بعد أن قضيت قرابة أكثر من ساعة في مكتب الأستاذة الدكتورة فينيس كامل أول وزيرة للبحث العلمي في تاريخ مصر الحديث وبعد حوار مثمر ومهم بكل المقاييس.. ومن قبل أن أغادر مكتبها في المركز القومي للبحوث.. أصرت علي أن تعرض عليّ أنا وزميلي المصور الفنان مناع محمد أهم ألبوم صور لها.. لا تفارقه أبداً.. ويحمل لها ذكريات علي جانب كبير من الأهمية والخصوصية. ولما بدأت في استعراض ما بداخله من صور توقفت معها أمام صورة لها مع صفوت الشريف الأمين العام السابق للحزب الوطني المنحل.. ولما سألتها عنه قالت لي بعد أن قطبت جبينها وأعرضت عنه بوجهها: »هذا الرجل كان سبباً مباشراً في سقوط النظام السابق«.. وكنت أود أن يكون هذا التعليق هو بداية كتابة هذا الحوار وبكل تفاصيله.. ولكن قضايا العلم والبحث العلمي وما أعلنته من حقائق مذهلة ومخجلة عن النظام السابق وموقفه من البحث العلمي جعلني أعيد ترتيب الأولويات. وأبدأ ما في الحوار من حيث أرادت ومن حيث اختارت فتعالوا إلي التفاصيل: ألم تسألي نفسك أن اختيارك كأول وزيرة للبحث العلمي.. كان سببه أن تكملي صورة الحكومة التي كانت تعين المرأة في مناصب قيادية. أم أن سبب اختيارك هو إيمان الحكومة والنظام السابق بالبحث العلمي؟! البحث العلمي في ذلك الوقت ومن خلال متابعة متأنية من جانبي لم يكن أبداً علي أولويات البلد. أرجو ألا تخرجي عن السؤال السابق. شوف.. أنا هقولك.. أنا حينما جئت إلي وزارة البحث العلمي لم يكن هناك قبلي سياسة سوف أقوم باستكمالها. لقد كان هناك وزير دولة للبحث العلمي من قبلي وقد أقيل أو شيء من هذا القبيل، وبالتالي كانوا يريدون وزيراً جديداً، وأنا لم أكن أسعي لمثل هذا المنصب، بل فوجئت بهذا الاختيار.. وقد قيل لي إنك لا تستطيعين الوصول إلي أسباب اختيارك أو أسباب إقالتك.. ولكنك يمكن أن تستنتجي ذلك. وماذا كان استنتاجك في هذه القضية؟ لقد استنتجت أنهم يبحثون عن رجل أو امرأة لهذا المنصب بشرط أن يكون مسيحياً!. وهل هذا الشرط خاص بالبحث العلمي بالذات؟ أيوه.. كان في الوقت ده مطلوب مسيحي أو مسيحية! وذلك لاستكمال كوتة المرأة في الوزارة وكذلك المسيحيون أيضاً. معني ذلك أن اختيارك لم يكن سببه القيام بدور ما في تنمية البحث العلمي؟ لم يكن ذلك هو الهدف علي الإطلاق، بدليل أنهم كانوا يريدون وزيراً أو وزيرة مسيحية للقيام بهذا الدور، وكان هناك بالفعل وزير آخر مرشح لهذا المنصب، ولكن نظراً لخبراتي الداخلية والخارجية تم اختياري. دعينا نقترب كثيراً من البحث العلمي ومشاكله.. ونسألك: هل لم يكن بداخل شنطة يدك أية أوراق للنهوض بالبحث العلمي؟ أنا من أنصار الأسلوب العلمي الهادئ، وأول شيء فعلته فور تولي المنصب تساءلت: أين نحن.. هل هناك منظومة للبحث العلمي في مصر أم لا يوجد؟! وهل حدث ذلك كلاماً فقط.. أم كتابة؟! طبعاً بالتقارير المصحوبة بالدراسات.. ومازلت أحتفظ بنماذج كثيرة منها حتي اليوم، وعلي فكرة لقد اطلعت علي الدراسات التي تمت من قبل، ليس ذلك فقط بل درست أوضاعنا في البحث العلمي علي الطبيعة من خلال زيارات ميدانية متعددة. إذن نستطيع أن نقول إنك تولت هذا المنصب لتنفيذ رؤيتك في النهوض بالبحث العلمي!! طبعاً.. هذا ما حدث فعلاً، وقد نبع ذلك من إيماني بأن هذا البلد لا يمكن أن ينهض ويأخذ مكانته بين دول العالم بدون نهضة علمية حقيقية وتؤدي كذلك إلي تنمية تكنولوجية حقيقية. وماذا اكتشفت بعد فترة من توليك المنصب ؟ اكتشفت أن هناك بعض الجوانب الإيجابية، أما الجانب الأكبر فهو الجانب السلبي، وقتها تساءلت: كيف يمكن الوصول لما خططت له؟!.. لقد رأيت ضرورة أن يكون لنا حلم ورؤية يتمثل في كيفية الوصول إلي دولة عصرية تعتمد علي العلم والبحث العلمي مثل غيرها من الدول المجاورة. وهل شعرت بعد دخولك الوزارة وبعد إعدادك لهذه الرؤية أو هذا الحلم.. أن هناك استعداداً داخل الحكومة علي تنفيذ ما تطلبينه للنهوض بالبحث العلمي؟ المسألة لم تكن سهلة.. وقد بدأت المشوار بعمل حوارات داخل حكومة الدكتور صدقي الذي أبلغته بعد مرور شهرين علي تولية المنصب بأنني درست أوضاعنا في البحث العلمي ورأيت أنه من الضروري أن يكون هناك تعاون بين وزارتي وكثير من الوزارات، لأن البحث العلمي متقاطع مع العديد من الوزارات، ولقد واجهت صعوبات في التعامل مع هذا الوزير أو ذاك. وفي حقيقة الأمر كان من زملائي الوزراء من كان لديه استعداد للتعاون وآخرون كان لديهم إحساس بأنني أتعدي علي اختصاصهم.. من هنا أبلغت الدكتور صدقي بأن رؤيتي وأحلامي في وجود مجتمع يحترم البحث العلمي في مصر لابد من وجود هذا التعاون مع بقية الوزارات وذلك من خلال تكوين لجنة وزارية عليا برئاسة رئيس الوزراء للبحث العلمي وعضوية الوزراء الذين كانوا سوف يتعاونون معنا.. وقد كتبت تقريراً بهذا المعني فوافق علي الفور، وبالفعل تم تكوين هذه اللجنة العليا، وبدأنا العمل.. مع قيامي بتحضير البحث العلمي من خلال وضع استراتيجية والبحث عن تمويل. مصير ال 5 ملايين دعيني أسألك.. ما مصير هذه الملايين ؟! اشتغلنا وأنتجنا فعلاً منتجات بتكنولوجيا وطنية، هذه التكنولوجيا كانت تبني علي معرفة ما نريده من الاستيراد ثم نقوم بتصنيعه في مصر، وعلي فكرة لقد نجحنا في تنفيذ 53 مشروعاً بتكنولوجيا مصرية 001٪ منها مصانع لتدوير القمامة ولتنقية المياه وتحلية المياه. ولكني فوجئت في أحد الاجتماعات داخل مجلس الوزراء أن أحد الزملاء يريد استيراد معدات لتحلية مياه البحر من ألمانيا.. وعلي الفور أخبرته بأن لدينا مثل هذه الأجهزة، ودارت مناقشات.. بعدها تمسك برأيه لولا تدخل المشير محمد حسين طنطاوي الذي