حتي الآن لم ينجح الانسان في التوصل إلي أسرار عملية التخاطر بين البشر.. ان تنتقل الافكار من شخص لآخر دون اتصال مباشر، أو عبر وسيلة مادية، وفي الأغلب دون ان يكون قد تم أي لقاء بينهما، وقد تفصلهما مسافات شاسعة، لكن يبقي ان ما يحدث يكون بين عقلين بشريين برغم كل ما يحيط بالأمر من إثارة. الآن فإن التخاطر بصدد قفزة ثورية هائلة، إذ يكون في نسخته المرتقبة بين الانسان والآلة! مثلا: بمجرد التفكير يتواصل شخص ما مع هاتفه المحمول ليطلب رقما معينا! مثال آخر: يمكن للسائق ان يحرك سيارته اعتمادا علي توجيهها بموجات تصدر عن مخه دون ان يستخدم يده او قدمه! هكذا يتحول التخاطر من انتقال للافكار فيما بين البشر، الي امكانية التفاعل بين انسان وجهاز أو آلة، باستخدام الافكار فقط، ويعد ذلك تتويجا لابحاث طويلة كان هدفها إبتكار آليات للربط بين المخ البشري والكمبيوتر بصورة مباشرة. واذا كانت عملية التخاطر فيما بين البشر يعوزها عملية الضبط والتقنين علي اسس علمية وتجريبية، فإن الأمر يختلف تماما عندما يتعلق فيما يحكم التخاطر بين الانسان والآلة. ورغم ان العلماء قطعوا شوطا مُعتبراً في تجاربهم، إلا أن انتقال الفكرة من مرحلة التجريب إلي التطبيق علي نطاق واسع مازالت بحاجة الي مزيد من الجهود، لكن ثمة ما يمكن البناء عليه، ويبشر بتجاوز الفكرة لطور الاغراض البحثية إلي الاستخدامات الواسعة في مدي زمني غير بعيد. فرق من العلماء تسهر علي انضاج الفكرة في معامل عدد من الجامعات الاوروبية والامريكية. في الولاياتالمتحدة يعمل عدد من الباحثين بجامعة كاليفورنيا علي تطوير اسلوب لطلب المكالمات عن طريق المحمول باستخدام الافكار فقط، دون اللجوء الي الاصابع لضغط الازرار، اكتفاء بالتفاعل بين مخ القائم بالاتصال والمحمول ! وفي المانيا، تشهد جامعة برلين الحرة تجارب لقيادة السيارات لا يلجأ فيها السائق إلا إلي مخه، عبر جهاز أشبه بسماعات الرأس يتتبع الموجات الصادرة عن مخ السائق ، بينما الكمبيوتر يحول الافكار لاوامر الكترونية توجه السيارة! الطريف ان الدافع الرئيسي وراء اجراء هذه التجارب كان مساعدة الاشخاص الذين يعانون من إعاقات، تجعل من الصعب تعاملهم مع الآلات والاجهزة، سواء كانت صغيرة الحجم كما الحال بالنسبة للمحمول، او ضخمة نسبيا شأن السيارة، إلا أن النتائج التي تم التوصل اليها قد تشجع علي إحداث نقلة نوعية في المستقبل في العديد من الصناعات. ربما يبدو الامر مثيرا اذا تم انتاج اجهزة محمول دون ازرار، أو سيارة دون دواسات أو عصا لنقل الحركة، لكن الأكثر إثارة أن تنتقل الفكرة إلي مجال صناعة الاجهزة المنزلية، وان يكون متاحا لصاحب البيت ان يتحكم في تشغيل كل ما هو موجود في منزله بمجرد ان يعن له الامر، وعن بعد! يبقي هناك سؤال مزدوج سيظل يشغل العقول: إلي أي مدي تصل أبحاث ربط المخ البشري بالكمبيوتر كوسيط للتحكم في الاجهزة؟ ثم هل يقود ذلك الي علاقة وجدانية بين الانسان والآلة؟