في الطريق مقدمة لابد منها بقلم شاهد عيان : كانت تفنينة من تفانين فكري بك أشار بها علي كريم فهز رأسه تقديرا للفكرة، وقال أنها فرصة حسنة لكي يضيف إلي "ألبومه" صورة "صاحب العظمة سلطان المريخ"...بينما مصمص التابعي شفتيه إعجابا ورآها فرصة "لتغيير المناظر"، بينما قال الدكتور طه حسين إنها فكرة قد تكون جميلة، وقد لا تكون، وقد تبقي متأرجحة بين أن تكون جميلة ولا تكون...و لكنه في النهاية اختار الذهاب، وأعلن الفرسان الأربعة عن قرارهم هذا، فخرجت القاهرة كلها تودعهم يوم أن استقروا في طائرتهم الصاروخية يبغون المريخ، وجاءت جمع الغيد والحسان يحملن الزهور فأطل عليهن فكري أباظة بك فتعالت الزفرات والتنهدات، وتطايرت في الهواء تنصب علي الطائرة حتي كادت تخفيها عن الأنظار، ونظر مهندس الطائرة إلي ساعته وهتف: "أمامكم خمس دقائق فقط.... أيها السادة !"، وفي الحال نشطت حركة التوديع، ثم دوت الصفافير في أنحاء ميدان "العملية"، ثم أغلقت منافذ الطائرة إغلاقا محكما، وفجأة، في الساعة المحددة، انبعث صوت كالذي ينبعث عند فتح زجاجة من "الكوكا كولا"، كانت الطائرة قد شرعت في رحلتها وفي اللحظة التالية غيبتها السحب. وصول بقلم: د. طه حسين توقف بنا ذلك المركب الذي انطلق يشق الفضاء شق الحلم فجأة كما انطلق فجأة، وصاح صائح: وصلنا إلي المريخ...فإذا بنا فوق ربوة ترقي حين ترقي إليها جهدا عظيما لأنها لم ترتفع في الجو رويدا رويدا، ولم تدبر صعودها فيه تدبيرا، وإنما وثبت إليه وثوبا مفاجئا، فقامت أمامك كما يقوم الجدار. فإذا انتهت إلي قمتها وجدت الأرض قد انبسطت لك واستوت، فليس فيها عوج ولا التواء،و أحسست كأنك ارتفعت فوق هذه الحياة المضطربة المختلة، التي يجري نهرها في الدنيا تحت قدميك..يملؤها الكدر والغثاء، وأحسست كأن هذه الشركة بينك وبين هذه الأحياء التي يزدحم بها العالم قد انقطعت، وكأنك من جوهر مصفي لا يشارك هذه الجواهر الكدرة في شئ.. ثم تنظر إلي بعيد، فإذا مروج لا تكاد تنتهي. وقامت في هذه المروج هنا وهناك أشجار تنفرد حينا وتجتمع حينا آخر. وتختلف فيما بينها اختلافا غير قليل. فمنها ما يثمر لسكان المريخ ألوانا من الثمر نسيغ بعضه ولا نسيغ البعض الآخر، ونأكل بعضه ولا نأكل البعض الآخر، ونهضم بعضه ولا نهضم البعض الآخر. وقد انتشرت في الجو المرتفع لهذه المروج ضروب من الطير، مختلفة الأصوات والنغم، متباينة الألوان والأحجام، ولكنها تشترك كلها في الغناء والنشاط. واستخفت بين هذه الأعشاب الكثيفة الصفيقة حشرات أخري، متباينة مختلفة، لا تكاد تري ولا تكاد تحس، لولا أنها تستلذ الحياة في هذه المخابئ الوثيرة، وتستلذ حياتها اليسيرة الضئيلة كلها، فتندفع إلي غناء مختلف مؤتلف، ولقد نجمت من بين هذه الأعشاب نجوم تحمل ألوانا مختلفة من الزهر، وتنشر ضروبا مختلفة من الورق النضر، ثم غمر هذا كله عرف لذيذ، حلو حاد يبعث في الأنف لذة، وفي النفس نشوة، وفي الجسم قوة ونشاطا. وهذا كله يختلف من حين إلي حين، حين تبسم له الشمس، فتلقي عليه أشعتها الحارة الدافئة، وحين تعرض عنه الشمس، فتنشر بينها وبينه سحابا رقيقا، وحين تغضب منه الشمس، فتنقطع ما بينها وما بينه من صلات