صدق الدكتور سمير رضوان وزير المالية عندما وصف الحديث عن حجم المليارات المنهوبة بأنه عبث بمشاعر المواطنين ودعا الي ضرورة ايقاف هذا العبث. وقد وصل الامر الي حد توزيع ورق في الاتوبيسات لحساب نصيب كل فرد في هذه الاموال.. وصدق عندما أكد ان الاموال المنهوبة لكي تصل الي خزائن الدولة تتطلب اجراءات طويلة.. ولذا لا يجب ان ننساق وراء هذا السراب!. واخشي ان يتعرض البسطاء للتضليل حول ما يتردد عن تلك المليارات المنهوبة، وتحديد نصيب كل فرد من هذه الاموال بحوالي 581 الف جنيه، وقد صدق الكثيرون هذه المقولة ولا اعلم كيف حسبوها؟ وكيف صدقوا الشائعة الكاذبة التي لاقت رواجا وانتشارا في الاحياء الشعبية واخذوا يرتبون حياتهم علي ذلك ويفكرون في شراء التوك توك وغيره ليستريحوا من العمل.. ويتعمد الذين يروجون ذلك في الاتوبيسات والمقاهي وفي العشوائيات ان يجمعوا ما ينشر في الصحف عن مليارات رموز النظام السابق لكي يثبتوا للبسطاء الغلابة حقوقهم في تلك الاموال.. ولذلك اقول ان تلك الشائعات تصل الي حد المؤامرة علي الحكومة التي تعاني من الازمة الاقتصادية!. وجاء كشف الحساب الذي صارح به الدكتور سمير رضوان بمثابة الضوء الكاشف لمعرفة حقائق وضع الاقتصاد المصري بعد 52 يناير والذي يتحمل خسارة ثلاثة مليارات دولار كل شهر في ميزان المدفوعات، بالاضافة الي انفاق ثلاثة عشر مليار دولار في ثلاثة شهور لمساندة سعر صرف الجنيه.. وحسب ما اوضحه وزير المالية ان السياحة تخسر مليار دولار شهريا، كما نقصت الصادرات 04 في المائة وكل ذلك سيظهر اثره في عجز الموازنة الذي كان 9.7 في المائة ووصل الان الي 5.8 في المائة، ولو تم تلبية جميع المطالب في السنة المقبلة فسوف يكسر العجز حاجز 01 في المائة.. ويكفي ان موازنة العام الحالي تحتاج 2 مليار دولار خلال مايو ويونيو.. وقد تبدو هذه الحقائق الصادمة بمثابة »الفزاعة« حتي يفيق المواطنون من الاوهام ويدركوا حجم الازمة الاقتصادية ويتفهموا انه لابديل عن الانتاج في مواجهة الموقف الصعب. فما هو المطلوب اذن؟ وما هو العمل حتي لا يظن احد ان الحكومة تستخدم ذلك »فزاعة« للتخويف؟ ضرورة الاعتماد علي الذات قبل المساعدات الخارجية في بناء الاقتصاد المصري في هذه المرحلة الصعبة.. واتخاذ اجراءات سريعة حسب رؤية وزير المالية للتغلب علي تداعيات الازمة وتنشيط الاقتصاد، مثل سداد ديون شركات المقاولات وتشجيعها علي تنفيذ عدد من مشروعات البنية الاساسية. خطة واضحة للتوسع في المشروعات المتوسطة والصغيرة التي يمكن ان تولد 24 في المائة من قوة العمل المصرية وهو ما يعتبر لازما لحل مشكلة البطالة »مثل تخصيص بنك لتمويل المشروعات الصغيرة كما حدث في بنجلاديش«. اقامة مشروعات قومية شرق القناة وفي سيناء وغيرها. ان الحكومة تسعي للخروج من عنق الزجاجة وقد يستغرق ذلك ستة شهور ولكن هناك مشكلة السحب النقدي المستمر من احتياطيات البنك المركزي لسداد الاحتياجات من الواردات.. وقد انخفض هذا الاحتياطي الي 03 مليار دولار بعد ان وصل الي 34 مليار دولار أواخر عام 0102 قبل 52 يناير ويبلغ معدل السحب قرابة ثلاثة مليارات دولار كل شهر. ومن تداعيات الازمة تراجع معدلات النمو ومن المتوقع ان تنخفض الي 2 في المائة خلال العام المالي الجديد!. ولذا لابد من المصارحة بكل حقائق الازمة وابعاد الموقف فقد انتهي عهد »كل شيء تمام« ويكفي ان معهد التخطيط القومي قدر الخسائر التي لحقت بالاقتصاد المصري علي مدي مائة يوم بنحو 07 مليار جنيه وشملت قطاعات الصناعات التحويلية والتشييد والبناء والسياحة وقناة السويس، وتوقع التقدير تراجع تحويلات المصريين بالخارج الي اقل من سبعة مليارات.. وبينما توقع تقدير معهد المالية الدولي الامريكي ارتفاع التخضم الي 5.11 في المائة وانخفاض معدل النمو الي 5.2 في المائة!. لاشك ان المبالغة في وصف ما يكتشف من الفساد يعتبر بمثابة »الفزاعة« التي تخيف المستثمرين العرب والاجانب من الاستثمار في مصر وينعكس التهويل بالسلب علي اجتذاب المزيد من الاموال التي يحتاجها الاقتصاد المصري للخروج من عنق الزجاجة وتجاوز الازمة في وقت محدود، وما ينشر عن حجم الفساد في النظام السابق لا يساعد علي الاطمئنان بل انه قد يؤدي الي احجام المستثمرين ويدفعهم الي اسواق اخري توفر لهم الاطمئنان والشفافية، واذا كنا نسعي لتشجيع دول الخليج علي الدخول باستثمارات كبيرة لمساعدة مصر فان ذلك يتطلب الامن والاستقرار. ولاشك ان هناك انطباعا خاطئا وهو الانتظار حتي تتم استعادة الاموال المنهوبة من الخارج حتي تتحسن الاوضاع المعيشية، وذلك ليس صحيحا لانه ليس الطريق لاقامة اقتصاد قومي.. لانريد ان نعيش في الاوهام ونعتمد علي الاكاذيب لان الاموال المنهوبة لن تعود بين يوم وليلة، ولن تعود كلها لأن هناك مليارات دخلت في حسابات سرية وباسماء اخري وفي شركات متعددة الجنسيات وفي غسيل الاموال ومن الصعب تعقب حركتها!.