بعض التيارات تحاول اختطاف الرسالة الأزهرية وتفريغها من مضمونها علي الغرب التمييز بين المنتمين للأزهر والآخرين المنحرفين عن وسطية الإسلام ربما كان من أهداف اختيار هذا التوقيت لشن الهجمات الإرهابية الأخيرة علي الكنائس المصرية ضرب السعي الحثيث لتمكين مصر خارجيا وعودتها إلي المحيط العالمي، خاصة بعد زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي الناجحة للولايات المتحدة والاستجابة الفورية من بابا الفاتيكان لزيارة مصر، ولكن إرادة المصريين وأصدقاء مصر حالت دون تحقيق الإرهابيين لأهدافهم بعدما أكد بابا الفاتيكان أنه لم يُغير أيا من برامجه في زيارته المرتقبة إلي مصر التي تبدأ الجمعة القادمة. في هذا الحوار مع د. عباس شومان وكيل الأزهر نفتح عدة ملفات حول ما يقوم به الأزهر الآن وما يُزمع القيام به في المنظور القريب سواء في زيارة البابا أو خطوات مواجهة هذا الفكر التكفيري: ما بين زيارة شيخ الأزهر للفاتيكان وزيارة البابا المرتقبة إلي مصر.. كيف يري الأزهر أهمية الحوار مع المجلس البابوي للحوار بين الأديان لتفعيل القيم الإنسانية المشتركة في مواجهة التعصب والعنف العالمي؟ القمة التاريخية السابقة بين الإمام الأكبر وبابا الفاتيكان أسست لحوار حقيقي بين الشرق والغرب قائم علي التعاون والتعايش المشترك، وشجعت بل منحت دفعة قوية من أجل أن نسير علي هذا الدرب الذي يحقق الخير لجميع الشعوب، وهو ما تؤكده أيضًا الزيارة المرتقبة للبابا فرانسيس الجمعة القادمة والتي تحظي باهتمام كبير من الأزهر حيث سيلقي كلمة في المؤتمر العالمي للسلام الذي ينظمه الأزهر، مع توقيع وثيقة عالمية للسلام، إضافة إلي مقابلات مع معظم قيادات الأزهر.. وأؤكد أن الأزهر الشريف حريص كل الحرص علي التواصل مع غير المسلمين داخل مصر وخارجها، وتبادل الرؤي والأفكار معهم بما يحقق الأمن والسلام للبشرية كافة، ولعل خير شاهد علي ذلك تلك التجربة المصرية الفريدة المتمثلة في »بيت العائلة» والتي أصبحت نموذجًا يحتذي به في العالم أجمع؛ لما حققته من إنجازات ونجاحات، وكذلك مركز حوار الأديان، إضافة إلي جولات فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر العالمية. تصحيح المغلوط ما الآليات التي يسهم بها مركز الحوار بالأزهر والمجلس البابوي للحوار في إقرار السلام والعيش المشترك؟ إننا في حاجة ملحة إلي العمل الجاد لتصحيح صورة الأديان لدي الشباب، وتعزيز العلاقات فيما بيننا، ويمكننا أن ندعم هذا التوجه من خلال المؤسسات العلمية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والتأليف المشترك باللغات المختلفة، بما يجيب عن تساؤلات الشباب، ويقترب من أفكارهم، ويعالج القضايا الجدلية المثارة بين أتباع الأديان، ويزيل اللبس والإبهام الذي يجول في خواطرهم من أثر الشبهات، من أجل بناء جسور متينة من التواصل والتفاهم المشترك دون أن يعني ذلك محاولة فرض فكر بعينه أو عقيدة بعينها، ولكن علي الغرب التمييز بين المنتمين للأزهر والآخرين المنحرفين عن وسطية الإسلام. اختطاف! نريد أن نتعرف أكثر علي دور الأزهر في الفترة الأخيرة لنشر صحيح الإسلام وسط شنشنة المغرضين وغير المؤهلين؟ في الفترة الأخيرة يبذل الأزهر الشريف جهودا مضنية من أجل الحفاظ علي رسالته التي تحاول تيارات شتي أن تختطفها وتفرغها من مضمونها وتشوه حقيقة الرسالة الإسلامية السامية، والجميع يتابع يوميا ما يبث من سموم فكرية علي اتجاهين، الأول اتجاه متشدد والآخر منفلت، وكلاهما خطر، والأزهر يواجه تلك السموم يوميا من خلال علمائه بعدة طرق داخليا وخارجيا منها: الإعلام والقوافل الدعوية واللقاءات والمؤتمرات. ويجب أن ننوه إلي دور علماء الأزهر من الوعاظ والمعلمين المنتشرين في كافة الدول الإسلامية وغير الإسلامية التي يوجد بها مسلمون، حيث يعلمون الناس الدين الصحيح ويدعونهم للتعايش السلمي وعدم نبذ الآخر، فهم قدوة في مجتمعاتهم وسفراء لدينهم الحنيف دين السلام، بالإضافة إلي أكثر من 40 ألف طالب وطالبة من أبناء المسلمين بأكثر من 107 دول ممن يدرسون بالأزهر الشريف ويقيمون علي نفقة الأزهر ليتعلموا سماحة الإسلام ووسطيته ليعودوا هداة في أوطانهم. من الواضح أن اقتراح الرئيس بتجديد الخطاب الديني قد لاقي استجابة أزهرية مدروسة.. هل هناك خطوات جديدة يتخذها الأزهر في ذلك الأمر؟ تجديد الخطاب الديني قضية مستمرة يتوارثها علماء الأزهر جيلا بعد جيل، لكن في الفترة الأخيرة ظهر اختلاف كبير بين الناس حول تفسير مصطلح تجديد الخطاب الديني، والتجديد عند علماء الأزهر له معني ثابت، وهو استعادة الخطاب الوسطي الذي أصلح به السابقون أحوال الأمة وجعل الناس أكثر استقامة علي منهج الله، وأكثر موازنة بين أمور الدين والدنيا معا، حيث إن الأعمال كلها في شريعتنا إما عبادة وطاعة وإما معصية وبُعد عن طريق الحق، حتي ينصلح الخطاب الديني ويحقق مصالح الناس في الدنيا ويضمن لهم سلامة الموقف في الآخرة. استعادة الخطاب وما الإجراءات العملية لتحقيق ذلك؟ هذا الأمر يحتاج إلي عدة أمور، منها أولا استعادة الخطاب الديني من خاطفيه، فمشكلة الخطاب الديني الكبري تكمن في اختطافه من غير المؤهلين بأدواته المانعة من الجنوح عن طريقه الصحيح، أو هؤلاء الذين ينتهجون مسلك التشدد المقيت الذي يضيّق علي الناس وينفرهم في الدين من الأساس، وهؤلاء يوجدون في كثير من المساجد والزوايا ويطلون علي الناس من خلال وسائل الإعلام المختلفة دون رادع يردعهم ويعيدهم إلي جادة الصواب. ثانيا: إعادة النظر في بعض كتب التراث لتنقيتها هي الأخري من الروايات المهملة من قبل المتخصصين من العلماء، وأؤكد هنا أن هذه الروايات لا تكاد تذكر بل تتلاشي في مقابل النصوص الصحيحة الصريحة في ذات الموضوع، ولا سيما ما يتعلق بالدماء والأعراض، لأن أمرهما مبني علي الاحتياط والحذر. ثالثا: تحديث الوسائل والأساليب المستخدمة في هذا الشأن لتناسب الزمان والمكان. رابعا: مراعاة أحوال الناس المخاطبين بهذا الخطاب، واختيار البديل المناسب من بدائل كثيرة في شرعنا الحنيف. خامسا: تجريد الخطاب الديني من المؤثرات الخارجية والأهواء الشخصية والبعد عن توجيهه لخدمة مصالح ضيقة، وذلك بتحميله ما لا يحتمله، فالمتصدي للخطاب الديني يوجّه ولا يوجهه أحد من الناس مهما علت منزلته ومهما كان المنصب الذي يشغله. لكن كيف تفسر فضيلتكم أسباب انتشار الفكر المتطرف بين الشباب المسلم الآن رغم سهولة أدوات المعرفة؟ باستقراء تاريخ البشر منذ أن عرفوا الرسالات السماوية لا نجد دينًا إلا وقد استخدمه بعض أتباعه استخدامًا خاطئًا، فجعلوه سببًا لنشوب النزاعات أو وقودًا لإشعالها وتعقيدها، وهناك عوامل كثيرة لانتشار ظاهرة العنف والتطرف، فكرية وتعليمية واقتصادية واجتماعية وسياسية، أسهمت في خلق بيئة خصبة لجماعات التطرف والإرهاب التي يعاني العالم شرورها اليوم، ومن ذلك فهمهم السقيم لنصوص الأديان والرسالات؛ حيث تجدهم يجتزئون النصوص ويؤولونها بما يوافق أغراضهم الخبيثة التي لا يقرها دين صحيح ولا يقبلها عقل سليم. ما خطة الأزهر في مواجهة حالة الإسلاموفوبيا التي تجتاح الكثير من دول العالم حاليا؟ إنَّ اتهام الغرب بأنه المسئول عن ظاهرة الإسلاموفوبيا فيه نظر، لأننا كمسلمين نشارك بقدر كبير في هذه الظاهرة، التي تتعدد أسبابها لكني سأتحدث عن سببين منها، الأول يتعلق بواقع الظاهرة، ويكمن في المسيطرين علي الخطاب الديني في هذه الدول، والمتابع والمتفحص يري أن الغالبية منهم ينتمون إلي تيارات متشددة نعاني منها في بلادنا، حيث يمتلك ذلك التيار أموالًا ضخمة ينفقها لنشر أفكاره المغلوطة والمشوشة أو له أتباع كُثر في هذه الدول، وهُم بشكل عام يعطون صورة مغلوطة عن الإسلام وبناء علي هذه الصورة يحكم علينا الغرب. السبب الثاني هو هذا التناول غير المنطقي وغير المعقول من كثير ممن يتحدثون عن الأزهر، وأقول لهؤلاء إن الأزهر لم يتلق عبر تاريخه شكوي من دولة من دول العالم المختلفة ضد خريج واحد ممن تخرج من الازهر الشريف.