخصصة، اما داخل العقارات فيقع العبء علي اتحاد الشاغلين الذين يقطنون داخل الشقق وليس مسئولية الدولة التي تكبدت إعاده الحياة الي هذه البنايات التاريخية والتي شوهت المظهر الجمالي للعاصمة.