كان يشغل في ذلك الوقت وزارة الدفاع والذي أيد رأيي وقال وقتها: الدكتورة فينيس معها كل الحق. وأنه لابد من اللجوء إلي التكنولوجيا الوطنية بدلاً من الاستيراد. وما الفترة الزمنية التي استغرقت تنفيذ هذه المشروعات العلمية بال5 ملايين جنيه؟! استغرقت عامين.. وأثناء هذه الفترة أعددت دراسة لاستراتيجية طويلة الأجل للنهوض بالبحث العلمي. وذلك بالتعاون مع علماء مصريين وأجانب داخل مصر. مبارك والعلم وأين كان الرئيس السابق من هذه الجهود العلمية الكبيرة؟! لقد كنت في هذه المرحلة أعمل مع الدكتور عاطف صدقي الذي كان متحمساً إلي أقصي الحدود، وتجلي ذلك في تلبية كل احتياجاتي، ودعني أضرب لك مثالاً آخر علي ذلك، أننا فكرنا في عمل مشروع للاستشفاء البيئي وعلي الفور خصص لنا أموالاً أخري غير المبلغ الذي ذكرته من قبل. وعايزة أقول لك.. لقد كان لدينا حزمة مشروعات نعمل بها جميعاً وفي وقت واحد.. وكان في ذهني رغم ذلك أننا في خلال عام أو عامين ونصف العام أقدم لمصر من خلال البحث العلمي رؤية واستراتيجيات لتنفيذ هذه الرؤية خلال 51 عاماً، وكنت أري أن أموري تسير جيداً مع وزارة الدكتور عاطف صدقي، ولكن حين توسعت في أحلامي داخل البحث العلمي، فوجئت بأننا لا نملك الأموال التي سوف تساعدني علي تحقيق ذلك!.. ومن هنا كان عليّ أن ألجأ إلي رئيس الدولة.. وكانت فرصة عندما حصلت من البنك الدولي علي دراسات قدمها لدول أخري مثل ماليزيا وتركيا وأندونسيا، بل وحصلنا أيضاً علي وعود بالمساعدة المادية أيضاً، لقد أخبرت الدكتور عاطف بضرورة أن أقابل مبارك كي أعرض عليه كل ذلك الذي وافق، خاصة عندما علم بأن البنك الدولي أعطاني 2/1 مليون دولار لتمويل هذه الدراسات، وبالتالي أصبحت في حاجة إلي قرار سياسي من رئيس الدولة للموافقة وتبني هذه الاستراتيجية.. وعندما تغيرت وزارة الدكتور عاطف صدقي وجاءت وزارة الدكتور كمال الجنزوري أخبرته أيضاً بضرورة مقابلة مبارك كي أعرض عليه كل ذلك، ولكنني للأسف لم أجده متحمساً كما كان متحمساً له من قبل الدكتور صدقي.. يعني تقدر تقول إنني فوجئت في الوزارة الجديدة أنه تم إلغاء اللجنة العليا للبحث العلمي!! كما فوجئت بعدم الحماس لما خططت له من قبل، من هنا لجأت إلي رئيس الدولة. فأرسلت أولاً إلي مكتبه.. ودعني أعود بك إلي الوراء عدة أشهر.. وفي أيام وزارة الدكتور عاطف صدقي.. اقترحت عليه مقابلة مبارك، وقتها أنا فاكرة أنه طلب مني ضرورة أن أعود إليه بعد المقابلة كي أحكي له ما حدث مع مبارك!! وبالفعل ذهبت لمقابلته مع عدة طلبات كان من بينها الاقتراح بعمل احتفال سنوي بعيد البحث العلمي يتم فيه تكريم علماء مصر والحاصلين علي جوائز الدولة في العلوم، وبالفعل وافق وحضر هذه المناسبة التي كرمنا فيها الدكتور أحمد زويل، وكان ذلك في