الي متي نظل أسري الذي كان بعد سقوط النظام؟ والي متي تبقي نظرتنا الي الوراء ونجتر ما حدث علي مدي ثلاثين عاما؟ والي متي لانتجه الي الامام بالرؤية الواعية ونعود الي الانتاج بكل الجهد بل واكثر من السابق حتي نعوض الخسائر ونمضي في طريق البناء والطموح ونقوي دعائم الاقتصاد المصري وبما يتجاوز الازمة؟ الي متي.. ولا وقت للضياع؟. أتصور ان التفكير في المستقبل يجب ان يكون محور الاهتمام بعد نجاح الثورة ويكون الهدف الاساسي للعمل الوطني، فان العالم ينظر الي مصر ويرصد خطواتها ويتابع مسيرتها سواء من جانب الاصدقاء او الاعداء لانها دوما وابدا النموذج والقدوة في المنطقة.. ودعونا نترك محاسبة الماضي ومحاكمة رموز الفساد للقضاء المصري العادل والنزيه والذي يسترد الحقوق ويطبق القانون ضد الفاسدين والمنحرفين، ودعونا نتفرغ للاصلاح والتقويم واقامة دولة القانون والديمقراطية.. ودعونا نسترد عافية الوطن ونحشد طاقاته الخلاقة وننتبه الي قوي الظلام والتضليل التي تريد سرقة الثورة والخروج بها عن المسار الصحيح. فان ما يثير الانزعاج حقا ان نتفرغ لاجترار الماضي المؤلم، وكأنما توقفت عقارب الساعة عند النظام السابق وبينما الوطن في سباق مع الزمن لكي نعوض الخسائر ولكي نرسي دعائم النظام الجديد لما بعد ثورة يناير فأمامنا انتخابات برلمانية وانتخابات رئاسية ووضع دستور جديد.. ورغم ذلك فان القوي الثورية من الشباب لم تنظم صفوفها وتشكيلاتها الحزبية التي تخوض بها الانتخابات القادمة ولم تحدد برامجها ولم تتجاوز مرحلة المظاهرات والوقفات الاحتجاجية بعدما اخذت معظم مطالبها تتحقق وهو ما تقوم به حكومة عصام شرف.. ولا يمكن ان ننكر ان الاقتصاد يمر بأزمة خانقة ويتحمل خسائر بالمليارات نتيجة تراجع الانتاج وتناقص موارد السياحة وغيرها وبدرجة اللجوء الي السحب من الاحتياطي لمواجهة العجز في الموازنة وهو ما يتطلب التفرغ للانتاج للخروج من عنق الزجاجة. وأسوق عدة ملاحظات لما هو مطلوب في الظروف الراهنة: 1 يجب مساعدة الحكومة التي جاءت بارادة شعبية علي تجاوز الازمة وباتاحة المناخ الملائم لحل المشاكل، واقامة مشروعات التنمية في جميع المجالات والبحث عن مصادر خارجية وعربية للتمويل بدلا من الضغط عليها بأزمات جانبية غير مبررة.. مثل المطالبة باستقالة محافظ قنا الجديد قبل ان يتسلم عمله ويباشر مسئولياته، واللجوء الي قطع خطوط السكك الحديدية والطرق وتوقف القطارات عن نقل الركاب والبضائع الضرورية في محافظات الصعيد »الجواني« وتهديد المتظاهرين بقطع الكهرباء عن مصانع السكر والالومنيوم.. ولذا فان هناك خطا احمر لهيبة الدولة ولا يجب تجاوزه بأي حال والا تحولت الثورة الي فوضي.. ان مصلحة الوطن اولا وفوق كل اعتبار وبما يحتم ضرورة الاستقرار وتوفير مناخ الامن لعودة السياحة مرة اخري وقد بلغت الخسائر قرابة المليار شهريا ولكي تتدفق الاستثمارات الاجنبية والعربية المطلوبة!. 2 يجب مساعدة المجلس الاعلي والجيش الذي يتحمل المسئولية في ظروف غاية الصعوبة ويقف حارسا للثورة ومؤتمنا عليها، ومراعاة ان القوات المسلحة تقوم بمهام اضافية وداخلية والي حد حراسة المستشفيات من النهب للاجهزة والمعدات الطبية بواسطة عصابات اللصوص والبلطجية، وتأمين منشآت اخري هامة مثل مبني الاذاعة والتليفزيون.. وبينما يكفي علي القوات المسلحة حماية حدود الوطن وسلامة اراضيه من المتربصين به وبأمنه القومي!. 3 يجب معاونة جهاز الشرطة علي اداء واجباته ومد يد العون له في مواجهة الانفلات الامني السائد بعد الثورة، وفي اطار حسن المعاملة والاحترام المتبادل بين المواطنين ورجال الشرطة، ومراعاة الانضباط في المرور الامن في الشارع.. ولابد ان نقدر ان جهاز الشرطة ليس مسئولا عما وقع من تجاوزات واعتداءات اثناء مظاهرات الثورة وانما وزير الداخلية السابق وبعض المعاونين المنفذين لأوامره فان الجهاز مليء بالشرفاء الذين يحترمون القانون والشعب. ويبقي بعد ذلك دور الاعلام والصحافة في تناول قضايا الفساد والتي صارت وسيلة للترويج وجذب الانتباه وصارت مادة للتسلية في بعض الصحف بدلا من المعالجة الموضوعية التي لا تتدخل في مسئولية القضاء وبحيث لاتتعجل الاحكام في القضايا.. وعلي حد تعبير المستشار احمد الزند رئيس نادي القضاة: ان المحاكمة لابد ان تكون قانونية ومنصفة وعادلة! ولذا لايجب التسرع بأحكام مسبقة في التهم الموجهة وبحيث لاتشكل ضغطا علي الرأي العام، فان القضاء وحده هو الجهة المنوط بها اصدار الاحكام العادلة في ضوء التحقيقات والمحاكمات!. اننا في حاجة ماسة في هذه المرحلة الي التنبة واليقظة وعدم الانسياق وراء دعاوي الفتنة بكل صورها وكما جري في احداث قنا ولاشك ان الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء يبذل جهده في قياس نبض الشارع في القرارات، ولكنه لا يستطيع التنبؤ بردود الافعال الشعبية لها.. وكشفت الاحداث ان هناك قوي مثل السلفيين تريد احراج الحكومة ووضع الدولة في اختبار صعب وذلك بالشحن وبالتحريض والاثارة لمشاعر الجماهير.. بدلا من التفكير في الانتاج المطلوب لمواجهة الازمة الخانقة وتجاوز آثارها!.