هجوم لاذع وانتقادات هدامة وسخرية وتهكم ومطالب بإغلاقها.. هذا أول ما واجهته لجان الفتوي بمحطات مترو الأنفاق عبر وسائل التواصل الاجتماعي في أول ظهور لها بعد توقيع بروتوكول اقامتها بين مؤسسة الأزهر ممثلة في مجمع البحوث الإسلامية ووزارة النقل ممثلة في هيئة مترو الأنفاق ، وكأن هذه اللجان معصية أو ظاهرة سلبية تساهم في هدم ثوابت وقيم المجتمع ، وعند البحث عن أسباب الهجوم تجدها غير مقنعة وغير مبررة منها علي سبيل المثال المطالبة بإغلاقها حتي لا تحدث فتنة طائفية بين المسلمين والمسيحيين أو أن نظام »الكشك» المخصص لذلك لا يليق برجل الدين ، في حين أن هناك العديد من الظواهر السلبية والإسفاف علي مرأي ومسمع الجميع في وسائل الإعلام والسوشيال ميديا ولا يتم انتقادها بهذا الشكل وقد يكون غض الطرف عنها متعمدا أحيانا . » الأخبار » استطلعت رأي بعض علماء الأزهر المشهود لهم بالخبرة والكفاءة لتوضيح أمر هذه اللجان والرد علي المطالبين بإغلاقها . بداية قال د. عبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية إن لجان الفتوي الموجودة حاليا بمحطات مترو الأنفاق وسيلة فاعلة وقوية جاءت في ظل الظروف غير العادية التي يحارب فيها الفكر الديني من قبل المتشددين والمتطرفين ، وأكد ان أي وسيلة من شأنها مواجهة التطرف وتصحيح المفاهيم يجب دعمها بكل قوة لضمان نجاحها أما الانتقاد والهجوم فلن يجدي بل علي العكس سيساهم في نشر التطرف والإرهاب. وأضاف: »لو أن شخصا يستقل المترو ضلله أحد المتطرفين والمتشددين بفتوي معينة وتوجه الي إحدي هذه اللجان بالمترو وصححت له هذه الفتوي فهي بذلك قد تمنع تفجيرا او عملا إرهابيا يودي بحياة العشرات أو المئات» . وطالب النجار المهاجمين بالكف عن السخرية والاستهزاء من هذه اللجان وتركها تعمل وسط الجماهير والالتحام معهم فمن يقول ان الفكرة عمل طائفي ضد المسيحيين فهو قول خاطئ فهذه اللجان حائط صد لهم فالقاتل يستهدف المسيحي قبل المسلم وذلك بسبب فتاوي التكفير واباحة قتل كل من هو غير مسلم وهذه اللجان من شأنها تصحيح هذا الفكر الشيطاني. كما أن هذه اللجان من شأنها تقريب المسافات بين المؤسسة الدينية والمواطن حيث توفر علي المواطن التوجه إلي دار الإفتاء والأزهر الشريف بالمواصلات إذا كان متكاسلا ، الامر بصفة عامة جيد ولايمكن بحال من الأحوال القول بإغلاقه نهائيا لأننا بذلك نقطع الوصل بين المواطن في الشارع والمؤسسات الدينية. بينما هاجم الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوي بالأزهر سابقا منتقدي إقامة لجان الفتوي بمحطات المترو وأكدا أن هذه اللجان من شأنها التيسير علي المواطنين والالتحام مع العامة والخاصة في العصر الذي نعيشه الآن والذي طغت فيه الماديات علي كل شيء مما دفع الناس إلي الانشغال بالدنيا عن الآخرة . وأضاف أن السلطات السعودية تقيم مكاتب للفتوي بالطرقات العامة والشوارع المجاورة للحرم المكي وذلك من باب التيسير علي المواطنين والاستفسار عما يهمهم من أمور الدنيا والآخرة. وتابع الأطرش : »إن أحد العلماء كان يقول سير الواعظ بزيه الأزهري في المدينة أو القرية هو في حد ذاته وعظ حتي ولو لم يتكلم مع الناس. وبين أن انتشار مثل هذه اللجان تذكر المواطن بالآخرة التي انشغل عنها الكثير منا بسبب أمور الحياة الصعبة». وأوضح أن من ينتقد هذه اللجان ويطالب بإلغائها فهم لا يريدون نشر سماحة الدين ولا يريدون أن ينجو الناس من طمع الدنيا وجشعها فهذا هو دأبهم وأطالب المسئولين بالدولة ألا ينظروا إلي قولهم ولا يعتدوا بآرائهم فالفكرة رائعة وسيكون لها عظيم الأثر بين المواطنين مع مرور الوقت خاصة في مكافحة فتاوي المتشددين والمتطرفين وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي تشبثت بأذهان العامة. من جانبه انتقد د. محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية الهجوم الضاري الذي يشنه البعض علي لجان الفتوي الموجودة بمحطات مترو الأنفاق مؤكدا ان هؤلاء المنتقدين يخشون من تقلص أدوارهم في المجتمع وتتواري