عام 5991. لقد كان الدكتور أحمد زويل أول من تم تكريمه في هذا العيد وقد اختارته لجنة عليا أشرفت علي هذه الاحتفالية. بيني وبينه وماذا دار بينك وبينه في هذه المقابلة؟! أخذ يسألني عن مشاريعي وباعتباره كان طياراً.. فكانت لديه بعض الأفكار عن الماكينات.. ويريد أن يعرف مني أكثر، ثم طالبني بالحديث عن البحث العلمي فذكرت له مطالبي وأهمية أن يكون لدينا في مصر منظومة كاملة للبحث العلمي، كما نحتاج إلي تشريعات لأن لدينا العديد من المشاكل مع تداخل في الأنشطة. كما نقلت إليه سياستي ورؤيتي وأحلامي لكيفية أن نصل إلي هذا الهدف.. حتي أنني قلت له إن هذه الاستراتيجية أعتبرها عبوراً علمياً يماثل عبور قناة السويس، هذا العبور يعني أنه لابد أن يكون في اتجاه التخلف العلمي للتخلص منه. وكيف استقبل مبارك خطتك للعبور نحو البحث العلمي بعيداً عن التخلف؟! في هذا الاجتماع لم نكن قد انتهينا من هذه الخطة وبالتالي لم أقدمها إليه، ولكنني أعطيته فكرة عن أهم ملامحها ووعدته بأن أطلب لقاءه مرة أخري كي أعرض عليه كل تفاصيل خطة هذا العبور! يمكن ده حدث أوائل عام 6991، بعدما تولي الدكتور كمال الجنزوري رئاسة الوزراء، عندئذ لاحظت عدم اهتمامه بكل هذه التفاصيل، وبالتالي لجأت إلي مكتب الرئيس.. وقد أرسلتها إليه بكل تفاصيلها، عندئذ وجهوا لي اللوم.. إذ كيف أبعث بهذه الاستراتيجية إلي الرئيس من دون أخذ رأي رئيس الوزراء. وماذا عن رد فعل مبارك علي تفاصيل هذه الاستراتيجية التي أرسلتها إليه؟! لم أتلق ردوداً، حتي أنني تكلمت مع د. أسامة الباز عن هذه الاستراتيجية ودورها في صنع مستقبل مشرق لمصر، وسألته: هل وصلتك هذه الأوراق؟ فأخبرني بأنه لم تصل إليه هذه الأوراق، عندئذ عرفت مصيرها.. ورغم ذلك واصلت جهودي من أجل هذا المستقبل فعقدنا المؤتمر القومي للبحث العلمي، هذا المؤتمر الذي حضره ممثلون عن البنك الدولي وجميع الدول المانحة.. وبعد بلورة الخطة، عرضتها علي الدكتور الجنزوري من أجل أن نبدأ في التنفيذ. 008 مليون جنيه وماذا عن تمويلها ومقداره؟! المبلغ الذي كنت قد رصدته لها يصل إلي 008 مليون جنيه.. وهي تشمل أيضاً تطوير جميع المراكز البحثية. وهل كان هذا المبلغ الكبير هو سبب تراجع الحكوة عن الوقوف معك؟! أبداً.. قلت لك المبلغ كان مقسماً علي 5 سنوات، وربما لأنها كانت تحتاج إلي موافقة مجلس الشعب بعد مجلس الوزراء، وعلي فكرة كنت قد ذهبت أيضاً إلي الدكتور الجنزوري بخطة عاجلة.. فوافق عليها ولم يوافق علي الثانية! وفي أحد اللقاءات معه.. سألته عن الخطة الآجلة.. أخبرني بأننا لا نملك خطة في مجلس الوزراء حتي عام 7102.. فكيف نوافق علي خطة خاصة بالبحث العلمي في هذا التاريخ!! عندئذ أحسست بأن هذه الخطة قد أجهضت ثم أعقب ذلك أنني تركت الوزارة! هل نستطيع أن نقول إنك قد أقيلت من الوزارة بسبب هذا المشروع؟ أم شعرت بأن هناك أسباباً أخري؟! في رأيي أنني أتمتع بفكر استراتيجي كبير، وربما خوفي علي البحث العلمي ولهفتي علي تحقيق خطوات كبيرة في طريق ذلك.. كان أحد الأسباب، وربما أيضاً إلحاحي علي تنفيذ هذه الاستراتيجية العلمية. هل كان لديك إحساس مسبق بأنك سوف تتركين الوزارة؟! فعلاً بدأت أشعر بذلك.. في ظل المعوقات التي واجهتني مؤخراً وأفشلت هذا المشروع القومي.. إلي جانب توقف مشروع المتحف العلمي الذي كان قد تم تخصيص له 03 فداناً في مدينة 6 أكتوبر لهذا الغرض، الذي كنت أهدف من ورائه إلي نشر الثقافة العلمية. مازلنا نريد معرفة المزيد من التفاصيل عن أسباب خروجك من الوزارة؟ بصراحة كانت طلباتي كثيرة.. كما كنت ألح في تنفيذها، لأنني كنت محقة فيما كنت أطلبه، يمكن ده سبب لهم قلقاً كبيراً. وهل خروجك من الوزارة رغم ما قدمتيه .. لم يلفت نظر القيادة السياسية ؟ من المفروض أنه كان يتم ذلك نظراً لما قدمته.. ولكن ذلك لم يحدث، وعارف أنا عملت إيه بعد ذلك.. أرسلت خطاباً لمبارك شرحت فيه كل هذه الإنجازات مصحوبة بالدراسات الميدانية وملاحقها.. ولم يتحرك أحد أيضاً!! البحث العلمي اليوم دعينا نقترب من احوالنا اليوم ونسألك.. هل أنت راضية عن البحث العلمي في مصر؟! طبعاً لست راضية.. وأي واحد بيحب بلده يتمني أن تكون له دولة حديثة، علي الأقل لابد أن تكون مثل تركيا أو ماليزيا أو الهند. وكيف الطريق إلي هذه النهضة العلمية؟! لابد أولاً أن يتم تطوير التعليم بكل مراحله.. بحيث يكوّن أجيالاً جديدة تحب العلم. وثانياً: ضرورة التطوير السريع لجميع المراكز البحثية الموجودة لدينا، ثم وضع خطط واضحة تبين لنا أين سنسير وكيف نحقق أهدافنا، ثم يأتي بعد ذلك التحويل، ولا ننسي ضرورة أن يكون لدينا حسن إدارة لحياتنا العلمية بشكل واضح وفيه شفافية، وكذلك البحث عن حلول لمشاكل من خلال حوار وطني هادف مع كل علماء مصر سواء في الداخل أو في الخارج.. ولابد كذلك أن يكون لدينا أهداف محددة نسعي نحو تحقيقها. موقف لا يليق قبل أن نسترسل في حديث هذه القضية المهمة.. أسألك وعليك الإجابة بكل صراحة.. هل هناك موقف بعينه ضايقك قبل خروجك من الوزارة وأحسست فيه بأنه لا يليق؟! أنا فاكرة أن هناك موقفاً حدث لي وأصابني بالدهشة والتعجب والضيق أيضاً، لقد كنت في مكتبي صباحاً، وجاءني مدير المكتب هامساً في أذني: يا سيادة الوزيرة أنا سامع ان هناك تغييراً وزارياً.. وحضرتك فيه وزير تاني جديد جاي مكانك!! تصور أنا لم أكن أعرف بهذه المعلومة.. وربما عرفها مدير المكتب، إما من وسائل الإعلام أو أنهم أبلغوه بذلك. وما مدي صحة هذا الهمس؟! كان صحيحاً جداً لأنني، وبعد أقل من ساعة عرفت بأنهم أخرجوني من الوزارة واختاروا بدلاً مني الدكتور