كما إنك لا تستطيع أن تتبرع بدم غيرك، فلا يحق لك أن تعفو وتسامح في دماء 864 شهيدا للثورة، لانه في هذه الحاله عفو من لا يملك الي من لا يستحق. أقول قولي هذا بعد أن كثرت في الايام الاخيرة المطالبات بالعفو عن مبارك وآله وصحبه لنقول لهم بكل بساطة: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وهي دعوة تثبت أن كثيرا من المصريين الان احد نوعين: إما غاية في الطيبة، او غاية في المعاناة من متلازمة ستوكهولم. وهي حالة نفسية تصيب الانسان عندما يتعاطف مع من أساء إليه أو ظلمه بشكل من الأشكال، كأن يتعاطف المجني عليه مع جلاده. وهذه المتلازمة منسوبة الي حادث سطو علي بنك سويدي عام 1973 احتجز فيه اللصوص عددا من موظفي البنك رهائن لمدة ستة أيام ارتبط خلالها الرهائن عاطفياً بالجناة، بل دافعوا عنهم بعد إطلاق سراحهم. أربأ بالمصريين ان يكونوا "ستوكهولميين"، ويا كل مصري لا تذهب نفسك حسرات علي مبارك وآله لأن أعينهم لم تدمع يوما علي خطأ اقترفوه، كما لا أريد لاي مصري ان يكون مباركيا أكثر من مبارك، فهل طلب الرئيس المخلوع العفو من أي مصري؟ هل أحس بالندم عما اقترف؟ وهل أقر بالذنوب التي ارتكبها؟ وهل عزم الا يعود إليها مرة أخري، خاصة وأن بلطجية حزبه لا يزالون يروعوننا ؟ الرد علي هذه (الهلات) جاء من مبارك نفسه في كلمته الي قناة "العربية"، فهو لا يزال ينكر انه ارتكب ادني جرم في حق المصريين، فقال:" وسيتضح من الإجراءات المعمول بها أن عناصر ومصادر أرصدة وممتلكات أبنائي علاء وجمال بعيدة عن شبهة استغلال النفوذ أو التربح بصورة غير مشروعة أو غير قانونية". وتقارير جهاز الكسب غير المشروع الاخيرة عن ثرواته وعائلته، تفضحه وتؤكد انه لايزال يكذب مع كل شهيق وزفير وحتي آخر نفس. وبدلا من التوبة او حتي مجرد الاعتذار، راح الرئيس المخلوع يتوعدنا:"أحتفظ بكافة حقوقي القانونية تجاه كل من تعمد النيل مني ومن سمعتي ومن سمعة أسرتي". لم تخرج كلمة واحدة منه تطيب خاطر أم ثكلي او زوجة ترملت او طفلة تيتمت من أسر الشهداء. من هنا لا يملك أي مصري الحق في العفو عن مبارك الا أولياء الدم. أذكر أن الصاغ جمال سالم، من الضباط الاحرار، طلب في الستينيات وهو علي فراش المرض، من المستشار حسن الهضيبي المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين وقتئذ أن يسامحه عن الاحكام الظالمة التي أصدرها بحقه خلال محاكمات الثورة ورد المستشار الهضيبي: أسامحك بالطبع في حقي ولكني لا أملك أن أسامح في حق الشهداء. فهل أملك أنا او انت او اي مصري أن نعفو عن مبارك في جريمة غرق 1043 من ضحايا العبارة، كنا يمكن ان نفكر في ذلك لو حاول مبارك ان يقدم صاحبها للعدالة، لا أن يساعده عزمي وسرورعلي الهرب، من يملك ان يغفر لمبارك ذنب حرقي قطار العياط وقتلي صخرة الدويقة وموتي سرطانات المبيدات المحظورة، والاحياء الذين لا يزالون يتعذبون بالمعاناة من الفشل الكبدي والكلوي، من يعوض ضحايا التعذيب في السجون الذين انتهكت أعراضهم وآدميتهم وخرجوا بالكثير من العاهات النفسية والبدنية؟ اذا كنتم حريصين فعلا علي مبارك" وصعب" عليكم الي هذه الدرجة عليكم أن تبصروه بشروط التوبة،وأولها: رد المظالم الي أهلها، فعليه ان يرد الاموال التي نهبها هو واسرته الي المصريين، او أن يتحللها منهم، اي يطلب موافقتهم علي أن يعتبروها حلالا له، اما في مظالم الدم فيجب عليه ان يطلب من أهل الشهداء العفو وأن يؤدي ديتهم، وثاني شروط التوبة كما يراها الفقهاء الاعتراف بالذنب وفيها يقول ابن القيم:" إن الهداية التامة الي الصراط المستقيم،لا تكون مع الجهل بالذنوب ولا مع الاصرار عليها، فإن الاول: جهل ينافي معرفة الهدي والثاني: غي ينافي قصده وإرادته، لذلك فلا تصح التوبة الا من بعد معرفة الذنب والاعتراف به وطلب التخلص من سوء عاقبته اولا وآخرا" ولا أعتقد بعد كل ما نشر ان مبارك يجهل ذنوبه لذلك فهو من النوع الثاني الذي يصر عليها، والشرط الاخير للتوبة: الندم علي ما سلف من الذنوب، ولا نتصور التوبة الا من خائف، مشفق علي نفسه مما ارتكبه، ولا يمكن لمن استمع لكلمة مبارك الاخيرة بلسانه أن يكابر ويقول انه كان خائفا وجلا، مشفق علي نفسه، بل كان مستكبرا، متحديا، مستفزا. ذكروا مبارك بقول الله تعالي:" وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتي اذا حضر أحدهم الموت، قال إني تبت الآن". يمكن أن نسامح مبارك إذا دل المحققين أين هرب أمواله، في هذه الحالة سيكون شاهد ملك إذا أخبرهم: من سرق من رجاله؟ وكم سرق؟ وأين أخفي أمواله أوغسلها؟ نريد أن يستيقظ ضميره ليقول لنا من أصدر أوامر إطلاق النار علي المتظاهرين؟ ومن دبر وخطط ونفذ موقعة الجمل؟ لسنا شامتين ولا متشفيين ولكن نريد ان نستفيد من دروس الديكتاتورية الاليمة، فاذا سامحنا مبارك دون توبته، كان ذلك دافعا لرئيس مصر القادم لأن يكرر نفس الآثام التي لم يجرم عليها حاكم في مصر حتي الان. تب يامبارك قبل فوات الاوان. خير البر عاجله: * لوعمل كل مصري كما تكد النيابة العامة وجهاز الكسب غير المشروع اليوم، لتحققت طفرة في الانتاج يمكن أن نعوض بها عجزنا التجاري ونحيي بها الامل. ليتنا نتخذ الدكتور عبد المجيد محمود النائب العام ورجاله والمستشار عاصم الجوهري رئيس جهاز الكسب غير المشروع وخبرائه، قدوة لنا ولاولادنا، بعد طول زمان عز فيه القدوة الصالحة والمثل الحسن.