كارثة قطاري الإسكندرية لن تكون الأخيرة.. هذه الحقيقة المؤلمة يعرفها الجميع من المسئولين أو المواطنين، فأوضاع قطارات السكك الحديدية لا تخفي علي أحد.. تتعدد الأسباب والموت واحد.. فمعظم القطارات تعاني مشكلات فنية وغياب لوسائل الأمان.. فضلا عن تهالك البنية التحتية. »الأخبار» رصدت العديد من أوجه المعاناة والخطر داخل قطار القاهرة- الإسكندرية في أول رحلة له بعد استئناف الرحلات، ورغم الحادث إلا أن قضبان الموت لا تزال مستعدة لتكرار المزيد من الكوارث. عقارب الساعة تشير إلي الثانية ظهرا من يوم السبت الماضي حيث اتجهنا إلي محطة مصر لاستقلال قطار المراكز المتجه من القاهرة إلي الإسكندرية.. حالة من الزحام والتكدس غير المسبوق داخل محطة مصر خاصة مع تداول أخبار المصابين والوفيات لحادث قطار الإسكندرية.. الكل ينظر إلي ساعة اليد لمراقبة تحرك القطار في ساعته الثانية ظهرا ولكن الدقائق تمر والقطار يأبي أن يسير.. سباب ولعنات وسجائر مشتعلة عبر بها المواطنون عن غضبهم تجاه تأخر القطار. بدأت الساعة تتجه إلي الثالثة عصرا ورغم ذلك لم يتحرك القطار.. اتجه الركاب إلي ناظر المحطة للسؤال عن تأخر إقلاع القطار لتأتي الاجابة سريعة بان حركة قطارات الوجه البحري متوقفة بسبب حادث الإسكندرية ومن الأفضل استقلالكم سيارات ميكروباص.. كاد الركاب أن يفتكو بناظر المحطة الذي لا يبالي بتأخر الوقت واعتمادهم الرئيسي علي القطار وارتباطهم بمواعيد تم ترتيبها علي مواعيد القطار.. البعض انصرف فعلا واتجه إلي خارج محطة مصر للبحث عن بديل للقطار.. البعض الآخر اخذ ينتظر تحرك القطار ليتجهوا إلي رصيف 20 حيث الرصيف الذي يقف عليه القطار.. في حدود الساعة الرابعة عصرا ظهر أمين شرطة في مرمي الركاب ليخبرهم بان القطار سيتحرك من علي رصيف 5 هنا طوفان من البشر بدأوا في التحرك في اتجاه الرصيف الجديد علي امل تحرك القطار لتبدأ حالة من الشجار بين الركاب علي اولوية الركوب.. وبعد أقل من 10 دقائق كان القطار قد امتلأ بالركاب.. بدأ القطار يتحرك في حدود الساعة الخامسة بالركاب في تنفس الصعداء. الألم لايتوقف رويدا رويدا بدأ القطار يتحرك من محطة رمسيس ليبدأ الركاب معاناة أخري داخل القطار...داخل القطار حياة من الألم لا تتوقف.. الركاب احتلوا طرقات الفراغ بين مقاعد الجلوس وافترشوا ارضياتها.. بعض الركاب اعتادوا اصطحاب احد المقاعد الحديدية الصغيرة لتكون وسيلتهم لمواجهة عدم وجود أماكن للجلوس. في الساعة ال 5 ونص كانت نقطه التحول حيث وصل القطار لمحطة شبرا.. جحافل من البشر تصارعت حتي تستطيع النفاذ من أبواب القطار المتهالكة.. في الوقت ذاته كانت الأبواب محتلة من بعض الشباب الجالس علي ارضية هذه الأبواب مما عرقل عملية الدخول.. 5 دقائق وكان موعد الانطلاق مرة أخري في اتجاه الإسكندرية ولا تزال هناك محاولات من بعض الركاب لاستقلال القطار رغم أنه بدا في التحرك لتبدأ سماع بعض الألفاظ النابية رافقها جملة »وسع ياعم انا رجلي متشعلقة علي الباب وهنموت». ما أن تستقر الأمور تفاجأ بأن الكثير ممن استطاع الدخول لم يجد حلا إلا أن يلجأ إلي التسطيح نائما علي »التاندات» المخصصة لحمل الحقائب.. صورة غريبة تقتل كل معاني الإنسانيه.. في أثناء هذا يخترق أذنك صوت غريب يحذر الجالسين علي الأبواب من »الكوبري».. الصدمة أن هذا الكوبري كان السبب الرئيسي في بتر ارجل كثير من الأبرياء.. نصف ساعة كانت كافيه للوصول لمدينه بنها حيث تبدأ مرحلة أخري من المعاناة فالعشرات من الركاب تحاول النزول، وتصطدم في الوقت ذاته بالكثير ممن يحاول الصعود للحاق بالقطار، وهنا تحدث عشرات من السرقات والصدامات بين الركاب.. في هذا الوقت تبدأ المعاناة مع الباعة الجائلين الذين لا يعرفون أقصي مبادئ الاحترام. طريقة عرضهم للبضائع تجعلك تشعر بالقئ فهم يستغلون »الشحاتة» لكسب عطف المشترين.. في الوقت ذاته تفاجأ بشخص عفي عليه الزمن