المودة والحب وتخلي بينه وبين هذه السحب الكثاف، فإذا هي تصب عليه الماء صبا، أو تحصبه بالبرد حصبا، وأنت تشهد هذا كله مستمتعا به منغمسا فيه حين ترضي الشمس، ومتحفظا حين تسخط، ومترددا بين هذا وذاك حين تعرض إعراضا يسيرا أو عسيرا، فأنت تحيا في المرج حينا صارفا نفسك مرة إلي العالم السماوي من فوقك، ومرة إلي العالم الأرضي من تحتك، وأنت تهيم في المرج حينا آخر منقطعا له ممتزجا به، أو منصرفا عنه إلي حديث عذب مع التابعي وكريم، أما فكري - غفر الله له - فما كنا نراه أبدا، وما قاله لي رفيقاه ورفيقاي ألا أنهما رأياه مع إحدي فتيات الكوكب يمازحها حينا، ويباسطها حينا آخر، وقال رفيقاي صبيحة أحد الأيام : " أرأيت فكري إلي فكري وقد ضربته بنت السلطان لما هم يغازلها". إنتراكت بقلم: فكري أباظة ظلم..وافتراء.. وعكننة.. وقلب للأوضاع.. من قال هذا؟ فكري أباظة صاحب الجولات والصولات، صاحب المغامرات والنزوات، صاحب الانتصارات والغزوات، الذي انتحرت من أجله 17 فتاة نرويجية، و29 هنغارية و37 فتاة من نيام نيام...؟! فكري أباظة هذا تضربه امرأة..تصفعه امرأة..تهينه امرأة.. لا، لا ! دون هذا يا أستاذنا الجليل وقف.. دون هذا يا أستاذنا الجليل وخذ "إنتراكت" ترتاح فيها أعصابك ! الملوم في الحكاية كلها هو صديقنا كريم.. جاء في الصباح وقال لي : »تعال نذهب إلي السلطان»، وعجبت، عجبت لأن صديقي كريم لم يكن بحاجة إلي أن أذهب معه وهو الفارس المجلي في مقابلات الملوك، وصاحب القدح المعلي في أحاديث الأمراء، ولكن كريم كشف الستار عن غرضه في الطريق، فعرفت كل شئ..أي والله كل شئ، أقسم بالله العلي العظيم ثلاثا : كل شئ، كان صديقي كريم قد أصيب بمرض الحب، وكانت المحبوبة هي بنت السلطان..وقلت لكريم "حذار حذار.. إنك تلعب بالنار.. وتعبث بالنار.. ولكن بلا فائدة.. ودون جدوي.. كان كريم قد غرق في الحب إلي أذنيه وأصبح منافسا خطيرا للتابعي وأبي الفتح وفكري أباظة ! ". و سألت كريم : "ماذا تريد ؟" فقال "المسألة بسيطة.. أنت رجل مشهور في مغامرات الغرام.. أنصب أنت شباكك حولها أولا وقدمني إليها، وعلي أنا الباقي !" فلما قابلتها - وكان كريم يحظي بلقاء السلطان للمرة الثالثة أو الرابعة لا أدري ! راعني أنها تحبني أنا.. وتعزني أنا.. وتريدني أنا..أليست مصيبة.. أليست كارثة ؟ ! حاولت أن أفهمها، بالذوق..وبالحسني.. وباللطف.. أنني "واسطة".. "خاطبة ".. "رسول".. ولكنها لم تفهم..فقلت لها هذا بصراحة، فصرخت وبكت، وإرتمت علي الأرض، ولكني لم أركن.. ولم أخضع.. ولم "أكل" من هذا الكلام..فلما أفرغت كل أسهمها نفضت عن نفسها غبار ضعفها وأتوثتها.. وهبت واقفة وقالت لي: "إسمع، أنا أبحك أنت.. هل تحبني أم لا ؟! "..فلم أرد.. كنت في غاية التأثر.. فصفعتني ! أنا إذا أيها الحاسدون لم أغازلها.. وإنما هي التي غازلتني.. وهي التي أحبتني..فهل عرفتم.. هل أدركتم.. هل فهمتم ؟ واأسفاه....! بنت السلطان بقلم: كريم ثابت قرأت ما كتبه صديقي فكري أباظة، والأمر يحتاج إلي إيضاح.. لما ذهبت إلي المريخ، كان أول ما دار بخاطري أن أتشرف بمقابلة صاحب العظمة سلطان المريخ، فذهبت إلي القصر، وطلبت مقابلة عظمته فأجيب طلبي في الحال، ولما كنت علي غير استعداد فإن عظمته تفضل وتغاضي عن الرداء الرسمي، وقبل أن يأذن لي بالمثول في حضرته بالبدلة الإسبور، وقد راعني من عظمته سعة إطلاعه، ولما قدمت لعظمته جريدة "المقطم" قال إنه يقرأها بانتظام ثلاث مرات في اليوم، مرة قبل الأكل، ومرة بعد ومرة قبل النوم، وقال لي عظمته إنه يتقن الأكل بالشوكة والسكين، وأحيانا يأكل من غير شوكة وسكين من فرط ديموقراطيته !. وقد حادثني عظمته في شئون كوكبنا الأرضي فأذهلتني غزارة معلوماته، واطلاعه أولا بأول علي مجريات السياسة العالمية، وقال لي عظمته إنه يعتقد أن الأنباء التي وصلته عن النزاع بين الإنجليز والبريطانيين قد تنذر بالشر، ولكنه أرسل رسله إلي إنجلترا يرجوها أن تتدخل في حسم النزاع، وقد شكرت لعظمته باسم الإنسانية تدخله المشكور، ورجوته أن يبذل نفس المساعي بين الصعايدة والبحاروة في الأزهر، هذا ما حدث في المقابلة الأولي مع عظمته.وقد استأذنت من حضرته شاكرا له تلطفه.ولا أنسي له أنه وهو يودعني قال لي : "إبقي خلينا نشوفك يا كريم"، وفي اليوم التالي ذهبت إلي القصر بناء علي هذه الدعوة الكريمة، فأصر الأستاذ التابعي أن يصحبني، فلم أر مانعا دون ذلك، ولما دخلنا القصر انفلت التابعي مني وصحت به لما رأيته يتجه نحو اليمين. "إلي أين؟ " فقال انه ذاهب ليدرس مدي تغلغل الشيوعية في حريم عظمة السلطان، وقد بلغني فيما بعد أنه استقبل هناك استقبالا سيئا، وقد تفضلت صاحبة العظمة السلطانة فضربته "علقة " سخنة، وقابلني علي باب القصر في حالة يرثي لها، فأخذت أواسيه، ولكنه أصر علي الانتقام، فاقترحت عليه أن نستعين بصديقنا فكري أو بعضلاته علي الأقل، وفي اليوم التالي في الصباح الذي أشار إليه فكري- قال لي التابعي وهو يشير إلي فتاة كأنها القمر في ليلة أربعة عشر : "هي !".. وشرح لي المقصود من هذه الكلمة الموجزة قائلا إنها صاحبة السمو السلطاني بنت السلطان، وأن صاحبة العظمة السلطانة قد أتحفته بالعلقة لأنها ضبطته وهو يغازلها، فذهبت إلي فكري وسردت عليه الحكاية كلها، فقال إنه سيذهب إليها ويرجوها أن لا تبخل علي التابعي بلقاء أو لقاءين، ولكن الذي حدث أن فكري ذهب ليغازلها، فقالت له "ما أثقل دم عزتك أنت والتابعي، إسمع يا بك. أنا أريد كريم فقط لا غير !" ثم صفعته ! من ليالي الربيع بقلم: محمد التابعي سأحاول هنا أن أكون دقيقا فأسرد الحقيقة كلها بلا رتوش.. وقبل كل شئ أحب أن أشيد بمهارة صديقي كريم في تأليف الروايات وأنصحه بالتأليف للسينما، والذي حدث تماما يناقض ما رواه صديقة كريم عن "العلقة" المزعومة التي نسبها إلي أنا المسكين.، صحيح أنني عندما ذهبت إلي قصر السلطان مع كريم انفلت منه واتجهت إلي اليمين ولكن ذلك الاتجاه كان بناء علي إشارة ! وأنا رجل يمكن أن يقال في المرء ما يشاء إلا أنني لا أسارع إلي تلبية الإشارة، وخاصة إذا امتدت بها يد ناعمة من خلف ستار حريري مزركش، في صبيحة يوم من الأيام، وما حدث بيني وبين صاحبة اليد الناعمة المرمرية، سر من الأسرار أضن به من أن يذاع ! وعلم كريم وفكري بالخبر، فدبرا مؤامرة ليستحوذا عليها وراح فكري يهمس في أذنيها بكلمات الحب فصفعته ! ولاذ كريم بالفرار !