وتتكسر أمام التحام الجماهير مع المؤسسات الدينية. وأضاف أن هذا المطالبات والانتقادات إسفاف وعمل غير لائق ويجب عدم الانصات له او الرد عليه من الأساس لأنهم بذلك يقلصون دور المؤسسات الدينية المطلوب منها دائما مواجهة الفكر المتطرف وتصحيح المفاهيم المغلوطة وهذا لن يحدث مطلقا إلا بالالتحام مع الجماهير والمتابع للأمر يجد اقبالا كبيرا جدا من المواطنين علي هذه اللجان وهو ما يؤكد قبول الناس للفكرة وتأييدهم لها وكأنهم كانوا ينتظرون إقامتها. وأوضح أن هذه اللجان هي من صميم تجديد الخطاب الديني بل تعد نقلة نوعية في مواجهة التطرف وتصحيح المفاهيم المغلوطة، فعن طريق هذه اللجان تستطيع المؤسسات الدينية التعرف عن قرب عما يفكر به المواطنون والتركيز عليه بشكل عام في الخطة الدعوية المتكاملة بين المؤسسات الدينية فمثلا إذا وجدنا ان هناك موضوعات محددة يسأل فيها المواطنون فيتم حصرها والتركيز عليها من خلال خطبة الجمعة او البرامج الدينية في الراديو والتلفزيون وهكذا ، فالفكرة ناجحة بكل المقاييس سنخسر الكثير حال إغلاقها . بدوره قال د. محيي الدين عفيفي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: »تابعت باهتمام كبير ما يدور في وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات بشأن مكتب الفتوي بمحطة الشهداء بمترو الأنفاق، وأود أن أوضح أن الفكرة جاءت استجابة لرغبة أعداد كبيرة جدا ممن يستقلون مترو الأنفاق يوميا خاصة بعد نجاح التوعية الثقافية لوعاظ مجمع البحوث الإسلامية في شهر رمضان من خلال الإذاعة الداخلية لمترو الأنفاق عقب الاتفاق بين مجمع البحوث الإسلامية وشركة مترو الأنفاق. أضاف أنه نظرا لحاجة المواطنين إلي رأي علماء الأزهر الشريف الذين يثقون فيهم ويحتاجون إلي سماع إجاباتهم عن الأسئلة التي تشغل عقولهم؛ خاصة في ظل الأفكار المغلوطة التي تبثها تيارات التكفير والغلو والتعصب باسم الدين، فاستجاب مجمع البحوث الإسلامية لرغبة المواطنين وقام بتفعيل مكتب الفتوي، والذي كان الهدف منه محاربة الفكر المتطرف وتعزيز الانتماء الوطني ودعم جهود الدولة في محاربة الإرهاب وذلك من خلال تصحيح المفاهيم المغلوطة وبيان سماحة الإسلام ويسره والتأكيد علي قيم الرحمة والمحبة والتعاون بين الناس ودعما لجهود المرصد العالمي للأزهر الشريف الذي يبث رسائله بأكثر من عشر لغات أجنبية. أوضح أنه كان من ضمن أهداف إنشاء مكتب للفتوي بالمترو هو الالتحام بالمواطنين وحماية الشباب من خطر الفكر التكفيري وتوفير مصدر معلومات ييسر علي الناس الحصول علي المعلومات الصحيحة من علماء الأزهر الشريف، مشيرا إلي أننا نود التأكيد علي أن هذا العمل يدعم الدولة المدنية ويرفض الدولة الدينية ويحترم التعددية الدينية والمذهبية الفكرية. وتابع عفيفي قائلاً: »إننا ندعو من ينتقدون الفكرة أن يضعوا المصالح العليا للوطن أمام أعينهم؛ لأن الأزهر الشريف كان وما زال الحصن الأمين للدولة المصرية وللعالم الإسلامي بوسطيته، ولا يحتاج إلي مكاتب جديدة ولكن التحديات التي يمر بها الوطن تفرض علينا الالتحام مع الواقع وحماية الوطن والمواطن». من جهته قال الشيخ سيد توفيق، مشرف لجان الفتوي بمجمع البحوث الإسلامية، »إن لجان الفتوي الموجودة بمحطات مترو الأنفاق تلقت منذ بدء عملها منذ 12 يوما فقط 1500 فتوي من مختلف المواطنين ذكورًا وإناثًا، حيث تركزت أغلب هذه الفتاوي عن الطلاق والإلحاد والأحوال الشخصية، مؤكدًا أن هذه اللجان ستحقق نجاحًا منقطع النظير في مواجهة الفكر المتشدد والمتطرف حال استمرارها. وأضاف، أن هذه اللجان تعمل بكل جدية دون الالتفات لسهام النقد والسخرية التي ملأت مواقع التواصل الاجتماعي من قبل بعض المتشددين وأعداء الأزهر. وأوضح أن عمل اللجان مستمر حتي تأتي تعليمات الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بالاستمرار أو التوقف، متمنيا أن تستمر هذه اللجان في عملها خلال الفترة المقبلة؛ لما لاقته من استحسان المواطنين والتفاعل الجاد معها، والذي يعكس حب ومكانة الأزهر في قلوبهم.