نخطئ كثيرا في حق أيامنا الوطنية حينما نختزلها في مناسبات احتفالية نكرر فيها ما اعتدناه من طقوس، ذلك ان أيامنا الوطنية هي محطات فارقة في مسيرة شعبنا سبقتها سنوات من ترتيب الخيارات وتحديد الأولويات قبل ان ينفخ الشعب من روحه في طليعة الأبطال الذين قاتلوا حينما كان القتال ضرورة، وفاوضوا حينما أصبح التفاوض من موقع القوة، وفي الحالتين كان العقل يقظا وكان السلاح »صاحي«. وكان خلف كتائب المقاتلين وفرق المفاوضين شعب اعاد صياغة موارده وترتيب عقله وتوجهاته وأعطي عن سخاء زهرة شبابه قربانا لاسترداد الشرف الوطني.. ربما ينظر شباب هذا الجيل إلي وقائع تحرير سيناء علي انها حوادث عابرة، إذ انها سنوات معدودات بين احتلال سيناء وبين استعادتها، ولكن من عاصر تلك الأيام يعرف حجم المرارة وشجاعة التضحية وروح الرجولة التي تفجرت في اعطاف الوطن. كانت حرب أكتوبر قد اعادت ثقة ضاعت منا، واعادت للعدو واقعية تاهت منه، ومع يقظة السلاح ومروءة الرجال كان التفاوض من موقع القوة علي العقل، وحاولت العقلية الإسرائيلية ان تراوغ في استيعاب حقائق الواقع. أبرز هذه الحقائق أن مصر عزيزة أبدا وأن أمنها القومي يلتف حوله كل المصريين رجالا ونساء شيوخا وشبابا وولدانا، مسلمين ومسيحيين، يمينا ويسارا لتكسيهم الوطنية المصرية فإذا بهم علي قلب رجل واحد، لذلك فإن عيد تحرير سيناء الذي نحتفل به غدا يتجاوز الحدث والمناسبة ليصبح علامة علي تحول تاريخي في مصر والمنطقة.. في 52 ابريل 2891 أصبحت كل سيناء في حضن الوطن الأم، وأصبحت منطقة جذب للسياحة الأوروبية تنافس المنتجعات التقليدية لهذه السياحة الأوروبية في أسبانيا وأمريكا اللاتينية. ولم يكن تحقيق ذلك ممكنا إلا بعد انفاق عشرات المليارات علي البنية الأساسية والخدمات، فهناك آلاف الكيلومترات من الطرق الحديثة، تمثل شبكة متكاملة تربط سيناء ببعضها البعض والمدن المصرية الأخري، بالاضافة إلي ربطها بشبكات الطرق بالدول العربية الشقيقة في الشرق، ثم كان المشروع العملاق الذي استهدف تذويب المانع المائي المتمثل في قناة السويس بكوبري السلام العملاق الذي يربط سيناءبالوادي، هناك أيضا المطارات الحديثة، وشبكة كهرباء عملاقة تغطي كل سيناء وتجعل منها معبرا لربط شبكات الكهرباء بالدول العربية في المغرب والمشرق العربي، وتمثل هذه الشبكة قاعدة وعبورا جديدا لارساء السوق العربية المشتركة التي نحلم بتحقيقها بخطوات أسرع، كما تم توصيل مياه النيل لأول مرة في تاريخ سيناء وشق ترعة السلام التي تنقل مياه النيل لجميع الاستخدامات والزراعة وهي أهم اضافة لشبكة الري خلال سنوات طويلة. وإذا كان كل هذا قد تحقق علي أرض سيناء بدماء وأرواح أبناء الشعب المصري تحريرا وبسواعدهم وعرقهم وبأموال الشعب الذي حرم نفسه من كل جنيه لكي يعمر هذه البقعة الغالية من أرضه الطاهرة.. إذا كان الاقبال السياحي علي منتجعاتها يسعدنا جميعا، فلابد ان نتساءل أيضا في عيد تحرير سيناء.. وماذا فعل بها النظام السابق طوال ثلاثين عاما.. وماذا تحقق لابناء الشعب الذين انجزوا وحققوا كل ما تقدم؟! بعد كل هذه التضحيات.. هل وصلنا بمعدل الكثافة السكانية في سيناء إلي الحد الذي كنا نأمله.. أم لانزال.. أمامنا خطوات يجب ان نقطعها وعقبات يجب ان نذللها لكي تتنوع أنشطة سيناء إلي جانب السياحة، لكي تستقر بها العمالة المصرية حتي تحقق دورها المطلوب في الاقتصاد الوطني وحتي يتحقق لها الامان الاستراتيجي بالكثافة السكانية الكبيرة والمساهمة في تخفيف الكثافة السكانية في الوادي المختنق..؟ للأسف لم يتحقق ذلك لأبناء الشعب الذين حرروا سيناء بدمائهم وارواحهم! الشعب المصري بقواته المسلحة استطاع ان يحرر مصر من الاحتلال الإسرائيلي بعد 6 سنوات بالرغم من مساندة أمريكا له عسكريا وسياسيا واقتصاديا بتأييد من معظم دول أوروبا.. ولم يستطع شعب مصر الحر التحرر من براثن النظام الفاسد الا بعد 03 عاما من الظلم والقهر والفساد في كل المجالات من حكومات الحزب الوطني الفاسد المنحل، دون وازع من ضمير أو أخلاق وطنية.. فالأرض التي حررها أبناء مصر الأبطال بدمائهم وارواحهم وحرموا أنفسهم من كل ضرورات الحياة، اقتنصها رموز النظام الفاسد فملكوا أنفسهم ملايين الأمتار من الأراضي وآلاف الأفدنة وعشرات القصور والمنتجعات وحرموا الشعب من كوب مياه نظيفة لري ملاعب الجولف التي سرقوها خلسة وعلانية من الشعب دون ان يدفعوا ثمنها أو ان يقدموا اية استحقاقات تعطيهم مبررا في الاستحواذ علي هذه الثروات.. الشيء الغريب ان كل أركان النظام لم يشعروا بأحزان حرمان أسرة من ابنها الشاب، بل أكثر من شاب اشقاء قدموا ارواحهم لتحرير الأرض والعرض، أو أب استشهد وترك خلفه أطفالا صغارا وارامل في ريعان الشباب، لم يشعروا بالحزن أو الحرمان من فقدان عزيز لديهم، طوال ثلاثة عقود كاملة..!! ما ذكره د.فتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق وأحد رموز النظام السابق الفاسد أمام هيئة التحقيق ان رأس النظام واركان النظام واقطاب حكمه تهكموا علي شهداء وضحايا موقعة »الجمل« وسخروا من قتل المتظاهرين المطالبين بالحرية والكرامة والعدل؟! لقد حرموا أبناء مصر من حق تملك قطعة من أرضهم وافرطوا في منح ملايين الامتار وآلاف الأفدنة لاتباع النظام من كبار رجال الأعمال الذين تاجروا في أراضي سيناء وباعوها للأجانب وللإسرائيليين برعاية من المسئولين واقطاب النظام الفاسد وأمام القضاء قضايا كثيرة دليل فساد مستثمرين اشتروا وتملكوا وشاركوا وباعوا لإسرائيليين وأجانب، بل الاغرب ان رأس النظام باع لصديقه بيرلسكوني رئيس الوزراء الإيطالي مساحات شاسعة من أراضي سيناء بطرق ملتوية!! وحرموا أبناء الشعب والبدو من أبناء سيناء من تملك قطعة أرض لزراعتها أو اقامة مشروع، ولم يتوقف الفساد علي بيع الأراضي المحررة والتي فشل النظام في تعميرها واقتصرت علي اقامة القري السياحية والقصور لأركان النظام ورجال الأعمال ليباهوا بها أمام زعماء العالم، وأصبح دخول المصريين للمناطق بتصاريح أمن لدخول أراض مصرية وترحيل المصريين الغلابة منها وكأنها دولة أجنبية!! لم يقتصر البيع علي الأراضي، بل شمل ما تحت الأرض من ثروات أبناء مصر، فتم بيع الغاز الطبيعي لإسرائيل بشروط مجحفة اضرت بالمال العام وبمصلحة مصر وشعبها وأهدرت الملايين من الدولارات بسبب تدني أسعار البيع!! وحرمت محطات توليد الكهرباء من الغاز الطبيعي اللازم لتشغيلها مما أثر علي انتاج هذه المحطات خاصة في فترة الصيف وقطع الكهرباء عن المواطنين والمصانع والمرافق والخدمات.. كل ذلك ليس مهما أمام ما تحقق للغير من منافع مادية!! في عيد تحرير سيناء نهنئ كل المصريين الذين روت دماؤهم هذه الأرض الطاهرة ولا يدينون بالولاء والانتماء إلا لها.. كما نحيي أرواح كل شهدائنا وبطولات من خاضوا معارك التحرير، ومعركة التحرر من النظام الفاسد وشهداء ثورة 52 يناير. كما نهنئ اخوتنا أقباط مصر في الداخل والمغتربين بعيد القيامة المجيد متمنين لكل أبناء مصر الخير والسعادة وموفور الصحة.