مفيد شهاب، وكان من عاداتي أن آتي إلي مكتبي في الصباح وأظل به ربما إلي ساعات متأخرة من الليل. وماذا كان إحساسك في هذه اللحظة؟! تعرف أنني لم أحزن علي خبر خروجي من الوزارة بقدر حزني من إلحاق وزارة البحث العلمي إلي وزارة التعليم التي تولاها الدكتور مفيد شهاب، عندئذ عرفت بأن البحث العلمي قد انتهي، وبالفعل صدق إحساسي أيضاً، إذ وبعد عدة أشهر ألغوا اللجنة العليا للبحث العلمي كما أوقفوا العمل بمتحف العلوم الذي كنت قد بدأته في مدينة 6 أكتوبر. نعود مرة أخري ونسأل عن ترتيبنا العام دولياً في مسألة البحث العلمي؟! نحن مصنفون عالمياً بالفعل يمكن 431 علي مستوي الدول!! وربما هذا الرقم غير دقيق بالضبط.. إنما نحن إجمالاً نعيش في حالة تأخر في مجال البحث العلمي، يعني تقدر تقول نحن من الدول المتأخرة! ليس ذلك فقط.. بل والأكثر دهشة من ذلك أننا نزداد تأخراً للأسف!! بالنسبة لمشروعاتك المستقبلية.. هل تخليت عنها بمجرد خروجك من المنصب؟! أبداً.. لقد كنت علي اتصال دائم بكل من جاءوا من بعدي.. لتنفيذ هذه الاستراتيجية.. وبلا توقف، ليس علي المستوي المحلي فقط، بل وأيضاً علي المستوي الدولي. النظام السابق وهل يرجع سبب هذا التأخر إلي عدم اقتناع النظام السابق بأهمية البحث العلمي؟ طبعاً.. هذا هو السبب الرئيسي الذي ينبع من عدم اهتمام النظام السابق وعدم إيمانه بأهمية البحث العلمي، ولعل ذلك يبدو لنا بوضوح في عدم اهتمام الدولة بالعلماء، وتدني مرتباتهم إلي آخر هذه الملامح. في تصورك. كم نحتاج من الأموال كي نبدأ مرة أخري مسيرة البحث العلمي بعد الثورة ؟! في اعتقادي أن الأموال تأتي في المرتبة الأخيرة.. وأهم من هذه الأموال هو ضرورة وجود إيمان لدينا بأهمية وقيمة البحث العلمي!! وعايزة أقول لك إنه رغم التخلف العلمي الذي نعيش فيه حالياً.. إلا أننا نستطيع وفي فترة وجيزة من اللحاق بركب العلم وهناك وسائل لبلوغ هذه الغاية. وما رؤيتك الشخصية عن مصير البحث العلمي بعد انهيار النظام السابق؟! لعلي أتوقع وفي ظل وزارة الدكتور عصام شرف أن تكون هناك نهضة علمية كبيرة، لأنني أعرفه شخصياً وأعرف مدي تقديره للعلم وللعلماء، ولعلك لا تعرف أنه قد زارني هنا في مكتبي قبل ثورة الشباب بحوالي شهرين كي يدعوني للانضمام إلي جمعية عصر العلم، وكان هو رئيس شرفي لهذه الجمعية. ثورة الشباب ما رأيك في ثورة الشباب؟! كانت ثورة مذهلة.. وعلي فكرة أنا شاركت فيها!! وكيف تمت هذه المشاركة؟! ذهبت إلي ميدان التحرير قبل تنحي الرئيس السابق ربما بيوم واحد. وكنت هناك معهم من أجل أن أستمتع بما كان يفعلونه ويرددونه من شعارات، كما كنت أشعر بأن هذه الثورة سوف تنجح، لأنني رأيتها ثورة وليست حركة احتجاج أو مجرد مظاهرة! وكنت أقول لهم إنكم سوف تنجحون، وكذلك عندما وصلوا إلي ما أرادوه.. وجهوا لي الشكر لأنني كنت من بين الذين توقعوا نجاحهم الباهر. وماذا فعلت في هذا اليوم ؟ ذهبت إلي هناك بمصاحبة أحد أقاربي الذي كان في زيارتي عندما جاء من أمريكا، وهو أحد شباب مصر الذين كانوا يريدون معرفة تفاصيل هذه الثورة وأهدافها. وهل رددت شعاراتهم؟! لا.. ذهبت من أجل لقائهم ومعرفة ما يقومون به علي الطبيعة، وأخذت معهم صوراً كثيرة، حتي أن قريبي كان يريد السفر فوراً فطلبت منه الانتظار لأن الثورة سوف تنجح، وسوف يزول هذا النظام! وهل تنحي مبارك كان بمثابة مفاجأة لك؟! لم يكن هذا التنحي مفاجأة لي بالمرة.. بل أحسست أن هذا القرار قد جاء متأخراً جداً!! لقد تمنيت أن يعلن هذا القرار في أول خطاب له بعد ثورة الشباب! ولماذا تصورت أنه قد تأخر في قراره؟! لأن الشعب قد أراد هذا، ولأنه لم يعد يعطي أكثر من ذلك! كما أن الدولة والنظام قد أصابه الشيخوخة ولم يعد قادراً علي مسايرة حياتنا كما نريد. بمناسب حديثك عن ثورة الشباب.. فهل مازلت تخافين عليها؟ لا.. رغم وجود فوضي.. أو شيء من الفوضي، وهذا ما حدث عقب كل ثورات العالمي، إنما الشطارة المطلوبة منا هو التقاء الحكماء مع الشباب من أجل تقليل الفترة الانتقالية باستخدام الأسلوب العلمي وزيادة الوعي وتكنولوجيا المعلومات التي ساهمت بشكل كبير في إنجاح هذه الثورة. معني ذلك أنك لا تؤمنين بالثورة المضادة؟! صحيح هناك أحداث وقعت ولكني لا أميل إلي تضخيمها أكثر من اللازم. ولا أريد حتي أن ألتفت إليها.. وذلك في ظل سيادة القانون. الفتنة الطائفية هل تؤمنين بأن لدينا في مصر فتنة طائفية؟! طبعاً موجودة.. يمكن نسميها احتقان طائفي وليست فتنة، وهي علي فكرة كانت موجودة منذ السبعينيات ولكنها زادت هذه الأيام وبشكل غير مسبوق، وقد بدأت بالاحتقان منذ الفترة الماضية نظراً لوجود التميز السلبي الذي يواجه الأقباط حتي في ظل ما حصل عليه بعضهم من امتيازات أو مناصب. وبالتالي علينا الإسراع في علاجها حتي لا تتحول إلي حرب أهلية. وكيف يمكن لنا الخروج من أزمة هذه الفتنة؟! ضرورة وضع استراتيجية طويلة الأمد.. بحيث نصر مثلاً خلال عامين أن نقلل منها إلي 05٪ وبعد 4 سنوات تنتهي تماماً. وعلي فكرة هذه مشكلة لا يمكن حلها غداً أو بعد غد.. وعلينا كذلك الابتعاد عن المسكنات، والسعي نحو حلها بشكل جذري يقوم علي العلم، ولقد سعدت كثيراً لصدور القوانين الأخيرة الرادعة لمثل هذه الفتن. سوزان ثابت قرأت لك في أحد الحوارات أنك كنت زميلة لعدد من النساء اللاتي تولين المناصب الوزارية وكذلك الملكة ناريمان.. فماذا عن سوزان مبارك؟! لم تكن في هذه المدرسة. وما رأيك في شخصية سوزان مبارك؟! قامت بأعمال اجتماعية طيبة.. ولكن سطوتها السياسية وتدخلها في شئون البلاد كان له آثار سلبية كثيرة عليها وعلي أسرتها.