جالسا داخل الحمامات متكئا علي يده نائما.. الغريب هو تحمل هذا الشخص لهذه الرائحة الكريهة المنبعثة من هذا المكان الذي يفترض أنه خصص لراحة مرتادي القطارات.. في الساعه 7 وصل القطار لمحطة »قويسنا وبدأت رحلة القطار مع أن يصبح خاليا.. حينها تبدأ مرحلة جديدة الجميع القاطنين بالقطار استغلت فراغ الكثير من المقاعد وافترشت اقدامها المقابل لها لتبدأ رحلتها مع الراحة. مع دخول القطار محطة دمنهور بدأت سرعة القطار تتهاوي وتنخفض تدريجيا ولا سيما في المكان الذي شهد فيه الحادثة ليبدأ الركاب في الدعاء للمتوفين والمصابين وبدأت انوار القطار تنطفئ تماما ليتحول القطار إلي قطعة من الظلام.. في حدود الساعة الحادية عشر وصل القطار الإسكندرية وبدأ المواطنون في النزول من القطار ولسان حالهم الحمد لله وصلنا بالسلامة وبدأ البعض في الدعاء علي سائق القطار حيث استغرقت الرحلة أكثر من 6 ساعات في حين أنها تصل إلي 3 ساعات فقط. معاناة المواطنين يقول محمد نور، طالب، أنه اعتاد استقلال القطار يوميا من طنطا إلي الإسكندرية وأنه اعتاد علي حالة القطارات السيئة والتي لا يوجود بها أدني الخدمات التي تحترم الإنسانية. ويضيف إلي أنه بجانب الأهمال في الخدمات وعدم وجود شبابيك والحمامات غير الموجودة هناك إهمال من »الكمسارية» في تحصيل التذاكر وفي النهاية تكون الشكوي بخسائر الهيئة. ويشير إلي أن هناك الكثير من البائعين بلطجية وتعامل الركاب بطريقه التخويف حتي تبيع لهم بضاعتهم »بالغصب» وايضا يتعاملون بطريقة غير محترمة مع الركاب واحيانا كثيرة يتشاجرون معهم إذا اعترض احد علي طريقة معاملتهم معه. ويوضح نور أنه بعد الحادثة ارتاب قلبه الخوف من أن يلاقي نفس المصير الذي لاقاه ركاب الحادثة إلا أنه لم يجد مفر إلا ركوب القطار ومعني هذا تأخر القطار عن موعده لساعات دون ادني سبب ويطالب نور بان يتم الاهتمام بهيئة السكة الحديد لأنها تخدم الآلاف من المواطنين وتعد الوسيلة الابرز للنقل لأنها أرخص الوسائل بجانب أنها موفرة للوقت ولكن مع كل هذا الأهمال تستمر معاناة المواطنين. مفيش جرارات ويقول صلاح زغلول، علي المعاش، إن قطارات السكة الحديد تعاني من الإهمال وعدم الاحترام لإنسانية الركاب الذين يرتاودنها فتجد دائما الزحام واحتلال الشحاتين للطرقات بطريقة فجة بجانب هذا كله عمليات السرقات التي يستغل بها السارقين الزحام الموجود. ويضيف أن القطارات لا يوجود بها ادني رعاية حتي حمامات المياه تحولت من أماكن للراحة إلي مقاعد يلجأ إليها الركاب هربا من الزحام بالإضافة إلي شبابيك القطارات غير الموجودة بالأساس والتي تكون في اوقات الشتاء وباء علي كل من يركب. ويشير إلي أنه بسبب الحادثة الأخيرة فضلا عن غياب أية وسائل للأمان اصيبت عائلته بحالة من القلق حيث إنه اعتاد يوميا أن يستقل القطار المقبل من بورسعيد ومتجها إلي الإسكندرية إلا أنه هذه المرة حالفه الحظ ولم يستطع اللحاق به. ويتساءل زغلول عن كيفية حدوث مثل هذه الحادثة الفظيعة واين الرقابة علي العاملين بهيئة السكة الحديد ومن سيعوض أهالي هؤلاء الضحايا عن ابنائهم الذين راحوا ضحايا للإهمال. ويطالب بأن يتم النظر في قطارات السكة الحديد مرة أخري وإصلاحها بدلا من الاعطال المستمرة التي تعاني منها وفي النهاية تكون الحجة مفيش جرارات. البائعون المتجولون يقول أحمد عبدالله، بائع، أنه اعتاد العمل داخل القطارات والبيع بداخلها لأنها مصدر رزق وفير له بسبب كثرة الركاب بالقطارات وهذا ما يجعل عملية البيع والشراء مربحة. ويضيف أنه منذ الحادثة وهناك حالة من القلق يعيشها الجميع حتي البائعين المتجولين داخل القطار إلا أنه لولا حاجته للبيع لما ركب القطارات. »العمر واحد» هكذا بدأ نبيل عطا، سائق، حديثه ويضيف، إن القطار هو أكثر وسائل المواصلات في مصر إلا أنه يعاني من بعض الإهمال والتي يجب أن نتداركها ونعالجها حتي لاتتكرر مثل هذه الحوادث.