معلوم للقاصي والداني ان الانظمة الشمولية الحاكمة في تونس ومصر وليبيا واليمن سارعت الي اتهام الثورات الشعبية التي اندلعت مطالبة بإسقاطها، بأن وراءها عناصر خارجية، ووسطها عناصر مندسة. وبالتالي لها »اجندة« اجنبية يقدم اصحابها للمتظاهرين الدعم بمختلف اشكاله ابتداء من »الكنتاكي« اياه، وطبعا لعب الاعلام الرسمي الحكومي لعبته التقليدية فعمل علي نشر وترويج تلك الادعاءات التي سقطت وتجلي زيفها بمجرد نجاح ثورة تونس وثورة مصر، وقد انضم النظام السوري الي جوقة ترديد الحديث عن العناصر المندسة والخارجية و»الاجندة« اياها، مما اثار سخرية البعض والربط بما ادعته الانظمة الاخري، لكنني اختلف مع هؤلاء الساخرين الرافضين لما اعلنه بشار الاسد ورجاله، اذ انني اري ان حالة سوريا مختلفة الي حد كبير، وما تشهده الساحة السورية في هذه الايام يمكن ان يكون وراءه بشكل او بآخر اكثر من مخطط اجنبي، ويكفي ان نلقي نظرة متأنية علي حدودها المباشرة مع اسرائيل ولبنان، واضعين في الاعتبار حقائق لا تقبل الجدل، فإسرائيل لا ولن تغفر لبشار دوره في سياسة »الممانعة« والتصدي للخطط الاسرائيلية والامريكية والغربية، والتقارب مع ايران، وطبعا لا ولن تغفر له دوره في مساندة ودعم »حزب الله« الذي وجه لها ضربات موجعة اربكتها وقامت بتعرية اسطورة جيش الدفاع كما حدث له في حرب اكتوبر، وفي الجانب الاخر من الحدود نري الشقيقة »لبنان« حيث يوجد فيها مسئولون مثل الاخ »جعجع« الذي شارك رجاله »مع الاخرين« في ضرب العلاقة الاخوية بين سوريا ولبنان، ومازال يحرك المؤامرات ضد سوريا، هذا بالاضافة الي شبكات التجسس الاسرائيلية المنتشرة في لبنان وربما في سوريا والتي لا يكاد يتم الكشف عن شبكة كبيرة الا وتظهر شبكة اكبر واخطر!!. اذن هذا هو الواقع الجغرافي والديمواجرافي والسياسي المحيط بسوريا، وقد حانت الفرصة الذهبية لتلعب الاصابع الاجنبية لعبتها، ليس فقط لضرب واسقاط النظام الحاكم، ولكن لضرب واسقاط الدولة ذاتها خاصة وانها تضم بين جوانحها عرقيات وطوائف مختلفة يمكن جدا ان تتصادم وتتصارع، وينتهي الامر لا قدر الله بتفتيت »الدولة« وتحويلها الي كيانات صغيرة متشرذمة متصارعة كما تحلم وتخطط اسرائيل، وقد كان واضحا لكل ذي عينين كيف تحركت تلك القوي المتربصة لاستغلال المظاهرات التي اندلعت في عدة مدن سورية، فقامت بعملية صب الزيت علي النار لتزيدها اشتعالا، وما ايسر من ان ينطلق الرصاص الغادر من خلف رجال الامن في اتجاه المتظاهرين ليسقط منهم قتلي وجرحي فيزداد الغضب الجامح، ويرتفع بالتالي سقف المطالبات والهتافات، وفي الوقت ذاته يتم عمل اكمنة لبعض رجال الجيش والامن لقتل بعضهم حتي تزداد المشكلة سخونة وتعقيدا بالرغم من القرارات التي اتخذها الرئيس السوري، والتي كان من الممكن ان يتم قبولها والترحيب بها قبل تلك التطورات المريبة. ولكن اذا كنت الفت الانظار الي نظرية المؤامرة و»الاجندة« اياها، وما تقوم به العناصر الخارجية استغلالا للثورة السورية الشعبية فانني بالتأكيد لا ادافع عن الرئيس بشار ورجاله وحزبه، لا ادافع اطلاقا عن نظام بوليسي يمارس القمع والقهر ضد شعبه منذ عشرات السنين، واذا كان المناخ الشمولي الاستبدادي الذي سيطر علي الامة العربية قد شجع هذا النظام علي مواصلة تلك السياسة القمعية، الا انه كان عليه ان يستوعب فورا المتغيرات الهائلة التي خلقتها الثورات الشعبية في مصر وتونس، وما اكدته من انطلاق ربيع الثورات العربية دون توقف مهما كانت محاولات اجهاضها عنيفة ووحشية، كان علي »بشار« ونظامه ان يتحرك فورا علي طريق الديمقراطية الحقيقية، ويسمع جيدا نبض شعبه المعروف بحيويته والمتلهف لاستعادة الحرية بمعناها الواسع والشامل، كان عليه ان ينتبه الي خصوصية الحالة السورية المتمثلة في تربص واستعداد قوي خارجية تضمر لنظامه العداء السافر، كان عليه ان يستوعب نتائج تأخر الانظمة الحاكمة في تونس ومصر وليبيا واليمن في الاستجابة لمطالب الشعب، وما ادي اليه هذا التأخر من تزايد اصرار الثوار، وارتفاع سقف المطالبات وبدلا من المطالبة بإلغاء الطواريء والافراج عن المعتقلين، وحرية التعبير، تدوي الهتافات مطالبة باسقاط النظام!!. اخيرا اقول كان علي »بشار الاسد« ان يحذر السقوط في منزلق العناد الاحمق والانصياع وراء من يوسوسون له بأن النظام قوي، وأن المتظاهرين اضعف من ان يمثلوا خطرا حقيقيا عليه، لكنه للاسف تجاهل كل المؤشرات الواضحة فأطلق يد الامن الباطشة لتهتز اركان نظامه، بما ينذر بقرب سقوطه، ويتبقي الامل في الا تسقط الدولة ذاتها.. وتستسلم للمخطط المتربص بها، لان بقاءها متماسكة موحدة متمتعة بالديمقراطية والحرية، اضافة ضرورية للصورة الجديدة للامة العربية التي ايقظتها وأحيتها الثورات الشعبية.